العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ

رئيس لبنان: اختيار صعب ومهمات أصعب

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

بعد أخذ ورد وصلت أخيرا لائحة البطريرك الماروني إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس كتلة «المستقبل» سعد الحريري. اللائحة التي وضعت بناء على طلب فرنسي تتضمن أسماء المترشحين الموارنة إلى رئاسة الجمهورية. ويرجّح أن يبدأ بري والحريري بقراءة الأسماء وغربلتها حتى يتوصلا إلى اسم أو اسمين يتم التوافق عليه أو عليهما تمهيدا لدعوة النواب إلى حضور جلسة الانتخاب التي تقرر أنْ تعقد في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري.

حتى الآنَ لم تعلن رسميا الأسماء التي وردت في لائحة البطريرك ولكن المعلومات طرحت مجموعة أسماء افتراضية تراوحت بين 6 و12 شخصية مارونية سياسية واقتصادية وحيادية وتوافقية وعسكرية. وبانتظار أنْ تتبلور المباحثات وتتضح صورة «الرئيس» المرجّح للترشيح بدأت الاختلافات في وجهات النظر بالظهورعلى سطح التجاذبات السياسية. فهناك فريق يضغط على أنْ يكون التوافق على مترشح واحد وهناك فريق يفضل أنْ تترك مساحة للنواب لاختيار رئيس من مترشحين أو أكثر.

الاختلاف ليس بسيطا ويتعدّى الإطار الشكلي للمسألة. وفي حال أصر كلّ فريق على رأيه فإنّ احتمالات عدم الدعوة إلى جلسة انتخاب تصبح الأقوى وبالتالي ستدفع البلد إلى نوع من الفراغ الدستوري. الفريق الذي يشترط أنْ يكون التوافق على اسم واحد فقط من اللائحة يعني أنه يريد أنْ يعرف رئيس الجمهورية قبل انعقاد جلسة النواب. وفي حال حصل هذا الأمر تكون جلسة الانتخاب شكلية؛ لأنّ اختيارالرئيس وقع خارج البرلمان وتم تعيينه قبل التصويت له.

الفريق الذي يميل إلى توسيع دائرة الاختيار يريد أنْ يعطي للجلسة معناها الانتخابي ويضع أمام النائب أكثر من اسم للاختيار وبالتالي يفتح باب التنافس بين مرشحين أو ثلاثة للتصويت.

الا أنّ الاختلاف يتعدّى هذا الإطار الشكلي ويطرح فعلا إشكالية سياسية بين الفريقين. فالفريق الذي يصرّ على اسم واحد يريد أنْ يعرف الرئيس قبل أنْ يتوجّه إلى حضور جلسة التصويت وبالتالي يكون حضوره على بينة سياسية. والفريق الذي يفضل تقديم لائحة تضم أكثر من اسم يريد أنْ يضمن حضور غالبية النواب لإضفاء شرعية دستورية على عملية التصويت.

الاختلاف إذا ليس بسيطا وهذا مالاحظه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي زار لبنان لمدة يوم وانتبه قبل مغادرته بيروت إلى وجود إشكاليات اشتراطية قد تقلب المعادلة وتمنع التوصّل إلى انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة الدستورية التي تنتهي في 24 نوفمبر الجاري. الاسم الواحد يعني تعيين الرئيس من خارج جدران مجلس النواب. وأكثر من اسم يعني احترام الحد الأدنى من الضوابط الدستورية وإعطاء فرصة للنائب للاختيار بين مترشح وآخر.

لكن المشكلة ليست شكلية وتتجاوز شروط اللعبة الدستورية. فمن يريد الاسم الواحد يشترط التوافق على رئيس الجمهورية تحت سقف معادلة سياسية محكومة بتوازنات دولية وإقليمية. ومَنْ يريد أكثر من اسم يشترط التوافق على تأمين نصاب الثلثين حتى يضمن اختيار رئيس لا يخضع بالضرورة لسقف المعادلة السياسية.

المترشح ميشال عون مثلا ورد اسمه على لائحة البطريرك إلى جانب أسماء أخرى. ولكن عون لا يعتبر الأمر كافيا فهو يريد أنْ يضمن فوزه قبل التوجّه إلى جلسة الانتخاب وتأمين نصاب الثلثين لمترشح آخر. لذلك يصرّ على أنْ يتم التوافق عليه كمترشح وحيد وإلاّ سيرفض حضور جلسة الانتخاب.

اللعبة واضحة وهي سياسية وليست دستورية. فالجنرال يعتبر أنّ مجرد حضور الجلسة تخرج اللعبة الدستورية من دائرته وتصبح خاضعة للتوازن النيابي بين الأكثرية والأقلية. وبما أنّ كتلة عون لا تملك الغالبية فمعنى ذلك أنه أعطى شرعية دستورية لانتخاب منافس له. انعقاد الجلسة تعني لعون أنه خسر رئاسة الجمهورية.

فريق «14 آذار» يتحرّك سياسيا ضمن اللعبة الدستورية ولكنه يريد أنْ يكسب المعركة الشرعية في إطار توافق على أسماء بينها عون على أنْ يترك خيار التصويت للنواب أي لرئيس آخر غير الجنرال. انعقاد الجلسة تعني لفريق «14 آذار» أنه ضمن الفوز برئاسة الجمهورية.

لعبة سياسية

المعركة إذا تخطت مسألة النصاب القانوني لجلسة الانتخاب ولم يعد التجاذب الدستوري يقتصر على حضور «غالبية الثلثين» كما يقول فريق 8 آذار» أو حضور غالبية نيابية (النصف زائد واحد) كما يقول فريق «14 آذار». المعركة أصبحت سياسية كما كانت من البداية. فمَنْ يريد الثلثين يشترط ضمان انتخاب الرئيس (المترشح الواحد) قبل انعقاد الجلسة. ومَنْ يريد «النصف زائد واحد» يشترط ضمان دستورية انعقاد الجلسة تمهيدا لانتخاب رئيس يتفق عليه خلال التصويت. وبما أنّ فريق «14 آذار» يمتلك غالبية المقاعد فمعنى ذلك أنه ضمن سياسيا اختيار الرئيس الذي يتناسب مع توجهاته العامّة.

المسألة في النهاية سياسية وليست دستورية. والاختلاف على النصاب القانوني للجلسة اندلع على أساس سياسي. والاختلاف الآنَ على مترشح واحد أو مترشحين لايخرج بدوره عن دائرة التنازع السياسي على اسم الرئيس المقبل. وإذا كانت المسألة تتعدى الدستور وتذهب مباشرة إلى السياسة فمعنى ذلك أنّ الأزمة اللبنانية ليست في طريقها إلى التسوية حتى لو انعقدت الجلسة وانتخب الرئيس.

ماذا يستطيع أنْ يفعل الرئيس المنتخب في حال جرت جلسة الانتخاب في ظل تجاذب سياسي معطوف على توترات أهلية مذهبية وطائفية ومناطقية؟ لا شيء يذكر ما دامت اللعبة سياسية وتتخطى الدستور والمعادلة النيابية. فالرئيس المقبل لا يستطيع أنْ يكون من «8 آذار» وضد «14 آذار» كذلك لا يستطيع أنْ يكون الرئيس الذي ستختاره الغالبية النيابية (14 آذار) ضد «8 آذار» لأنّ الفريق الأخير يمتلك أدوات ضغط قادرة على تحريك الشارع وزعزعة استقرار الكيان أو تعطيل إمكانات عمل الحكومة المقبلة.

هذا التعقيد السياسي يتطلب فعلا تسوية معقدة بين أطراف تمتلك قدرات على تعطيل خيارات كلّ فريق. وبما أنّ كلّ جانب يسيطر على مواقع تعطيه قوة للمعاكسة تصبح متطلبات التفاهم أو التوافق على تسوية أكثر إلحاحا إذا كانت الأطراف فعلا تفكر في منع لبنان من الانزلاق إلى الانهيار والانشطار.

أمام الرئيس المقبل مهمات صعبة، وهي في مجموعها تبدأ لبنانية وتنتهي إقليمية أو تبدأ إقليمية وتنتهي لبنانية. وفي الحالين تتطلب التسوية من الرئيس المنتخب رؤية استراتيجية بعيدة المدى تتجاوز حدود لبنان الجغرافية وتقرأ أزمته في سياق دولي/ إقليمي. ومثل هذه الكفاءات القادرة على تأمين تسوية الحد الأعلى تبدو غير متوافرة في الأسماء المتداولة في لائحة البطريرك أو خارج أسماء اللائحة. وحين تكون مهمات الرئيس المقبل كبيرة وصعبة وتتجاوز جغرافية الكيان الصغير فمعنى ذلك أنّ التوافق على اسم المترشح يتطلب تفاهمات على تسوية محلية تكون قادرة على ضمان الحد الأدنى ويتلخص الآنَ في مهمتين : ضبط الاستقرار ومنع انهيار بلاد الأرز.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً