أرجأت المحكمة الكبرى الجنائية المنعقدة أمس (الثلثاء) النظر في قضية متهمي «الخلية» الثلاثة الذين يحاكمون حضوريا فيما يحاكم اثنان أحدهما خليجي غيابيا لكونهما خارج البلاد، وتم إرجاء المحاكمة إلى 12 ديسمبر/ كانون الأول المقبل بغرض الاستماع إلى شهود النفي بناء على طلب محاميي المتهمين، فيما قرّرت المحكمة استمرار حبس المتهمين الثلاثة وإبلاغ المتهمَين اللذين يحاكمان غيابيا عن طريق الجريدة الرسمية.
وفي الجلسة تقدّم وكيل المتهم الأول في القضية المحامي فريد غازي بمذكرة دفاعية قال فيها: «حضر موكلي إلى مملكة البحرين بتاريخ 2 أغسطس/ آب 2007 قادما من إيران بمحض إرادته في العودة، من دون أية نية لارتكاب فعل إجرامي كما حاول الشاهد إيهام النيابة والمحكمة، كان يحمل فكرا جهاديا تكفيريا تراجع عنه، فقد قصد الجهاد في سبيل الله، ولم يقصد الانضمام إلى أي تنظيم محظور وهذا ثابت في محاضر التحقيق»، لافتا إلى أن «المتهم من عائلة ميسورة ودرس في مدارسَ خاصة وتعلم تعليما أجنبيا بشكل جيد، إلا أن مشاهد سجن أبوغريب في التعامل الوحشي مع السجناء العراقيين وإدانة الجنود الأميركان مرتكبي هذه الأعمال هما الشرارة الأولى التي أشعلت الحميّة الإسلامية العربية لدى المتهم لاعتناق الفكر الجهادي للذود عن كرامة الأمة التي تداس على مرأى الجميع في الفضائيات العالمية».
وأكد غازي أن موكله «لا ينوي أيّ شر بدولته مملكة البحرين ولم ولن يقصد ارتكاب أي عمل إرهابي ضد مواطني هذه الدولة ومقيميها، وهو ما أكده في محاضر التحقيق».
وردّ غازي على التهم المنسوبة إلى موكله المتهم الأول، بالقول: «إن هذه التهم باطلة جملة وتفصيلا، ولم تقدم النيابة العامة دليلا واحدا على صحة هذا الزعم سوى اعتراف المتهم فقط الذي حُرِف عن مقاصده، إذ الواضح من خلال التحقيق معه في النيابة أنه أنكر الانضمام إلى تنظيم (القاعدة) وهذا ثابت في محاضر التحقيق، بل إنه أراد الذهاب إلى العراق والجهاد ضد القوات الأجنبية».
وأضاف «موكلي المتهم هاجم فكر تنظيم (القاعدة)، وهذا الأمر بيّن في محاضر تحقيقات النيابة العامة، إذ ورد نصا: (بعد أن اكتشفت أن ما يقولونه باطل وتكفيرهم للمسلمين)، وأنه أنكر بشكل مطلق أنه من تنظيم (القاعدة)، وأنه ذهب للجهاد وقتال المشركين ولا يعلم أن تنظيم (القاعدة) من ساعده على التدريب والقتال، بل إنه أفاد أن من ساعدوه على التدريب كانوا يأخذون مقابل هذا التدريب أموالا (ص 56)».
ورأى غازي في دفاعه أنه «لا يمكن أن يحاكم موكلي ويتهم على تدريبه واستعداده العسكري لتحقيق فكرة الجهاد التي راودته بعد أن شاهد السجناء في سجن أبوغريب، يُنَكَّل بهم من قِبل المحتل، والقوات المحتلة حاكمت المتسببين بذلك، وأدانهم القضاء العسكري الأميركي».
وأفاد في دفاعه «هذه عدة عناصر استفزت مشاعر المسلمين عموما ومشاعر المتهم خصوصا، وهو المحرك الأول لفكرة الجهاد الذي ذهب بجهوده الفريدة إلى سورية لدخول العراق، إلا أنه اعتقل وسجن شهرا ونصف الشهر وبعد ذلك عاد إلى البحرين وأعاد الذهاب إلى إيران لكي يكون من المجاهدين في أفغانستان، وعليه يتبيّن من ذلك أن الباعث الحقيقي للمتهم وما ينفي عنه تهمة الالتحاق بجماعة مقرها في الخارج أو ارتكاب أعمال ضد دولة أجنبية، وما تدريباته العسكرية التي أقر بها إلا لإعانته في تحقيق القدرة على مجاهدة المحتل في أفغانستان، وهو ما كان مباحا ومباركا من جميع دول الخليج ودول عظمى لمقاومة المحتل السوفياتي في أفغانستان في الثمانينيات من القرن الماضي، وتم دعم المقاومة ماديا ومعنويا ولم يحاسب بعد عودتهم كل المقاتلين في أفغانستان من العرب وأعدادهم بالألوف ومن مملكة البحرين ذهب العشرات، فما قام به المتهم هو الإيمان بفكر الجهاد لمقاومة المحتل لبلاد المسلمين، وعليه إن المواد المشار إليها من قانون الإرهاب لا تنطبق على المتهم وهو منها بريء».
أما بالنسبة إلى تهمة التدريبات العسكرية الموجهة إلى المتهم من قبل النيابة العامة، والتي أقر بها المتهم الأول وأكدها في اعترافه، فأسماها غازي «أعمالا جهادية لم ينفذها موكلي، وليس أعمالا إرهابية كما ذهب الاتهام، كما أنه ينكر قيامة بأي عمل إرهابي ولا توجد في الأوراق بينة على أنه ارتكب فعلا إرهابيا، أو أنه ارتكب أعمالا عدائية ضد دول أجنبية»، موضحا أن «أعمال المتهم لا تعدو كونها التحضير والاستعداد لعمل جهادي ثبت أنه لا يصلح القيام به لا من الناحية الفكرية ولا من الناحية الجسدية، وذلك لكونه دائم الخلاف مع من يقومون بتدريبه، ومن الناحية الفكرية فهو (أي المتهم) لا يؤمن بإيذاء النفس البريئة علاوة على أنه أصيب بمرض الملاريا والتيفوئيد منذ الأشهر الأولى في وزير ستان ويعاني من تقوس في رجليه؛ ما يجعله غير صالح للقيام بأي عمل جهادي في أفغانستان بشهادة زملائه، وهو ما جاء في التحقيق وقد رجع المتهم إلى المملكة وهو مصاب بهذه الأمراض التي يدعمها التقرير الطبي المرفق في ملف الدعوى من المستشفى العسكري، وهو ما يجعله غير صالح لأي عمل جهادي عسكري وبذلك يتبيّن انتفاء القصد الجنائي في الالتحاق والتعاون مع جماعة مقرها خارج البلاد، وكذلك انتفاء القصد الجنائي في ارتكاب أي فعل إرهابي وكذلك ضد أية دولة أجنبية وإنما آمن المتهم بفكرة الجهاد لمقاومة المحتل، وهذه فكرة عززها القرآن الكريم وحث عليها وفقا لأسس شرعية وفسرها المتهم بمعناها الظاهر ونفذها وتراجع عنها عندما تبيّن له بالتجربة العملية ومن دون أن يضر أحد بها أنها لا تنفع في المكان الذي قصده، وعليه إن المتهم بريء مما نسب إليه في التهم الموجهة إليه لانتفاء القصد الجنائي، وإنما مقاصده جهادية شرعية يعامل على أساسها معاملة حسن النية والمغرر به وما يجب أن تعامله العدالة بمقاصده النبيلة وبواعثه وغاياته الشريفة وتحكم ببراءته لانتفاء القصد الجنائي بركنيه المادي والمعنوي».
وطلب غازي في نهاية مرافعته من المحكمة «الحكم ببراءة موكلي المتهم مما أسند إليه، وفي حال الإدانة الرأفة به والنزول بالعقوبة إلى حدها الأدنى».
أما وكيل المتهمين الثاني والثالث المحامي عبد الله هاشم فطلب من المحكمة تأجيل النظر في القضية للاستماع إلى شهود النفي، وتقديم المرافعات الدفاعية عن موكليه المتهمَين، مجددا إبداءه الطعن في دستورية قانون حماية المجتمع من الإرهاب الذي أقره مجلس النواب العام 2002.
عقدت الجلسة برئاسة القاضي الشيخ محمد بن علي آل خليفة وعضوية القاضيين محمد الكفراوي ومحمد الرميحي وحضور رئيس النيابة الكلية وائل بوعلاي وأمانة سر جعفر الجمري.
العدد 1902 - الثلثاء 20 نوفمبر 2007م الموافق 10 ذي القعدة 1428هـ