لم يكن أحدٌ يتصوّر أن تأتي الضربة هذه المرة للنواب من التجار! فالتجار الذين سكتوا طويلا، وكظموا غيظهم كثيرا، فاجأ أحد أبرز رموزهم مجلس النواب والشورى والوزراء بإلقاء قنبلة مدوية، سيظل صداها يتردّد في الشارع لوقت غير قصير.
القنبلة لم تكن قنبلة «مولوتوف» صغيرة، وإنما خطابٌ سياسيٌ محكم، كأنما طُبخ على نار هادئة حتى نضج، فلا يمكن معارضته أو تفنيده أو الاحتجاج عليه: «الشعب انتخب النواب للحفاظ على الأموال العامة وليس تبديدها عبر خلق امتيازات شخصية على حساب حقوق المواطن». وهكذا أصبح النواب في قفص الاتهام، والتهمة هي التفريط في مصالح الوطن والمواطنين. وهذه المرة لن يجد النواب من يمكن أن يدافع عنهم بحجة أنها فحوى أو هدية أو مكافأة، أو يخاطب المواطنين ليعتبروها “صدقة” للنواب بحجة ضعف الراتب أو تراكم الديون!
اليوم، لن تتجه أنظار الناس للطرف الذي يريد تمييع النواب وإغراقهم في المصالح الفردية لإسكاتهم و(كسر عيونهم)، لئلا يطالبوا بمحاسبة مسئول أو فتح ملف للتحقيق في فساد مالي أو إداري... بل سيكون اللوم كله على النواب الذين تتسع ذمتهم لقبول هذه الرشوة المكشوفة. ولن تجدي بعضهم التبريرات والحيل غير الشرعية، من قبيل انهم يتعبون و«يجاهدون» من أجل مصلحة الشعب، علما بأن المجلس عاد توا من إجازة خمسة أشهر، وكان حريا بهم المطالبة جماعيا بتقليص هذه الإجازة غير المبرّرة، التي يتسلمون عليها رواتب كاملة من أموال الشعب.
التجار الذين سكتوا طويلا، وهم يرون مصالحهم مهدّدة، ويتهمون دائما بالجشع وعدم تحمّل دورهم الوطني في حل مشكلة البطالة، ومعارضتهم لمشروع إصلاح سوق العمل حتى عرقلته... وجدوا مشروع زيادة رواتب الوزراء والنواب، فرصة نازلة من السماء، ليقدّموا خطابا متناسقا قويّ الحجة، مدعّما بالأرقام التي يفهمها المواطن البسيط: «هل من المعقول أن يعمل الموظف الحكومي 40 عاما ليحصل على 80 في المئة من راتبه بعد التقاعد، بينما يعمل النائب 4 سنوات ليحصل على 60 في المئة، و8 سنوات ليحصل على 80 في المئة؟ فهذا منطق يتنافى مع العدالة الاجتماعية بين المواطنين».
التجار استطاعوا في ضربةٍ واحدةٍ إسقاط كل الحجّج البالية التي لوّح بها النواب السابقون والحاليون، من أنهم «يتعبون ويشقون ليل نهار من أجل الشعب»، وهذا ما يبرّر لهم الحصول على الامتيازات السابقة واللاحقة.
عندما تتسع الذمة فإنها تتقبل عمليات الفذلكة وخداع الذات. أحد المواطنين البسطاء ردّ على إحدى الحجج “الكلاسيكية» من أنهم لن يعودوا إلى أعمالهم السابقة، بقوله: «ومن الذي ضربهم على أيديهم ليترشّحوا؟ وهل كان ضمن برامجهم الانتخابية تأمين مستقبلهم الشخصي؟ أم أنها عملية قمار، و(اضرب... صابت أو خابت)! ولماذا يمنّون علينا انهم ترشّحوا، والمفروض أن يمن عليهم الشعب لأنه أوصلهم إلى هذه المناصب والامتيازات».
التجار استطاعوا بضربة معلم واحدة، أن يضعوا أعضاء مجلس النواب والشورى على المحك، فلا يمكن لأحدٍ تبرير قبول هذه الرشوة المكشوفة. التجار لعبوها بطريقة ذكية... إذ أشاروا من طرفٍ خفي، إلى من يستغل أموال الشعب في الرشوة وإفساد ذمم النواب.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ