على رغم إقرار السلطة السياسية في الدستور بحق تشكيل النقابات والجمعيات في المادة (م-27)، «حرية تكوين الجمعيات والنقابات مكفولة على أسس وطنية ولأهداف مشروعه وبوسائل سلمية مكفولة وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون، بشرط عدم المساس بالدين والنظام، ولا يجوز إجبار أحد على الانضمام إلى أية جمعية أو نقابة والاستمرار فيها). وعلى رغم إقرارها أيضا عدم المساس بجوهر الحريات والحق في المادة 31 الناصة على «لا يكون تنظيم الحقوق والحريات العامة المنصوص عليها في هذا الدستور أو تحديدها إلا بقانون أو بناء عليه. ولا يجوز أن ينال التنظيم أو التحديد من جوهر الحق والحرية»، على رغم ذلك فهي التي من ينتهك متى شاء وبأية وسيلة ارتضى وعبر ممارسات لا تملك من الديمقراطية غير المصطلحات الرنانة وبدواعي التسويق على الصعيد الإعلامي والدولي.
أما حرية الاجتماع فتم التأكيد عليها في المادة (م 28 / أ) الناصة على «للأفراد حق الاجتماع دون حاجة إلى إذن أو أخطار سابق ولا يجوز لأحد من قوات الأمن العام حضور اجتماعاتهم الخاصة. ب - الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات العامة والمواكب والتجمعات المباحة وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون، على أن تكون أغراض الاجتماع ووسائله سلمية ولا تنافي الآداب العامة».
لقد شكلت هذه النصوص القانونية الشرعية التي استندت إليها منظمات المجتمع المدني في عملها اليومي، إذ جاءت مع مرحلة الانفراج السياسي وإلغاء قانون أمن الدولة الذي أعاق تطور هذه المؤسسات وتوسعها.
ومع دخول البحرين مرحلة جديدة من النية لتعزيز الديمقراطية والإصلاح القانوني وإقامة دولة المؤسسات، وفق تصريحات السلطة اليومية وتأكيدات النصوص الدستورية، أصبحت منظمات المجتمع المدني تطالب السلطة السياسية وممثليها بتغيير القانون الحالي ليتواكب وعملية الإصلاح والتغيير المتغنى بهما يوميا ولتمارس هذه المنظمات حقها من الحرية المسئولة.
إلا أنه من الواضح وبعد الاطلاع على مسودة القانون الجديد، أن واضعها لم يأخذ في اعتباره النصوص الدستورية الكافلة للحريات، بقدر استناده إلى نصوص قانون مكافحة الإرهاب بحسب الورقة التي وزعت على منظمات المجتمع المدني في لقائها الأخير مع الوزارة والتي وضح فيه مستشار الوزارة عاطف أن القانون بني على أسس ثلاثة (الحداثة - قانون الإرهاب - تجارب الدول المتقدمة). إن نصوص القانون الجديد جاءت مجحفة ومكبلة لتصدم كل توقعات المنظمات فيما يتعلق بالعمل بحرية تحت مظلة القانون. وأضحت جميع مؤسسات المجتمع المدني تحت إدارة الوزارة بشكل مباشر وكأنها جزء من القطاع الحكومي، وليس مؤسسات مستقلة لها شخصيتها الاعتبارية، بحيث انحصرت كل صلاحياتها بحسب مسودة القانون الجديد في تنفيذ ما توافق عليه الوزارة.
وإذا كانت الوزارة واضعة المسودة لم تعبأ بالدستور فليس لنا أن نتكلم عن كل الاتفاقات الدولية الكافلة للحريات، والتي وقعتها البحرين وجاء هذا القانون مخالفا لها بشكل سافر، وأهمها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي وقعت عليه البحرين في 20 سبتمبر/ أيلول 2006، وخصوصا المادتين (21 - 22) من هذا العهد. إذ تنص المادة 21: على الحق في التجمع السلمي وعدم وضع قيود على ممارسة هذا الحق إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية. أما المادة 22 فتنص على أن لكل فرد الحق في حرية تكوين الجمعيات مع آخرين، ولا تحول هذه المادة دون إخضاع أفراد القوات المسلحة ورجال الشرطة لقيود قانونية على ممارسة هذا الحق.
وقد ساوت مسودة القانون بين المنظمات الأهلية والمنظمات ذات النفع العام وغير الهادفة للربح واللجان الأهلية المؤقتة والوسيطة والاتحادات النوعية في الأحكام، ولكن يظل مصطلح (المنظمة الوسيطة) غير واضح وفقا للتعريف المرفق في المسودة الناص على «بناء قدرات المنظمات الأخرى من المجتمع المدني من الناحية المالية والفنية وتقديم الاستشارات لها وتسيير عملها إلا أنها لا تمثل عنهم كيانا قانونيا بل تظل لها الشخصية القانونية المنفردة». فكيف ستكون هذه المنظمات غير هادفة للربح وهي تقوم بأعمال تحتاج إلى تمويل كبير لتنفيذها، إلا اذا كانت الوزارة هي من سينشأ هذه المنظمات ويديرها. ثانيا ما هو المصدر القانوني والتشريعي، الذي تستند إليه هذه المنظمات، في حق سلطة تسيير عمل المنظمات الأهلية الأخرى على أنواعها.
في أحكام التأسيس
المواد من (2 إلى 12) تحدد شكل تأسيس واكتساب المنظمات شخصيتها الاعتبارية، إذ إن تسجيل المنظمات الأهلية إجباري مهما كان حجمها، وعدم السماح لأية منظمة بالعمل من دون تسجيل. إضافة إلى الشكلية والتطويل التي تمر بها عملية التسجيل.
وعلى رغم أن نص المادة (28) في الدستور البحريني واضح في حق الأفراد في التجمع السلمي مادام لا يتنافى مع الآداب العامة فإن القانون المقترح عبر المادة (7) يفرض عملية التسجيل واكتساب الشخصية الاعتبارية على جميع الكيانات الاجتماعية، ولا يسمح لها بالعمل خارج الإطار القانوني. نقول هنا إن عدم رغبة المنظمات في اكتساب الشخصية القانونية هو الأساس وليس الاستثناء، فبعض هذه المؤسسات من الصغر في عدد منتسبيها وموازنتها وحتى أن بعضها لا يملك مقرا بل يعمل من خلال مقرات الآخرين، وعمليا تقييد هذه المنظمات بالتسجيل سيؤدي في الأغلب إلى حلها.
إضافة إلى أن عملية الإنشاء والتسجيل بحسب نصوص المواد (5 إلى 12) عملية طويلة وتغلبها الشكلية، فعلى رغم أن القانون الجديد المقترح يكتسب صفة الإيجابية في المادة (7) إلا أنه في حال رفض الوزارة الإشهار، ستدخل المنظمة في شبكة شكلية من المعاملات بين الوزارة والقضاء، والتي ستعوق عمل المنظمة وفعاليتها لحين صدور الموافقة، والتي قد تستمر لأكثر من سنة في المحاكم. إذ تنص المادة (7) على أنه «تكتسب المنظمة الشخصية الاعتبارية في حالتين أولهما بإجراء الوزارة قيد المنظمة في السجل، أو بمضي ستين يوما من تاريخ قيام جماعة التأسيس بتقديم طلب القيد دون رد الوزارة، مع مراعاة حكم المادة السابقة. وعلى الوزارة في الحالتين نشر ملخص للنظام الأساسي للمنظمة بالجريدة الرسمية، حيث تثبت الشخصية الاعتبارية لها من تاريخ هذا النشر». إذا تكتسب المنظمة شخصيتها الاعتبارية في حال عدم رد الوزارة على طلبها خلال 60 يوما من تقديم الطلب، وفي حال رفض الوزارة الإشهار، سيحول الأمر للقضاء.
كما اقتصر التأسيس على الأفراد بصفتهم الطبيعية من دون الشخصيات الاعتبارية، واشترط ألا يقل عددهم عن 15 شخصا في المادة (3) وهو بذلك يقيد حق الشخصية الاعتبارية في تأسيس منظماتها الخاصة، كما أن العدد (15 شخصا) يجعل حصول اللجان الأهلية والمنظمات الصغيرة على الشخصية القانونية غير ممكن. فلو افترضنا أن جماعة من الأشخاص قرروا تشكيل جمعية من محافظات البحرين لهدف خيري ويكون مؤسسوها عبارة عن شخص من كل محافظة فإن العدد لن يتجاوز الخمسة، بعدد محافظات البحرين. وعليه لن تتشكل الجمعية مهما كان هدفها إنسانيا لتعارضها مع العدد الذي حدده القانون.
أما المادة (104) التي تنص على «إذا رفضت وزارة التنمية الاجتماعية إعادة تأسيس المنظمة في ميعاد أقصاه سنة من تاريخ تقديم طلب التسجيل تنفيذا لأحكام هذا القانون، اعتبرت المنظمة منحلة بحكم القانون ويعين مصفٍ لها ويعتبر في حكم الرفض فوات الميعاد المشار إليه من دون إتمام التأسيس أو إخطار مقدم الطلب برفضه».
تتمثل خطورة هذه المادة في أن الوزارة هي القاضي والحكم في إعادة تأسيس المنظمات القائمة بحسب أحكام القانون الجديد أو تصفيتها من دون ذكر السبب أو الرجوع للمنظمة في ذلك، أو إعطائها فرصة اللجوء للقضاء والتظلم.
التوصيات: لنطبق أحسن الممارسات
ان يكون التسجيل بالإخطار فقط، وفي حال عدم موافقة الوزارة عليها يتم اللجوء للقضاء. كما يجب إلغاء اكتساب الصفة القانونية الإجبارية استنادا إلى نصوص الدستور البحريني (27 - 28 -31). أي أن التسجيل القانوني لا يجب أن يكون شرطا مسبقا لعمل المنظمات. ولنأخذ القانون اللبناني كمثال، إذ يعطي قانون الجمعيات اللبناني مثالا جيدا هنا، تنص المادة (2) «إن تأليف الجمعية لا يحتاج إلى الرخصة في أول الأمر ولكنه يلزم في كل حال بمقتضي المادة السادسة إعلام الحكومة بعد تأسيسها».
ولنا أن نتساءل هنا عن معنى الإلزام في التسجيل والهدف منه، إذ إن التسجيل وضع فقط للمؤسسات التي ترغب في أن تكتسب الصفة القانونية التي تتيح لها فتح حساب في المصرف وتسيير معاملاتها المالية، ولم أجد في أي من نصوص المنظمات العاملة في دعم تأسيس المنظمات المجتمعية بندا واحدا يلزم المنظمات بالتسجيل.
ولنأخذ منظمة (المركز الدولي للقانون غير الربحي) في المادة 1/1 إذ تنص على «تشكيل منظمات المجتمع المدني: تعني حماية الحريات الأساسية في التعبير والتجمع المسالم، أنه يجب السماح لمنظمات المجتمع المدني بأن تتشكل بحرية، كما يعني أنها يجب ألا تكون مطالبة بالحصول على الصفة القانونية لتشارك في النشاطات القانونية». وهذا النص يعيدنا للتساؤل الأول لماذا فرض مسألة التسجيل؟ فإذا افترضنا أن السبب هو المسألة الأمنية والرقابة خوفا من الإرهاب، فمن المؤكد برأيي أن المنظمات التي تريد أن تعمل في الإرهاب بديهيا لن تعلن عن نفسها. وعليه يفضل أن تشطب المادة أو البند الذي ينص على عملية إلزامية التسجيل.
وبالنسبة للمادة (104) من القانون الجديد «إذا رفضت وزارة التنمية إعادة تأسيس المنظمة في ميعاد أقصاه سنة من تاريخ تقديم طلب التسجيل تنفيذا لأحكام هذا القانون، اعتبرت المنظمة منحلة بحكم القانون ويعين مصفٍ لها ويعتبر في حكم الرفض فوات الميعاد المشار إلية دون إتمام التأسيس أو إخطار مقدم الطلب برفضه». فيجب إلغاؤها فهي تتعارض حتى مع نصوص القانون الجديد المادة (6). فالأساس هو السماح للمنظمات المدنية أن تعدل وضعها بما يتناسب مع أي قانون جديد لا إجبارها على إعادة التأسيس أو الإنشاء.
أما بالنسبة للعدد المطلوب للتأسيس فنوصي بأخذ القانون الأفغاني كمثال في التأسيس وعدد العضوية (المادة 11)، «يمكن تأسيس منظمة عن طريق اثنين على الأقل من المواطنين أو الأجانب بصفتهم الطبيعية أو المعنوية». بحيث يكون التأسيس عن طريق اثنين على الأقل من المواطنين بصفتهم الطبيعية أو المعنوية.
إقرأ أيضا لـ "زينب الدرازي"العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ