أثارت كلمة القائد العام لشرطة دبي الفريق خلفان ضاحي تميم موجة واسعة من التصفيق والإعجاب عندما تحدث بصراحة «شديدة جدا» عن «الاستراتيجيات المنفذة في الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، ومدى اتساقها مع الوضع في الشرق الأوسط»، وهو موضوع عنوان الجلسة الثانية في اليوم الثاني من منتدى الأمن الداخلي والعالمي - الشرق الأوسط الذي تنظمه وزارة الداخلية بالتعاون مع منتدى كرانس مونتانا في فندق الريتز كارلتون.
الفريق خلفان المعروف بصراحته الشديدة وجرأته بدأ بالقول: «أعلم أني سآتي بشيء غريب عليكم، أن يتحدث المتحدث من خلاصته قبل بدايته». وسرد تميم على الجميع الخبر العاجل الذي بثته الوكالات العالمية مساء أمس عن استقالة مدير مكافحة الإرهاب الأميركي، سائلا: «ما معنى ذلك؟»، وأضاف «كنت أعتقد أن أميركا ستستفيد من تربّعها على عرش الكرة الأرضية، وأنها ستقود العالم بأسره نحو السلام العالمي إلا أنها خابت في ذلك، وخابت معها توقعاتنا».
وأشار إلى أن «لدى الغرب ست استراتيجيات خطيرة التوجه وبغيضة أيضا تجاه عالمنا العربي والإسلامي، وهي: فرض الديمقراطية، مكافحة الإرهاب، رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، أمن «إسرائيل»، صراع الحضارات، وفرض العولمة. وخلص تميم في كلمته التي عرض فيها الكثير من النقاط إلى مقارنة مثيرة بين رئيس الولايات المتحدة الأميركية بوش الابن، وقائد تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فكلاهما من الأثرياء، ومن عائلتين عريقتين، كما أنهما يتمتعان بشخصية قوية، وفيما بوش يتحدث كثيرا فإن بن لادن يتحدث قليلا، والصراع الحاصل الآن بين الطرفين ليس صراعا دينيا كما يقال وليس صراع حضارات، بل صراع دولارات، مشيرا إلى أن بن لادن تمرد على الولايات المتحدة بعد أن أصبح ورقة منتهية نتيجة سقوط الاتحاد السوفياتي، وعلى إثر ذلك حُجز على أمواله وهو يريد استرجاعها الآن، بينما بوش يريد أن يسيطر على أموال العالم».
وتحدّث تميم في البداية عن استراتيجية فرض الديمقراطية، وقال: «يريد الغرب فرضها لا بالإقناع ولا بالتعليم ولا بالحوار بل على طريقة كاوبوي الأميركية، وهذا الأمر مرفوض من قبلنا»، مشيرا إلى أنه «في الماضي عندما أراد الأوروبيون غزو الشرق طمعا في خيراته أوجدت المبررات والحجج لإقناع البرلمانات الغربية، وجاءوا لاستعمار الشرق وإفريقيا بحجة أن هذه المناطق فيه اتجار بالرقيق، ولابد من الزحف لهذه المناطق وتحرير الرقيق من العبودية، أما المبررات غير المعلنة فهي السيطرة على الخيرات تلك البلدان».
وأضاف تميم: «بعد سنوات الاستعمار تحرّرت الشعوب وتصالحنا، إلا أنه ومع سقوط الاتحاد السوفياتي وهيمنة أميركا على العالم هناك قدوم مستمر جديد مبرراته تحرير الشعوب، في السابق الرقّ والآن تحرير الشعوب، وإلا فإن المقاومين هم إرهابيون».
وأكد تميم أن الاستراتيجية الخارجية للولايات المتحدة قبل سقوط الاتحاد السوفياتي هي محاربة الشيوعية، أما التوجه المقبل والإطار الخارجي للسياسة الاميركية فهو فرض الديمقراطية على العالم الثالث والتركيز على الوطن العربي وهو الهدف المعلن، والهدف غير المعلن السيطرة مرة أخرى على ثروات هذه البلدان.
وأشار تميم إلى أنه في السابق عندما اتجه الغرب في القرن الثامن عشر لاستعمار المنطقة اتُهم أهل الخليج بأنهم قراصنة والآن إرهابيون. وقال القائد العالم لشرطة دبي «أكلمكم وأنا مدير أمن متعاون مع جميع المنظمات الدولية لمكافحة الجريمة، والاتهام نتعرض له الآن لأننا اعترضنا على دول أرادت سلب خيراتنا».
مقارنة بين لوش وبوش
وقال تميم «ما الفرق بين لوش الابن الأصغر لجورج لوش (العام 1818) القائد البريطاني الذي جاء في وقت الاستعمار ليسلب السفن ويقتل الأبناء ويتهم أهالي الخليج بالقرصنة، وبين بوش الابن الأكبر لجورج بوش (العام 2000) رئيس الولايات المتحدة الأميركية الذي جاء لمنطقتنا بحجة نشر الديمقراطية ويتهمنا بالإرهاب».
وتساءل تميم «يقولون إنهم يريدون نشر الديمقراطية في المنطقة، فهل الديمقراطية تحتاج إلى قواعد عسكرية، وهي الخريطة الأميركية الجديدة لنشر الديمقراطية لا تقوم إلا بتلك القواعد الدائمة ونشر الجيوش في المدن».
ونقل تميم عن المثقفين الغربيين ما يقولون وهو أن القرن الحادي والعشرين هو قرن الحروب على الموارد والمتطلبات التي تحتّم على صناع القرارات فرض استراتيجية الحروب، مشيرا إلى أن بعض العرب مازالوا متمسكين بل يقسمون بأن هؤلاء المثقفين الغربيين كذابين.
فيلم «جعلوني مجرما» والشياطين
وأضحك القائد العام لشرطة دبي الفريق خلفان ضاحي تميم جميع الموجودين في قاعة فندق الريتز كارلتون عندما استشهد بفيلم «جعلوني مجرما» لفريد شوقي، وقال إن الولايات المتحدة الأميركية عندما وضعت الحرب أوزارها في أفغانستان وسقط الاتحاد السوفياتي دعت الدول العربية إلى عدم إدخال «الأفغان العرب» إلى بلداها، وبذلك فهي جعلتهم يتمركزون في تورابورا الأفغانية ليقولون إن أميركا «جعلتنا مجرمين»، مشيرا إلى أن هؤلاء لو عادوا إلى بلدانهم لما أصبحوا تنظيما له قوته ومكانته ويهدد العالم وليتحولوا من بشر إلى شياطين.
«من يفجّر حافلة يهودية إرهابي، ومن يفجّر بيتا فلسطينيا أيضا إرهابي» بهذه المعادلة أثار تميم حفيظة الجميع، فلم يرض عنه الأميركان في الجلسة، كما لم يرض عنه ممثلو السلطة الفلسطينية أو الوفد الإيراني.
فقد استشهد تميم بمقولة لمستشار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات عندما قال إن «اليهود كالقطيع»، مستنكرا ذلك الاستشهاد قائلا: «اليهود أبناء عمومتنا وثبت جينيا أنهم الأقرب للمسلمين من أية طوائف أخرى، ويجب أن نتحاور معهم دون أن يكون بيننا غرباء».
وقال تميم إن «الأمين العام للأمم المتحدة السابق كوفي عنان عرف الإرهاب بأنه أي عمل يتسبب في الإيذاء للإفراد لمدنيين غير مقاتلين (...)، وما يحدث في فلسطين هو قاض يأمر وجندي ينفد سواء كان في غزة أو أي مكان آخر وكلا العمليتين إرهاب».
بوش الأب كان
«يطبطب» على بن لادن
وتسال تميم مجددا «من صنع الإرهابيين والإرهاب؟ أليس الغرب؟... أنا ضابط قديم وعشت في تلك الفترة، وأعلم أن من درّب الإرهابيين في أفغانستان لمواجهة الاتحاد السوفياتي هم الغرب، ولا يمكن لأحد أن يتهم العرب والمسلمين بصناعة الإرهابيين»، مؤكدا أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الأب «كان يطبطب على بن لادن، ويقول له فعلت خيرا».
وأكد تميم أن الحرب العلنية الحاصلة الآن بين الولايات المتحدة الأميركية وتنظيم القاعدة حتى ما يسمى بـ «الحرب على الإرهاب» لا علاقة لها بالدين أبدا، وإنما هي مظلة للحرب الحقيقية بين الطرفين على الأموال، وخصوصا بعد أن حجزت الولايات المتحدة الأميركية على أموال بن لادن الذي أصبح عاقا لمن دربه وأهله.
الغرب إذا قال فعل
وتطرق تميم بعد ذلك بإيجاز إلى استراتيجية رسم خريطة جديدة للشرق الأوسط، وقال «هذه الاستراتيجية أعلنتها وزيرة الخارجية الأميركية وقالتها وتبنتها ولم يقلها خلفان ضاحي»، مشيرا إلى أن الغرب يرى ضرورة حتمية التغيير، وإذا قال الغرب فعل بعكس العرب. وعرض تميم خريطة الوطن العربي وشرح فيها بالتحديد مواقع التقسيم التي يتمركز فيها النفط، مبينا أن التقسيم هدفه السيطرة على خيرات المنطقة وخلق الفتن بين الوطن الواحد، وأن التقسيم سيؤدي إلى أن «تصل الدماء إلى الرُّكب»، فمن المستفيد من الفتنة التي ستشهدها المنطقة.
الغرب يتاجر بأمن «إسرائيل»
وأكد تميم أن «الغرب هم المال وأنهم يتاجرون بمصطلح (أمن إسرائيل)»، وتساءل «هل نحن من قتل 6 ملايين يهودي، أم الغرب؟»، مشيرا إلى أن «أرحم الأمم على اليهود على مدى العصور هم المسلمون».
وأشار تميم إلى أنه «من أجل أن تستمر تجارة الغرب لابد من قيام الحرب، إذ تجارتهم تقوم على السلاح، ولابد من اللعب بالمسمّيات والمصطلحات، فالغرب هم المال وليس حبا في اليهود الأثرياء».
العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ