العدد 1900 - الأحد 18 نوفمبر 2007م الموافق 08 ذي القعدة 1428هـ

نَجَادٌ مَرّ مِنْ هُنا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت في كتابة هذا المقال والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يَهمّ بمغادرة البحرين. كانت الأجواء حينها وإلى ما قبل الزيارة مزكومة بالأنباء اللحظية المتلاحقة، فالبعض استمرأ الصّيْعَنة السياسية، فتجشّم عناء في قلّة الأدب مع الضيوف، والبعض الآخر حثّته المسئولية والجادّة على استذكار ما رُوي عن أبي الحسن عن أبي الحسن عن أبي الحسن، عن الحسن، عن الحسن، عن الحسن أن أحسن الحسن الخلق الحسن. وما بين هذا وذاك يَسْـتَلّ المرء القول النافع من الفاسد « فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ « (الرعد: 17) . بهذه الزيارة يكون الرئيس أحمدي نجاد قد أتمّ زياراته لدول الخليج الست (السعودية، الإمارات، عُمان، الكويت، قطر والبحرين) خلال مدة رئاسته الأولى والتي بدأت في الثاني من أغسطس/آب من العام 2005، وعلى رغم أن الزيارة لم تزد عن أربع ساعات إلاّ أنها تظلّ مهمّة بالنظر إلى حساسية الوضع في المنطقة، والتهديدات الأميركية لإيران، والأوضاع المُعقّدة في العراق ولبنان والأراضي المُحتلّة. فالزيارة قد تكون لها وجاهة اقتصادية وتثبيتٌ للمصالح؛ لكن القيمة السياسية لها لا تقلّ أبدا عن أي معنى آخر. وربما كانت العلاقات البحرينية الإيرانية مأزومة بفعل ظروف دولية مُعقّدة أحيانا أو أسيرة حماقات فردية من هنا أو هناك؛ لكنها تبقى طيّعة أمام الاستحقاقات الجيوبوليتيكة وما تُعمله جيرة الدول مع بعضها بعضا، وهو بالضبط ما حدث للعلاقات بين إيران والبحرين، على رغم الظروف القاهرة منذ بداية الثمانينات وحتى منتصف التسعينات إلاّ التأسيس لمناخات إيجابية لم ينقطع أبدا، حتى وصل الأمر لأن تتصيّر تلك العلاقة في اثنتي عشر مذكرة تفاهم واتفاق، والتوقيع خلال زيارة نجاد الأخيرة على محضر تبادل الوثائق المتعلقة بالتصديق على اتفاق منع الازدواج الضريبي بشأن الضرائب على الدخل ورأس المال وعلى مذكرة التفاهم للتعاون في مجال النفط والغاز وبرنامج تنفيذي للتعاون في مجال الثروة السمكية، كما بدأ الحديث عن افتتاح مكتب تمثيلي للتبادل التجاري وتأسيس شركة ملاحية إيرانية بحرينية والتعاون في مسألة تصدير الألمنيوم وإنشاء منطقة التجارة الحرّة، بل إن التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين تجاوز السبعة والثلاثين مليون دينار العام الماضي. في الجانب الآخر وفيما يتعلّق بالطاقة الأحفورية (النفط، الغاز والفحم) والذي سَأَفْرد هذه المقالة للحديث عنها؛ فإن البلدين تخطيا الحاجز النفسي وبدآ منذ سبتمبر/ أيلول الماضي في الإعداد لتوقيع مذكرة تفاهم لتصدير الغاز الإيراني إلى مملكة البحرين، إذ تمّ التوقيع عليها نهائيا خلال زيارة نجاد إلى البحرين أول أمس (السبت) بمعنى أن المفاوضات بشأن استيراد الغاز الإيراني ستنتهي خلال عام، فيما يستغرق العمل ثلاث سنوات لمد أنابيب توريد الغاز، وهو ما يعني فتحا غير عادي في العلاقات البحرينية الإيرانية، بل وفي العلاقات الخليجية الإيرانية. الأكيد أن البحرين تحتاج لكميات كبيرة من الغاز الطبيعي تتجاوز المليار قدم مكعب يوميا، وسيتضاعف هذا الرقم في المستقبل البعيد، لإنتاج الطاقة الكهربائية وتلبية الاحتياجات المدنية والصناعية المتنامية. وبما أن أحد حقول الغاز الإيرانية في الخليج لا يبعد سوى مئة وخمسين كيلومتر فقط عن بلادنا، وأن حاجة البحرين لا تتطلب غازا مُحوّلا إلى مُنتجات ذات قيمة مضافة عالية (الديزل النقي مثالا) في حين أن القطريين لم يرفعوا بعد حظر التعهّد بكميات جديدة من الغاز لمستهلكين جُدد لكي لا يُؤثّر (حسب رأيهم) على مجموع التعهدات على احتياطي حقل الشمال لديهم؛ فإن الطريق يبدو مُعبّدا لإتمام هذا الخيار الاستراتيجي. فالعارفون يقولون إن نمو الطاقة في البحرين وصل إلى ثمانية في المئة، بل إن البعض يزيد ذلك النمو ليصله إلى اثني عشر في المئة، وبالتالي فهي ستكون في وضع حرج جدا في بحر العشر سنين القادمة إذا ما استمر النمو البشري والصناعي بهذه الوتيرة، في الوقت الذي لم يتبقَّ لها من احتياطي الغاز المؤكّد سوى تسعة مليارات متر مكعّب من أصل ستة عشر مليار متر مكعّب، مع الأهمية أن نذكر هنا بأن شركة ألمونيوم البحرين (ألبا) تستهلك وحدها ثلث الغاز الذي يُنتج في البحرين، والثلث الآخر يذهب إلى المستهلكين الصناعيين الرئيسيين، والثلث المتبقي يذهب إلى الاستهلاك المدني.

في هذا المجال تبدو خيارات البحرين متقاربة إلى حدّ ما من خيارات الإيرانيين فيما يتعلّق بمسألة الطاقة أو الغاز بصورة أدق من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، وهي تتمحور حول ثلاثة أمور رئيسية:

الأول: أن المعادلة القائمة الآن هي في تكامل نمط الاستهلاك بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومملكة البحرين، فإيران تحتاج إلى الغاز في الشتاء لاستخدامات مدنية مُلحّة لأكثر من سبعين مليون إيراني يتوزعون في ثلاثين محافظة وعلى أرض تبلغ 1.648 مليون كم2، والبحرين تحتاج إلى الغاز في الصيف لإنتاج الطاقة الكهربائية لأغراض صناعية ومدنية بصورة أكبر. فحسب الإحصاءات الأخيرة فإن الإيرانيين استهلكوا أكثر من ثمانية وسبعين مليار متر مكعب من الغاز في العام 2005 جُلّها في فصل الشتاء، أما البحرينيين فلديهم مُنتج كهربائي إجمالي يصل إلى 2525 ميغاوات بعد السحب الجزئي للاحتياطي، في حين أن الاستهلاك الأخير قد لامس الـ 2100 ميغاوات، وبالتالي فإن بقاء وتيرة النمو على حالها سيوازي معدلات الاستهلاك مع المُنتَج العام للمملكة، بالإضافة إلى مشكلات المناخ الذي سيزيد من استهلاك الطاقة بشكل مضطرد، خصوصا في ظل أوضاع مناخية كونية مُضطربة، فدولة مثل فرنسا يزيد استهلاكها للطاقة بنسبة واحد في المئة عندما تنخفض درجات الحرارة بنسبة ثلاث درجات تقريبا.

الثاني: قد تكون البحرين بوابة عملية لتصدير الغاز الإيراني إلى السعودية في حال قررت الأخيرة استيراده من إيران خصوصا وأن المنطقة الصناعية في المملكة العربية السعودية لا تبعد كثيرا عن البحرين (منطقة الجبيل) فالسعودية تستهلك كامل إنتاجها من الغاز، بل إنها تقوم بحرق جزء من النفط الخام لديها لإنتاج الطاقة، وهي ترى (أي السعودية) أن البحرين قد رتّبت أوضاعها مع إيران لشراء الغاز منها، وكذلك فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة عبر شرائها ثلاثين تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي الإيراني سنويا، كما أن الرياض لا تستطيع إنتاج الوقود الحيوي «الميثانول» لمشكلاته الكبيرة المتمثلة في حاجته لأراض شاسعة وكميات هائلة من المياه قد تؤدي إلى زيادة أسعار الغذاء، في حين أن الغاز متوافر لدى الإيرانيين وبأسعار معقولة.

ثالثا: بعد أن تمّت صفقة الغاز الطبيعي بين البحرين وإيران؛ فإن البحرين سيكون أمامها ثلاث طرق لاستجلاب الغاز الإيراني إلى أراضيها، إما عن طريق (Upstream) وعندها تقوم البحرين باستثمار أحد الحقول الإيرانية (حقل بارس الجنوبي أو ما يليه من حقول إيرانية) بواسطة إحدى الشركات الأجنبية واستخراج الغاز وإيصاله إلى الأراضي البحرينية، أو أنها تأخذ بخيار (Midstream) حيث تقوم الحكومة الإيرانية بعمليات الاستكشاف وإخراج وصلة الإنتاج إلى الخارج ثم تقوم البحرين بمد الأنابيب من الحقل إلى الأراضي البحرينية، أو أنها تأخذ بالخيار الثالث وهو (Downstream) بحيث تتكفّل الحكومة الإيرانية بكل العملية الاستكشافية وعملية التزويد. وبالتأكيد فإن الأفضل من ناحية أمن الطاقة أن تختار البحرين الخيار الأول تحسبا لأي عوارض اقتصادية قد تُسببها المشكلات السياسية أو الأزمات الدولية في المستقبل، والإيرانيون هم أيضا سيقبلون بهذا الخيار الذي يصب في مصلحتهم بالتأكيد، فإيران وبسبب الإعانات المالية الكبيرة التي قدمتها الحكومة للمواطنين والتي كلّفت الدولة 2,63 مليار دولار ستحتاج إلى استثمارات في مجال الطاقة تصل إلى اثنين وتسعين مليار دولار مع حلول العام 2030، وبالتالي فإن وجود شركات أجنبية على أراضيها وإن كانت لصالح دول أخرى سيزيد من فرص الاستثمار ويُشجّع باقي الشركات للدخول في عمليات الاستثمار داخل إيران.

الزيارة والمباحثات وما تمخّض عنها من نتائج إيجابية ستكون بلا شك مدخلا إلى تعاون أوثق، ووضوح في طبيعة المصالح بين البلدين، ثم إنها تبقى رسالة واضحة للجميع ومن دون استثناء يجب إدراكها كما هي لا كما يرديها الآخرون.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1900 - الأحد 18 نوفمبر 2007م الموافق 08 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً