لا يقتصر الشعار «نعم نستطيع» الذي تحول إلى نعت جديد شائع الاستعمال يطرح إيمانا تم اكتشافه حديثا في الحسنات الأساسية للقضية الأميركية، لا يقتصر على تحقيق تحولات داخل المجتمع الأميركي، بالطبع. لقد أكّد أوباما تكرارا المفهوم الويلسوني القديم بأن قدر أميركا، بطريقة أو بأخرى، هو تحويل العالم كله.
لقد سبق وحقق الرئيس الجديد المنتخب باراك أوباما انفصالا لغويا عن اللغة المتغطرسة المغرورة التي لا تخلو من السلطوية لإدارة الرئيس بوش المنتهية. وهكذا بدأ استخدام لغة جديدة يتم من خلالها إعادة طرح الولايات المتحدة كمكان شمولي بشكل خاص وغير اعتيادي «يمكن فيه تحقيق أي شيء».
فالتحرك إلى الخارج منقوش بعمق في لغة هذا الرئيس القادم. أوباما ولا شك في ذلك، وبطرق عديدة، أكثر عالمية في خطاباته مما كان بوش قبل أن ينطلق الإرهاب في الولايات المتحدة في سبتمبر/ أيلول 2001.
يشكل هذا التفاؤل المتجدد الذي استحدثه الاختراق اللغوي أمرا أساسيا في عملية شفاء «مرض العراق» الذي قمع النخب السياسية في الولايات المتحدة. هذه هي الخطوة الأولى باتجاه إعادة التأكيد على سلطة أميركا الأخلاقية/ العقائدية الضائعة في الشئون العالمية. الخطر بالطبع هو أن يؤدي «عامل أوباما» إلى كبت التواضع الذي فُرِض على اليمين بعد كارثة العراق وحالات الفشل الاستراتيجي المستمرة في أفغانستان.
وبعد أن ينهي مشروعه قد يجد سكان العالم غير الغربي أنفسهم في مواجهة رئيس أميركي آخر قدره أن يشكّل نظاما عالميا لا يحترم وبشكل كامل الوقائع على الأرض. هل هناك أي فرق إذا كان «واحد منهم»، خطيبا مفوّها موهوبا دونما شك، برز من بينهم، أو أحد يحمل العصا التي تضربهم حتى يستسلموا؟
أعتقد في هذه الأثناء أن هناك احتمالات لنتيجة مختلفة.
سوف تكون إيران أول تحدٍ لتقييم فيما إذا كانت الأمور ستتحرك نحو هذه النتيجة. لقد أكدّتُ وبشكل متكرر أن هناك فرصة لسلام بارد بين إيران والولايات المتحدة. وأنا متفائل ولكن بحرص لأنه برزت في الجمهورية الإسلامية حالة إجماع بأن العلاقات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة أمر مرغوب به.
ورغم الطروحات الغاضبة والمواقف المولعة بالقتال من قبل بعض الإيرانيين المحافظين الجدد، والتي تقابَل بمواقف سامة مماثلة من قبل نظرائهم الأميركيين، هناك تفهم بدأ يبرز بأنه يمكن لإيران تقبّل «العامل الأميركي» في الشئون الدولية دبلوماسيا، دون تعريض مصالح الجمهورية الإسلامية الاستراتيجية بعيدة المدى للخطر.
ويظهر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، بحسب كل معايير القدرات اللغوية والذكاء الدبلوماسي، غريما غير محتمل في أي تقارب أميركي إيراني. ورغم ذلك فقد أصبح أول زعيم إيراني خلال عقود ثلاثة يهنئ الرئيس الأميركي المنتخب رسميا، وهي إيماءة اعترف بها أوباما في مؤتمر صحافي سابق.
بالطبع، عندما تكلم الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي عن الحوار والانفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة في أواخر تسعينيات القرن الماضي تم تأنيبه بقسوة من قبل اليمين الإيراني وإلقاء اللائمة عليه بوحشية لأنه «ضحّى بقيم إيران الثورية». لم تكن هناك شكاوى مماثلة فيما يتعلق بمقدّمات أحمدي نجاد الأكثر إيجابية تجاه الولايات المتحدة. ويعود هذا جزئيا لأن طرح أوباما الحذر هيأ الوضع لفتحة جديدة في العلاقات بين الدولتين، وكذلك جزئيا بسبب التزام آية الله حسيني خامنئي قبل الانتخابات بأن إيران على استعداد لمفاوضة أي رئيس أميركي باستثناء بوش.
ليست مهمة المفكرين أن يتنبأوا أو يصبحوا مستشارين للدولة، ولكننا نفشل في مسئوليتنا إذا لم نخض بين الفينة والأخرى مجالات تبرز أهمية الحوار والانخراط، التي تعتبر وعودها تستحق الجهد. أعتقد أن الأمل بدخولنا عهدا أكثر سلاما في السياسة الدولية هو سبب إعطاء العديد من الأوروبيين والعرب والمسلمين والإيرانيين والإفريقيين والكوبيين والفنزويليين والبوليفيين وغيرهم أوباما احتمالات الشك. هناك اعتقاد صادق أنه قد يكون بإمكانه تحريك المارد العملاق في اتجاه مختلف.
ولكن أليس ذلك إثباتا آخر على الغطرسة والوقاحة المتعلقين بالرغبة بتحسين العالم من خلال اختراع مارد متسامٍ ورفعه فوق الواقع من خلال إعطائه قدرات تفوق قدرات الإنسان؟ هل يمثل أوباما ابتعادا عن عهد الأساطير الأميركية وميلا متأصلا باتجاه تبجيل الذات، أو قدوم جديد للظاهرة نفسها؟
العديد من الأميركيين مقتنعون اليوم بأنهم أعادوا تأسيس أرض صلبة يمكنهم الانطلاق منها مرة أخرى لإجراء تغييرات هائلة داخل بلدهم، بل في العالم كله، وهذا أمر حرج. يبدو لي أن مواقف كهذه من الترفّع الإيجابي لها مخاطرها، وأنها قد تؤدي إلى كوارث رهيبة جديدة خاصة في دول «العالم الثالث». لذا وفي هذه المرحلة أجدني أكثر أملا من كوني متأكدا من أن فترة أوباما الرئاسية لن تتحول إلى قمة أخرى من الوحشية في الشئون الدولية.
ولكن هناك على الأقل ذلك الشعور بالأمل.
* أكاديمي في SOAS ومؤلف، آخر كتبه «إيران في السياسة العالمية: قضية الجمهورية الإسلامية»، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 2277 - السبت 29 نوفمبر 2008م الموافق 30 ذي القعدة 1429هـ