على خطى إمارة دبي في إنشاء مدن للإنترنت والإعلام ومنطقة جبل علي الحرة والمدن الاقتصادية في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى المدن الأخرى الجديدة في منطقة الخليج، أنشأت دولة قطر مدينة للطاقة مستفيدة من موقعها في الخليج ووجود 15 في المئة من مكامن الغاز الطبيعي في العالم. المدينة الحديثة تقع شمال شرق قطر في منطقة اللوسيل الحديثة.

الهدف من المشروع هو الاستثمار باستخدام الاقتصاد الإسلامي، إذ نجحت بيت التمويل الخليجي في ابتكار منتج استثماري بالشريعة الإسلامية مستفيدة من الفورة المالية للمنطقة. المنتج يجمع تحت سقف واحد عدة مجالات كالعقار ببناء مدينة نموذجية ذات مواصفات حديثة ومتطورة وبورصة مالية للطاقة، مستفيدة من تكنولوجيا المعلومات. نموذج المنتج ساهم في جذب شركات عالمية وإقليمية في مجال الطاقة إلى هذه المنطقة وخصوصا قطر. يبدو أن الشركة الرئيسية ستقوم بعمل نسخ من هذه الفكرة، إذ نجحت حديثا في جذب المستثمرين الخليجيين إلى بناء مدينة أخرى للطاقة في الهند. من المفترض أن المدينة القطرية ستنافس المدن العالمية الأخرى في مجال الطاقة كسنغافورة وهيوستون؛ لهذا الغرض قام فريق العمل بجذب الرؤساء التنفيذيين السابقين لشيفرون الأميركية وتوتال الفرنسية وبتروبراس البرازيلية وايكون النرويجية، بالإضافة إلى أكاديميين معروفيين عالميا.

إنشاء مدن الطاقة ليس بالفكرة الجديدة، إذ يوجد حاليا 14 مدينة عالمية مكوِّنة «شراكة مدن الطاقة العالمية» وتعتبر مدينة الدمام السعودية المدينة الوحيدة حاليا في منطقة الشرق الأوسط المشتركة في هذه العصبة. المعروف أن الدمام تخدم مقر شركة أرامكو في الظهران بالإضافة إلى وجود ممثلي شركات النفط العالمية في المنطقة الشرقية لخدمة قطاع النفط السعودي. مواصفات مدينة الطاقة الجديدة في قطر ستجعلها تنافس، بل يمكن أن تتفوق على كل من الدمام ودبي في منطقة الشرق الأوسط. المطلوب من مسئولي المدينة الجديدة جذب الشركات الوطنية الضخمة في دول الخليج وجعلها واحة تعاون ومنافسة بينها وبين الشركات الغربية بدل التركيز على الشركات القطرية والغربية فقط لتجعلها تنطلق إلى العالمية بصورة صحيحة كما فعلت دبي بجذبها القنوات العالمية والعربية إلى مدينتها الإعلامية.

مدينة الطاقة ستوجد بها أول بورصة في الشرق الأوسط لإنهاء معاملات النفط والغاز الطبيعي. البورصات العالمية تربح هامشا لا بأس به من قيمة العقود وتعتمد الدولار الأميركي فقط عملة المقايضة. حاليا الصورة غير واضحة بالنسبة إلى البورصة الجديدة، وهل ستسمح فقط بالدولار أم أن هناك إمكانا لاستخدام العملة الخليجية الموحدة في المستقبل أو السماح بسلة متعددة من العملات؟ المعروف أن البورصة الإيرانية المنتظر افتتاحها في جزيرة قش ستستخدم اليورو بديلا عن الدولار؛ بسبب حال الصراع الأميركي - الإيراني ورغبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تنويع سلة العملات.

المدينة الجديدة ستؤوي نحو 20 ألف موظف، معظم هولاء عمالة ماهرة. ديموغرافيا، ستتغير النسب السكانية لصالح الوافدين، إذ من الصعب لقطر توفير خبرات محلية بصورة سريعة عند اكتمال المشروع العام 2012م، بالإضافة إلى أن الشركات العالمية حرة في عملية التوظيف. أتمنى أن يكون للبحرينيين فرصة كبيرة للعمل والحصول على رواتبَ مجزية في هذه الشركات، وخصوصا مع بدء إنشاء الجسر الجديد ونمو العلاقات الأخوية، وخصوصا بين القيادات العليا للبلدين الشقيقين. والمثل الخليجي الشعبي يقول: «واحد تعرفه ولا واحد تتخبط فيه».