العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ

نجاد في المنامة... ميلاد فجر جديد مع طهران!

حيدر محمد haidar.mohammed [at] alwasatnews.com

ثمة معانٍ كبيرة ودلالات رمزية مهمة تنطوي تحت يافطة الزيارة التاريخية التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبحرين، فنجاد الرئيس الصلب وزعيم قائمة المتشددين بالمعيار الدولي الذي تحكمه الأحادية القطبية ناقش مع القيادة السياسية وعلى رأسها جلالة الملك أجندة استراتيجية مختلفة ستسفر حتما عن ميلاد فجر جديد من الثقة بين البلدين الواقعين على ضفتي الخليج.

كدول خليجية لدينا فرصة للتعامل بحنكة أمام مخاض جديد من المتغيرات الصعبة التي يريد لنا الإيرانيون أن نتكيف معها، وأبرزها ولادة خليجٍ بقوة رادعة تغير من الجغرافيا الأمنية والسياسية السائدة في هذه المنطقة الحيوية والملتهبة من العالم، وفي المقابل أمامنا الكثير من الأجندة المشتركة التي تجمعنا مع الجارة الكبيرة، من أهمها فرصة الإصلاح الداخلي، وبدء حوارات صريحة وحقيقية مع شركاء المنطقة، وتعزيز التعاون الاقتصادي وحلحلة العوالق السياسية، وتقريب الرؤية بالنسبة للمشهد العراقي.

زيارة الرئيس نجاد للمنامة تحمل معها دلالات سياسية واسعة، ومن أهمها إسماع البحرين من أعلى مسئول إيراني تأكيد الجمهورية الإسلامية على سيادة واستقلال البحرين بعد سلسلة من الحملات الصحافية المتبادلة والمضادة، والتي تركت رواسب بين المنامة وطهران، ومن هنا فإن هذه الزيارة مهمة جدا من حيث تبديد التوجس من الآخر الذي ظلّ غولا مسيطرا على هذه العلاقات لفترات ليست بالقصيرة.

محمود أحمدي نجاد توّج بزيارته القصيرة والتاريخية في آن واحد سلسلة حافلة من الزيارات المتبادلة بين المسئولين في كلا البلدين في حراك حقيقي شهدناه خلال العام الجاري، ومن أبرز تجلياته زيارة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي إلى البحرين في أعقاب الضجة التي أثيرت بعد الذي نشرته صحيفة «كيهان» الإيرانية، وقبلها كانت زيارة وزير الخارجية البحريني مع وزير شئون النفط والغاز، وهناك وفدان برلمانيان من البحرين زارا طهران خلال الفترة الماضية، وسيعاودان زيارتها في هذا الأسبوع للمشاركة في رابطة البرلمانات الآسيوية، فضلا عن وفد قضائي رفيع سيقوم بزيارتها أيضا في هذا الشهر للمشاركة في أعمال رؤساء السلطات القضائية، والمنامة ستكون على موعد مع زيارة رئيس مجلس الشورى الإيراني غلام عادل حداد قريبا.

بالتأكيد، هناك من ليس سعيدا بهذه الزيارة، وليس مستعدا لأن يعمل البلدان بإطار جديد دافئ، يحكمه منطق المصلحة أولا، فنحن محصورون بين كماشتي التطرف الداخلي والتدخل الدولي، ومتى ما نجح البلدان في تخطي هاتين العقبتين فإن قدرا وافرا من النجاح ينتظرهما، وحينها يمكن القول أنهما سيدخلان في زيجة سيو/ جغرافية متميزة قائمة على مبدأ الشراكة الاقتصادية.

غني عن البيان أن ملف استيراد الغاز الإيراني يحتل جدول الصدارة على الأجندة الاقتصادية للزيارة، فالبحرين طالما عبّرت عن رغبتها في التزود بالغاز الإيراني لتلبية حاجة المملكة من الطاقة للمشروعات الاقتصادية الاستراتيجية، وبالأمس القريب زار وفد فني إيراني من شركة صادرات الطاقة البحرين لتحديد الخطوط العريضة لمشروع نقل الغاز الذي يباركه الساسة الإيرانيون.

لا نكشف سرا حينما نقول إن العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين ضاربة في القدم، وبلورت صيغا متعددة للتعاون التجاري، خصوصا مع المؤشرات الإيجابية لارتفاع معدل ميزان التبادل التجاري، وهو الأمر الذي يشكل الركيزة المحورية في ملف لجنة التعاون الوزارية بين البلدين والتي ستعقد اجتماعا مهما في وقت لاحق لوضع النقاط على الحروف على ملفات حيوية منها التعاون في قطاع الإنشاءات والاستثمارات المشتركة والتنمية الزراعية، وستتضاعف فرص تطوير هذه العلاقة إذا أثمرت المفاوضات الجماعية الخليجية على توقيع اتفاق التجارة الحرة التاريخي مع الجارة الصديقة.

وسياحيا يبدو مؤشر الزوار البحرينيين إلى إيران في تصاعد مستمر، وهناك أنباء تفيد أن السفارة الإيرانية تمنح 300 مواطن بحريني تأشيرة دخول يوميا فضلا عن عشرات الآلاف الذين زاروا الجمهورية الإسلامية في الصيف الماضي فقط، وغالبيتهم قصدوا العتبات الدينية، لذلك قررت سفارتنا في طهران فتح قنصلية بحرينية في مدينة مشهد المقدسة، وأمل كبير يراود البلدين في تطوير السياحة العلاجية والتعليمية بين البلدين.

لا يمكن لأي عاقل أن يغفل العلاقة الوثيقة والاستراتيجية بين زيارة الرئيس أحمدي نجاد وبين احتضان البحرين للاسطول الأميركي الخامس الذي له دور أساسي في إدارة العمليات في المنطقة في حال نشوب حرب كما كان مع العراق، على رغم تأكيد البحرين مرارا أنها لن تستخدم أراضيها لضرب إيران، كما صوت مجلس النواب البحريني في وقت سابق من هذا العام على عدم السماح باستخدام المنامة منطلقا لشن عدوان على طهران، وهذه الزيارة طالبت باطمئنان أكبر لهذا الأمر الذي يعني إيران كثيرا... وربما أكثر من أي شيء آخر.

ولا شك أن الجمهورية السائرة على خطى النووية تدرك تماما أهمية المنامة كعاصمة تتوسط الخليج وتربط بين خيوطه المتشابكة، لهذا ولهذا فقط عينّت سفيرا نشطا جدا، ويخبر بواطن الأمور في المنطقة، فهو أدار بنجاح باهر الملف العراقي سواء في الخارجية الإيرانية أو عندما كان قائما بأعمال بلده في بغداد، إنه حسين أمير عبداللهيان، وهذا السفير الشاب سيفرض حضورا متناميا للورقة العراقية في العلاقة مع المنامة، وخصوصا أن البحرين عضوة فاعلة في لجنة المتابعة للملف العراقي التي شكلتها جامعة الدول العربية، وكذلك إيران النشطة في مؤتمرات دول الجوار العراقي، وظاهرا لا تبدو طهران والمنامة مختلفتين على عناوين هذا الملف، ولكن عرب الخليج يأملون أن يسمعوا توضيحا أكثر بشأن مساهمة إيران في التهدئة الأمنية بحكم نفوذها الكبير في بغداد.

بصراحة، على رغم كل ما يثار من غبار على سياسة أحمدي نجاد تجاه الملف النووي الشائك، إلا أن دول المنطقة ومنها البحرين استفادت من الرئيس الإيراني في الإعلان صراحة عن حاجة ورغبة دول المنطقة في الاستخدام المشروع للطاقة النووية للأغراض السلمية، وهو ما أكد عليه جلالة الملك حفظه الله في افتتاح الدور الثاني للمجلس الوطني، حينما أكد رغبة البحرين في الاستفادة من هذا المشروع للأغراض الصحية والعلمية وفي مجال توليد الطاقة، وهناك سعي حثيث في منظومة مجلس التعاون لإنتاج مشروع مشترك للطاقة النووية يحظى بمباركة المجتمع الدولي والوكالة الدولية للطاقة الذرية.

حمدا لله وبفضل حكمة مسئولي البلدين نجحت الدبلوماسية الهادئة بين أروقة دوائر القرار في البلدين في إزالة بعض التشويش في العلاقات بسبب اختلافات غير صحية ومنها، عرقلة البعض لافتتاح مستشفى ميلاد التخصصي الذي بادر إلى تشييده مستثمرون إيرانيون كبارا على رغم أن المشروع حاصل على موافقة الجهات الرسمية كافة، وكذلك ملف البحارة الستة المعتقلين الذين اعتقلوا 100 يوم بعد أن اصطدموا بسفينة عسكرية بحرينية في المياه الإقليمية، وكذلك الإشارات السلبية التي صدرت من بعض الأقلام في البلدين على رغم تأكيد البلدين أنها لا تمثل السياسة الرسمية لكليهما.

من شأن هذه الزيارة أن تضع حدا للتراشق الإعلامي بين بعض الأوساط الصحافية في البلدين، ولذلك فإن من حسن الطالع أن تتزامن هذه الزيارة مع زيارة الوفد الإعلامي البحريني إلى طهران الأسبوع الماضي، والذي لوقي بحفاوة كبيرة والتقى مع عدد ليس بقليل من كبار المسئولين وصناع القرار الإيرانيين، واتفق الطرفان على تعزيز التعاون الصحافي والإعلامي ودرسا بجدية إمكان افتتاح مكتبين لوكالتي أنباء البلدين، وهذا يعني إقبالهما أيضا على تعاون إعلامي مهم.

وفي مايو/ أيار الماضي احتضنت المنامة الأسبوع الثقافي الإيراني الذي حظي بدعم رسمي وزخم إعلامي كبيرين، ومن المؤمل أن يقام الأسبوع الثقافي البحريني في إيران في ربيع العام المقبل، وكذلك سمعنا عن لمسات أولية في التعاون السينمائي ومشاركة دور النشر الإيرانية في معارض الكتاب في المملكة.

ما من ريب أن الساعات الست التي قضاها الرئيس محمود أحمدي نجاد في المنامة كانت حافلة بالكثير من الملفات وأهم من ذلك أنها تعمق الثقة المتبادلة، وقادة البلدين يبديان حماسا كبيرا للدفع قدما في مسيرة التعاون، وأحسب أن الرجل غادر المنامة مطمئنا أن المملكة لن تكون طرفا في الحرب على بلاده إذا ما نشبت في المنطقة خيمة ظلام جديدة، ونحن شعوب الخليج نتمنى من صميم قلوبنا أن نرى أشرعة السلام ترفرف على سماء المنطقة لا أن تقرع طبول الحرب وحينها لن ينفع الندم!

إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"

العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً