ما الذي تريده الحكومات الغربية وصانعو السياسة بالضبط، من الإسلاميين، أي المجموعات والأفراد الذين يعتقدون أن نظام حكمهم يجب أن يرتكز على المبادئ الإسلامية؟
بصفتي إسلاميا معتدلا يسعى إلى بناء جسور من التفاهم والتواصل مع مختلف الشعوب في الغرب وغير ذلك، أجد من الصعوبة بمكان الإجابة عن هذا السؤال.
خلال العقدين الماضيين، تطور طرح معتدل داخل الإسلام السياسي، يصل بين التعاليم الإسلامية وأوجه الحياة الحديثة بعد عقود من الركود، نتجت منها حلول مقبولة إسلاميا لقضايا عدة مشاكسة.
الإسلاميون المعتدلون اليوم يقبلون الديمقراطية بشكل كامل وتُظهِر طروحاتهم احتراما واضحا للحريات المدنية وحقوق الإنسان. هذا الطرح المعاصر ليس معاديا للغرب بشكل متأصل. صحيح أنه يتخذ مواقفَ مختلفة بشأن بعض القضايا، إلا أنه طرح متزن يضع فروقات واضحة بين الحكومات ومنظمات المجتمع المدني. إنه طرح يدرك أن الغرب ليس كينونة واحدة متناغمة متجانسة وأن عددا من الفروقات المهمة توجد داخله. بغض النظر عن ذلك، إن معظم الدوائر الرسمية الغربية - إن لم يكن جميعها - لطالما كانت مترددة جدا في تجاوبها مع هذا التطور في الإسلام السياسي.
وعلى رغم أن المفكرين ومؤسسات البحوث كانت تتوق للسعي وراء فرص للحوار مع الإسلاميين المعتدلين، لم تظهر سوى قلة قليلة من المسئولين الرسميين اهتماما بالانضمام إلى نقاشات كهذه على رغم أنها شاركت في الكثير من المحاضرات والحديث عنها.
أستطيع أن أفهم أن لدى صانعي السياسة الغربيين اهتمامات أمنية في أذهانهم عند التعامل مع الإسلاميين. ولكني أعتقد أن من المنطقي الافتراض أن صانعي السياسة هؤلاء يتمتعون بالذكاء والمعرفة والنضوج بما يكفي لإدراك أن جميع الناشطين الإسلاميين ليسوا إرهابيين، وأن المجموعات الإرهابية تنتقد المجموعات المسالمة والمعتدلة تماما كما تنتقد الغرب. ليست جماعة «الإخوان المسلمين» هي «القاعدة»، والطرح السياسي لنائب رئيس جماعة «الإخوان المسلمين» خيرت الشاطر وأحد المنظرين الرئيسيين لـ «القاعدة» أيمن الظواهري، لا يتفقان في أي مجال يذكر.
الواقع أن هذا التنوع داخل الإسلام يجب أن يشجع صانعي السياسة الغربيين على التعامل مع المجموعات المعتدلة، التي يمكن لتمكينها أن يقوض بشكل كبير أركان قناعة المتطرفين بأن أبواب الإصلاح السلمي مغلقة. يجب عليهم أن ينخرطوا في حوار مع المعتدلين ويسمحوا بمشاركتهم ممثلين منتخبين في النظام السياسي لدولهم.
أفهم كذلك أن بعض الناشطين في الديمقراطيات الغربية يشككون في المشاعر الديمقراطية الإسلامية، ومازالوا يخافون من مفهوم «رجل واحد، صوت واحد، مرة واحدة»، الذي يقترح أن إذا تم انتخاب سياسيين إسلاميين في الحكومة بأسلوب ديمقراطي، فإنهم سيضمنون أن الفرصة لن تتوافر لأي حزب آخر بعدهم.
على رغم ذلك، تثبت التجربة العكس تماما. فقد أظهرت انتخابات النقابات المهنية في مصر والانتخابات البرلمانية في تركيا والمغرب - على سبيل المثال - بوضوح أن الأحزاب المتجذرة في السياسة الإسلامية تحترم النظام الذي تختار التنافس ضمنه. فكلما ازداد تكامل الإسلاميين أثبتوا احترامهم الزائد للعمليات الديمقراطية.
كذلك يخاف بعض صانعي السياسة الغربيين وأنصار المجتمع المدني من موقف الإسلام السياسي تجاه حقوق الإنسان والحريات المدنية. مرة أخرى، هذا سوء فهم مرده جمع كل الناشطين الإسلاميين السياسيين معا والفشل في رؤية الفروقات بينهم.
الواقع أن بعض المجموعات المعتدلة أكثر قدرة على حماية وتشجيع حقوق الإنسان في العالم الإسلامي من أنظمة بحكم القائمة. معظم هذه الأنظمة تتعرض لتراجع وتآكل في شعبيتها، وتعوض عن ذلك باستخدام إجراءات خارج القانون وتنتهك حقوق الإنسان بهدف إخراس معارضيها.
طبعا، لن تتفق الدول العربية والإسلامية في كل القضايا. حتى الساسة الغربيون يختلفون في مدى دقة تطبيق قضايا حقوق الإنسان مثل الحق في الحياة، عندما يعود الأمر إلى حكم الإعدام والإجهاض وكيفية تفسيرها في قوانينَ. تُتَّخذ الكثير من هذه القرارات بناء على قيم الغالبية في مجتمعات محددة. ما يهم هو أن تحترم حقوق الإنسان الأساسية التي تضعها الاتفاقات الدولية ويجرى تبنيها.
يجب أن تكون الاهتمامات الحقيقية لناشطي حقوق الإنسان في المنطقة اليوم الإحصاءات المتزايدة عن التعذيب واعتقال محرري الصحف ووسائل الإعلام والمحاكمات العسكرية للمدنيين والاعتماد غير الشرعي والعنف ضد المرأة والفقر وانعدام الديمقراطية.
السياسيون الإسلاميون المعاصرون يوافقون، بل يتبنون الديمقراطية بشكل كامل، ويدعمون حرية الصحافة ويؤمنون بالمساواة أساسا للمواطنة، فهذه الأمور وحدها كفيلة بحل معظم قضايا حقوق الإنسان في الشرق الأوسط.
يجب ألا يحكم المرء على موقف الإسلاميين من حقوق الإنسان من خلال تقويم مواقف بعض المجموعات الإسلامية اليمينية. لقد أظهرت كتابات بعض المفكرين والعلماء المسلمين أمثال يوسف القرضاوي وطارق البشري وسليم العوا وغيرهم درجة عالية من احترام حقوق الإنسان والحريات المدنية.
أجد من الصعوبة بمكان فهم ما الذي يجعل الحكومات الغربية - بعكس منظمات المجتمع المدني - شكاكة فيما يتعلق بالمشاركة المستمرة بحوار صحي مع الإسلاميين لحقوق هؤلاء الناشطين الإنسانية من قِبل أنظمتهم الاستبدادية، إذ يمنعونهم المشاركة السياسية ويلقون بهم بالمئات في غياهب السجون. كذلك أجد من الصعب أكثر فأكثر فهم التحيز الواضح وانعدام المعاملة بالمثل الذي يظهره الصمت الغربي حيال المحاكم العسكرية المستمرة للإسلاميين المعتدلين الذين أثبتت المحاكم المدنية براءتهم في مصر.
يجب على مسئولي الحكومات الغربية أن يستجيبوا بشكل إيجابي للخطوات الإيجابية التي اتخذها الإسلاميون المعتدلون. من خلال نبذ الحوار مع الأصوات المعتدلة للإسلام السياسي، تقوم الحكومات الغربية بالتدريج بتقديم النصر إلى المتطرفين فيما يسعى الإسلاميون المعتدلون إلى تقويض أركانهم.
* عضو مجلس موقع الإخوان المسلمين الرسمي باللغة الإنجليزية على شبكة الإنترنت، ويعمل للحصول على الماجستير في الدراسات الإسلامية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1899 - السبت 17 نوفمبر 2007م الموافق 07 ذي القعدة 1428هـ