العدد 1901 - الإثنين 19 نوفمبر 2007م الموافق 09 ذي القعدة 1428هـ

سياسة إغراق البرلمان

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

إذا أردت أن تقضي على مزرعة، فيمكنك أن تقطع عنها الماء، أو تغرقها بالماء، وفي الحالتين سيموت الزرع وتنطلق المخلوقات بنوازعها الجشعة بحثا عن الفتات.

كل مواطن يحب أن تتحسّن حالته المعيشية، وأوضاعه الاقتصادية، ولديه أبناءٌ يعلّمهم، وأسرةٌ يعولها، وقروضٌ تثقل ظهره، ولكن هذا لا يبرّر قبول الرشوة، التي نعرف يقينا أنها لشراء المواقف وإخراس الألسن و(كسر) العيون.

كل مواطن يريد أن يمتلك أرضا، أو يبني بيتا، ويسوق سيارة جيدة، ولكن هل الحل أن يكون شريكا في استنزاف خزانة الدولة والسطو على أموال الشعب؟ وهل من مخرج فقهي أو «حيلة شرعية» لقبول هذه «الرشوة» الفاضحة التي لا يسترها العقال ولا العمامة؟

اليوم، كل الكتل البرلمانية تتعرّض للامتحان قي ذمتها المالية، بمن فيهم المستقلون وأعضاء مجلس الشورى، بقبول أموالٍ مقتطعة من قوت هذا الشعب، من دون أن يبذلوا جهدا، أو يؤدّوا عملا إضافيا، أو يقدّموا إنجازا ملموسا. وهم بالخيار اليوم، إما أن يبلعوا هذا الطعم، أو ينتصروا لإنسانيتهم ويثبتوا نزاهتهم برفض هذا العظم.

البرلمان تسيطر عليه ثلاث كتل إسلامية (سلف وإخوان ووفاق)، ومن هذا المنطلق يجب أن يقيّمهم ويحاسبهم الرأي العام، في حال تمرير هذه الرشوة التي لن تجد لها سندا شرعيا ولا سابقة تاريخية في تراث السلف الصالح، ولا في ميراث الإمام حسن البنا، ولا في التاريخ الشيعي على الإطلاق. وعلى أتباع هذه المدارس أن تحاكم نوابها التي ألقت إليها بزمام تمثيلها والدفاع عن مصالحها، وفق الشعارات التي تدّعيها.

طبعا سيدافع بعضهم عن هذه «الامتيازات» و«الإغراءات» على أنها حقٌ مشروعٌ، وسيخرج بعض كتّاب وكاتبات «الموالاة» لشدّ أزرهم والتغطية على الراشي والمرتشي، ولكن ذلك سيكون إغراقا للزرع، وإفراغا للهواء من عجلات التجربة الديمقراطية، وقضاء على أي أمل بإصلاح ما يمكن إصلاحه.

اليوم تتآكل ثقة الشارع بالكتل الدينية سريعا، فهو أرادها عونا لمقاومة الفساد وإنقاذ ما يمكن من براثنه، فأصبحت فرعونا. وأكثر من سيتعرض للنقد والتجريح الوفاق، التي حصل نوابها على نسبة عالية من التصويت. فالوفاق التي تمثّل شارعا عريضا منكوبا، ولم تتورّط في لعبة تحالفات مصلحية، ولم يولد أيٌّ من نوابها من رحم «المراكز العامة»، كان يعوّل عليها الكثيرون في تصويب أداء البرلمان، ولكنها اليوم توشك أن تصبح جزءا من منظومة التروس الصدئة.

الكتل الأخرى، يمكن أن يبلعها أو يهضمها أو يتسامح معها شارعها، إلاّ الوفاق، لأن شارعها شارعٌ معارضٌ وناقد، ولأنها دخلت لعبة الانتخابات متشحة بالعباءة الإيمانية، وهو ما انتُقد حينها بشدة في هذا العمود، لأنه مقامرةٌ كبرى بأعزّ ما يملكه الإنسان، من مبادئ ومثل عليا، ستتعرّض للامتحان والاستغلال في مزبلة السياسة، طال الزمان أو قصر، وقد حان وقت الامتحان.

قبول الرشوة، سيكون ضربة أخرى لآمال الناس في مآلات الإصلاح، فالشارع البحريني القلق يستعجل السؤال عن نهاية الحكايات، على خلفية تاريخٍ طويلٍ من صفقات البيع والشراء. المشتري واحدٌ منذ ستين عاما، والباعة كثر، طابورٌ طويلٌ من الساسة والمثقفين والشعراء والأكاديميين ورجال الدين والدنيا معا.

هل سيغرق الزرع هذه المرة أيضا ويطول طابور المنتفعين؟ الوفاق وحدها ربما من يملك الإجابة على هذا السؤال.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1901 - الإثنين 19 نوفمبر 2007م الموافق 09 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً