لعل أهم ما ورد في ما طرحه التجار، في هجومهم المباغت على مشروع زيادة رواتب النواب والشوريين والوزراء، إشارتهم إلى أن الحكومة تهدف من طرحه إلى إسكات البرلمان.
بطبيعة الحال، ليس متوقعا أن يرفض الوزراء زيادة 2000 دينار في رواتبهم، يستعينون بها على شظف العيش وتحسين مستوى المعيشة ودفع القروض والأقساط.
وليس متوقعا أيضا أن يرفض أعضاء الشورى زيادة 1000 دينار، حلالا زلالا، مكافأة لشقائهم وتعبهم طوال العام. ولكونهم معيّنين، فإنهم لن يرفضوا طلبا من الحكومة أبدا، خصوصا أن ردّ الهدية معصية لا تغتفر، ووقاحة لا تليق.
المشكلة إذا مع النواب، الذين انتخبهم الشعب للدفاع عن مصالحه العليا والحفاظ على المال العام، وقبل أسبوعين كانوا يناقشون مشروع الذمة المالية: «من أين لك هذا»، فإذا بهم يخضعون لامتحانٍ عسيرٍ في ذممهم المالية، حين ألقت لهم الحكومة بهذا الطعم في وقت بدأ البعض يأمل بتحسين الأداء وإقامة التحالفات بين الكتل بما يخدم قضايا الناس.
النواب اليوم في مأزق، فإذا مرّروا الزيادة لأنفسهم ولغرمائهم، فالبلد سيكون في مأزق أكبر، بإسقاط آخر أمل شعبي في إنجاح التجربة البرلمانية، بعد أن تتحوّل إلى مغانم يأخذونها، ومكاسب فردية وتكالب على زيادة الرصيد المالي في البنك، وتلك أكبر ضربة تنزل بالنواب.
الناس لم تستفق من تخبّطات النواب وسوء أدائهم، الذي افتتحوه بالتهديد بلجنة تحقيق في «السيارات»، وتورّطوا في تمرير اقتطاع الـ 1 في المئة، وآخرها مشروع زيادة رواتبهم، التي يترجمها المواطن المطحون إلى رواتب خمسة من العمال الكادحين. كما تثير هذه الزيادة الكثير من الريبة والشك: كيف تبخل الحكومة بزيادة 15 في المئة على المواطن، وتسخو بأكثر من 50 في المئة من الراتب للنواب.
إبراهيم شريف أشار إلى أن «ما يحتاجه الشعب من النواب ليس تمويل جيوبهم الشخصية»، واعتبر صمت النواب على هذه المسألة عيبا، وأبدى انزعاجه من عدم إبداء نواب المعارضة أي اعتراض، ويسمحون للحكومة بأن تشوّه صورة نواب المعارضة.
ما لم يقله شريف، هو أن قبولهم (دهان السير) سيسقط صدقيتهم وثقتهم عند الناس، وسيسقط اعتبارهم واحترامهم عند الحكومة، وسيضعهم كتيار ديني وسياسي على المحك. أحد الزملاء العرب من متابعي ألاعيب السياسة العربية، صدمه مشروع «رشوة النواب»، فطرح سؤالا مباشرا: ماذا يجري عندكم؟ انظروا هل يجري في الدول العربية الأخرى ما يجري عندكم؟ هذا غير معقول (وبالبحريني: أشكره... عيني عينك)!
القضية ليست مجرد زيادة ألف دينار على دخل النائب، بل هي بداية السقوط في درب الزلق، حيث يجري التفريط في مصالح الوطن والمواطنين، وقبول استلام زيادة غير مبرّرة من خزانةٍ بلا بوّاب، كان يفترض من النواب أن يكونوا أحرص الناس على حراستها.
ربما تكون أعصاب النواب مخدّرة والقلوب لا تقبل النصح، ولكن لابد من التحذير من عملية «غسيل الذمم»، والتذكير بأن كل ما يُصرف للنواب والشوريين والوزراء من زيادات غير مهضومة، هي من أموال الشعب، الذي لا تقر له زيادة 10 في المئة إلاّ على طريقة الصدقات التي يتبعها «منٌّ وأذى».
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1900 - الأحد 18 نوفمبر 2007م الموافق 08 ذي القعدة 1428هـ