تناولنا في حديث سابق الحوادث التي أثرت في رسم حياة شخصين يعملان في السلك التعليمي، إذ عملت في أجواء خانقة على محاولة التفريق والتمييز بينهما بشكل فاضح لا يقوم على أسس أو معايير يتقبلها شخص عاقل، وأشرنا في ذلك الحديث إلى الشخص الذي استفاد من تلك المحاباة والفجاجة في إساءة استغلال السلطة بالاسم المستعار «دواس»، في حين ارتضى الآخر بالاسم المستعار «دايسينه دوس».
كنت أعلم وأنا أضمد جروح كلماتي أن في هذه الوزارة – أعني التربية والتعليم – أناسا كثيرين يصح أن ينتظموا في طابور «دايسينه دوس» كما أن لهم الحق في التفكير الجاد في تشكيل لجنة تأسيسية تكون اللبنة الأولى لمشروع جمعية أو نقابة مصرحة من قبل الجهات الرسمية، تتبنى تطلعات من «يداس في بطونهم» بين الفترة والأخرى، والنظر في إمكان توثيق تلك الحالات بشكل علمي وموضوعي بالتواريخ والأرقام المعبرة عن كل «دوسة أو طراق، أو ربما نطحة ورفسة» تلقاها أعضاء جمعية «الطوفة الهبيطة» خلال عملهم في هذه الوزارة، وممن كانت «الدوسة الأولى» التي أسست أساس «التُدوس»... ولصالح من كانت هذه «الدوسة» بمعنى من الذي استفاد منها؟... فقد يدوس الدواسون من دون انتظار مصلحة تصب في سجلاتهم الشخصية بشكل مباشر، فهذا يدوس لصالح النسيب، وذاك يدوس لصالح الحبيب، ولأجل عين ألف عين تفقأ وألف بطن يُداس.
إذا كان هؤلاء المسحوقون جادين في السعي لتكوين جمعية «عيال البطة السوداء» فإنني أتمنى عليهم أن يفرضوا على كل عضو فيها رسوم اشتراك مبالغ فيها، يتم تقديرها لكل عضو بمقدار الإجحاف الذي تعرض له وذلك لعدة أسباب أذكر منها سببين:
- التحقق من كون جميع منتسبي هذه الجمعية منتمين حقا للشريحة المستهدفة، وليسوا مندسين أو متطفلين أو أناسا لم يجدوا جمعية تحتضنهم فانضموا إليها من باب العلم بالشيء أو كما يقال «دلاعة شياب».
- تحصيل أكبر مبلغ ممكن لضخ الروح في الجمعية المزمع إشهارها وتسيير أمورها المالية، فجمعية كهذه لن تجد الدعم من أحد ولا أنصحها بتقبل دعم الجهة التي تفرعت منها هي، وخصوصا أنها قد تمدها اليوم بحقها وفي أول فرصة ستعايرها بما منحتها، ولنا في ذلك أمثلة جلية للجميع في جمعيات تُعاير اليوم بما تمكنت من الخروج به من فم الأسد.
ربما يختلف أعضاء الجمعية قبل تأسيسها على أمور تافهة من قبيل الاسم الرسمي للجمعية، وقد يشار في هذا الصدد إلى أسماء من قبيل «جمعية الرفق باللي دايسينهم دوس» أو «جمعية أصدقاء المتعورين من كثر الدوس» أو «جمعية ضحايا التدويس الوطنية» وغيرها من الأسماء التي لا أتمنى أن ينشغل بها مؤسسو الجمعية عن الأهداف الرئيسية في تحقيق تطلعات الأعضاء، من كشف أعراض جميع الدوسات التي تعرضوا لها، والظروف المحيطة التي سهلت عملية الدوس، والأشخاص الذين كانت لهم اليد الطولى في مباركة هذه العملية وإمكان إزالة أو تطبيب الآثار الناجمة عنها.
القارئة (دايسينها دوس من عشرين سنة) ذكرت لي مرة أنها تعرضت للدوس المستمر خلال 20 سنة في عملها، إذ كانت تشاهد العناصر غير المؤهلة تتناثر - كتناثر المسامير - للعمل، وتقوم هي شخصيا بتعريفهم بالعمل وأسراره، وفجأة ومن دون مقدمات ومن دون أي مبررات تراهم وقد أصبحوا رؤساء عليها في عملها بعد ممارستهم هواية القفز وألعاب الحركات البهلوانية على مقاعد صنعت من أجلهم وهم في أرحام أمهاتهم!... تلك القارئة لا أتمنى ولا أنصح بقبول عضويتها كونها قد تعودت الدوس وربما وصلت به حد الإدمان، وقد لا تستطيع أن تعيش من دون أن تحصل على جرعات تنشيطية منه، أضف إلى ذلك كونها من مخلفات حقبة كان من أبرز سماتها أن يداس في البطون الخاوية... ألا أن ذلك لا يعني استبعادها وإقصاءها عن الجمعية بشكل نهائي، بل يمكن أن تحصل على العضوية الشرفية للاستنارة بمشورتها غير الملزمة في بعض القضايا.
أيضا لدينا القارئ (دواس ومحد له خص فيني) يقول إنه ليس من المعيب أن يتسلق المرء المراكز التي تختلق من أجله، ولاسيما إذا ما وجد سلما يعينه على ذلك، ولو صنع ذلك السلم من جماجم الأكفأ منه، كما يعتبر الاستعفاف عن المناصب التي لا يستحقها ضربا من الجنون، مؤكدا أن مبدأ «شيلني وأشيلك واشيل كل من يشيلك» هو أحد المبادئ الإنسانية السامية التي لا يجوز أن يتخلى عنها أصحاب المبادئ وصاحبنا (راعي مبدأ... ومثل ما يقولون راعيها).
دائما كان المعلمون في فترة ما يلجأون إلى العقاب البدني، وعندما يسألون عن السبب يقولون «نعتبره ولدنا... لو ما نحبه ما طقيناه» وبذلك كانت ترتبط المحبة بالعقوبة، حتى أن البعض كان يصف قرار منع أسلوب الضرب، بالقشة التي قصمت ظهر التعليم في البحرين. وبغض النظر عن صحة تلك الرؤى أو خطئها، فإنه من الثابت أن انتقاد الأوضاع لا يعني بالضرورة انتقاد أشخاص بعينهم، بمعنى أنه سيظل كل ما يكتب كالماء يجري في ساقية تروي الحقل حتى لا يموت الزرع، فنحن أناس نحب هذه الوزارة ونحب هذا العمل، ونؤمن في قرارة أنفسنا بأننا نغار على الذين نحبهم لأننا فعلا نحبهم، ونغار أيضا على الذين يحبوننا لأننا نحب أنفسنا، وإذا كانت لدى مؤسسي جمعية «المتضررين من الدوس» هكذا قناعات، فعلى بركة الله، وإلا تحولت جمعيتهم إلى أنموذج جديد ينقلب على نفسه داخل بيته، وينتج حربا داخلية بين دواسين جدد وأناس كتب عليهم الدوس مجددا بقية حياتهم... وللحديث بقية.
إقرأ أيضا لـ "ميثم العرادي"العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ