لعلّ المؤكد في ديننا الحنيف أنّ القرآن الكريم تضمن الكثير من الآيات الكريمة التي تدلّ على رحمة الله الواسعة، وإنّ رحمته وسعت كلّ شيء، كما أنّ سنة النبي (ص) أشارتْ في الكثير من الأحاديث إلى التوبة، ومنها: «التائب من الذنب كمن لا ذنب له». ولعلّه أيضا تجدر الإشارة إلى حديث «التائب حبيب الرحمن»... إلخ من أحاديث شريفة كثيرة يعلمها الراسخونَ في العلم من أهل الحديث من أتباع سلف الأمّة الصالح.
وبمناسبة الحديث عن السلف، فإنّ الكثير من الناس - هداهم الله- يشيرونَ إلى أنفسهم بأنهم «جماعة السلف»، في حين إنّ هذا مخالف للواقع. إذ الأصل كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية هو أنْ يكون المسلم سلفيا؛ بمعنى يقتفي أثر سلف الأمّة، وسلف الأمّة هم الذين أشار إليهم الحديث الشريف «القرون الثلاثة الأولى».
وفي ذلك فإنّه من الطبيعي جدا جدا أنْ يكون الأصل أنّ الناس سلفيون بلا حزب أو جمعية أو اتجاه سياسي حركي. فالإنسان يولد على الفطرة، التي فطره الله عليها، و«أبواه إمّا يهودانه أو ينصرانه أو يمجّسانه». وفطرة المرء أنْ يكون سلفيا. فكلّ المسلمين هم سلفيون، وكلّهم متبع غير مبتدع دين من عنده، ولهم في ذلك مذاهب بحسب تفاوت الفهم المختلف أو النقل المتنوع المصادر. ولكن جميعها أصلها من مشكاة النبوة؛ أي هدي النبي (ص) وآله وصحبه الكرام.
وقد أشكل على الكثير من الإخوة مسألة حصر السلفيين بجماعة أو حزب، وهذا خطأ. فالأصل أنْ يكون المنهج السلفي هو المقياس؛ أي اتباع منهج السلف الصالح. فالجماعات الموجودة اليوم على الساحة تتفاوت بحسب قربها وبعدها عن منهج السلف الصالح وصحابة النبي (ص)، فمنهم ظالم لنفسه، ومنهم مقتصد، ومنهم سابق بالخيرات. ومن الإجحاف إطلاق لفظة السلفيين هكذا على كلّ من أطلق لحيته أو أخذ من طرف ثوبه... فالمسألة أبعد بكثير من إطلاق اللحى والأخذ من الثياب!
قد يأتي إنسان لا يبدو من شكله الظاهر بأنه ملتزم التزاما تاما بمنهج السلف، لكنه في الإطار العام إنسان صادق لا يرتكب المحرّمات، ولا يعمل الخبائث، ويغض الطرف عمّا حرّم الله، ولا يقترف الآثام، وعقيدته في أسماء الله وصفاته على ما فطره عليه الله. فذلك يعتبر سلفيا، حتى وإنْ لم يقل أنا سلفي. فمنهجه يدل عليه.
وقد يأتي ظاهره العام التدين والالتزام بالدين، ولكنه كما جاء في الحديث النبوي الشريف «إذا حدّث كذب، وإذا أتمن خان، وإذا خاصم فجر». وقد يأكل الحرام، ويأتي المحرمات، ويعمل الخبائث، ويقترف الآثام. فذلك المرء لا يعتبر سلفيا. حتى وإنْ قال: أنا سلفي. فمنهجه يدلّ على أنه ليس سلفيا.
السلف أو السلفيون هم ليسوا جماعة محصورة في سياج الجمعية «س» أو الحزب «ص». السلف والسلفيون هم الأشخاص الذين يتبعون منهج السلف الصالح في عبادتهم، وعقيدتهم، وحلهم وترحالهم، ومأكلهم ومشربهم وقيامهم وقعودهم و... إلخ. وقد يبتعد الناس عن هذا المنهج فيقال: إنّ فلانا في هذا الجانب مبتعد عن منهج السلف، والمقصود نهج الصحابة والتابعين الكرام. وبالتالي يُقاس المرء بقرب عمله مما كان عليه السلف الصالح، ويُقال له: فعلك في هذا الجانب سلفي؛ أي إنك اتبعت السلف الصالح في هذا الجانب أو ذاك.
ولعلّي في هذا المقام أدعو إخواني المشايخ وطلبة العلم والدعاة والعاملين والمنتسبين للجمعيات الإسلامية الحركية وغيرهم أنْ يتوبوا إلى الله، فإنّ باب التوبة مفتوح، و«الله يغفر الذنوب جميعا». فتوبوا خير لكم! اللهم هل بلغت، اللهم فاشهد.
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1898 - الجمعة 16 نوفمبر 2007م الموافق 06 ذي القعدة 1428هـ