العدد 1898 - الجمعة 16 نوفمبر 2007م الموافق 06 ذي القعدة 1428هـ

لبنان و«الشر المستطير»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل يومين دخل لبنان مرحلة، أحبّ رئيس مجلس النواب نبيه بري أنْ يطلق عليها «الشر المستطير». الشر المستطير بدأ وأمام بلاد الأرز فترة أسبوع للتوافق على ضمان أمن الكيان السياسي من الانهيار والتفكك. فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟

كلّ الاحتمالات مطروحة باستثناء خيار واحد وهو أنّ اللبنانيين لم يصلْ بعد وعيهم السياسي إلى درجة النضج التي تسمح بعقد تسوية قاسية تضبط إيقاع حركة تجاذب الطوائف.

خيار الحل غير مطروح ولا توجد مؤشرات واضحة تدل على هذا الاحتمال. والخيارات الأخرى واردة وتتفاوت بين تسوية مؤقتة تعطي فرصة لإدارة الأزمة وبين الدخول في مواجهات دستورية يمكن أنْ تفتح الباب أمام تأويلات تبرر الانقسام الأهلي القائم حاليا.

لبنان الآنَ أمام استحقاق خطير يمكن أنْ يؤدي إلى انفراط عقده الطائفي وتبعثره سياسيا على «جمهوريات مناطق» يدير شئونها أمراء الحرب والمذاهب كما هو حال العراق «الفيديرالي» أو السلطة الفلسطينية الموزّعة على قطبين واحد في الضفة وآخر في غزة.

هذا الانقسام المحتمل بدأت خطوطه بالارتسام حين ارتكب ذاك الخطأ الفادح وقرر البرلمان تعديل مادة دستورية لمرة واحدة فقط تمدد للرئيس الحالي أميل لحود نصف ولاية. وأدّى هذا الخطأ في القراءة السياسية إلى تبرير صدور قرار دولي كارثي وضع لبنان تحت وصايات والتزمته بتطبيق بنود تزعزع توازنه الأهلي وتهدد معادلته الداخلية بالانهيار. ولبنان لايزال حتى الآنَ يدفع ثمن ذاك القرارالدولي الذي صدر عشية التمديد للرئيس لحود. وهو لايزال مطالبا من قبل مجلس الأمن باستكمال ما تبقى من فقرات نص عليها القرار 1559.

خطأ التمديد جلب إلى لبنان سلسلة كوارث كان بإمكانه تجنبها أو الحدّ من آثارها السلبية لوتسنّى للأطراف الفاعلة التفكير بالمعطيات التي طرأت على الفضاءات الدولية والمتغيرات التي أنتجتها عملية احتلال العراق وتحطيم دولته وإطلاق طوائف بلاد الرافدين؛ لتقوم بدروها في تفكيك ما عجز الاحتلال عن تحقيقه.

بعد أسبوع ستنتهي مدّة نصف ولاية أرادها لحود وشكّلت ذريعة للقوى الكبرى في تمرير مشروع زعزع أركان الكيان وحطم دولته وأضعف مقاومته وأطلق سلسلة تفجيرات واغتيالات وأخرج القوات السورية من البلاد وشجّع «إسرائيل» على ارتكاب عدوان صيف 2006. وحتى الآنَ لم تتوقف سلسلة الضغوط على لبنان فهو مطالب أنْ يلتزم بما تضمنته فقرات القرار الذي صدر في العام 2004.

القرار على صورة الرئيس لحود ومثاله. فهو جاء ردا على خطوة التمديد ولكنه أيضا جاء يتوافق مع مشروع حروب أهلية لبنانية - لبنانية، ولبنانية - فلسطينية، وفلسطينية - فلسطينية، ومسيحية - مسلمة، ومسيحية -مسيحية، ومسلمة - مسلمة. وكلّ هذه المشاهد يمكن رؤية عناصرها في الواقع السياسي القابل للانفجار في بلاد الأرز. فهل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟

التصحيح بعيد المنال

إمكانات التصحيح غير ظاهرة للعيان وتبدو بعيدة عن المنال في المرحلة الراهنة. دوليا لم تنجح الاتصالات التي أقدمت عليها فرنسا والولايات المتحدة مباشرة أو بالواسطة مع بري ولحود والجنرال ميشال عون والبطرك الماروني والقيادة السورية في التوصّل إلى نتائج معقولة يمكن التعامل معها ميدانيا. وإقليميا لاتزال الملفات مقفلة ولم تتوصّل الأطراف المعنية بها إلى ترتيب حلول مؤقتة للازمات. الملف النووي الإيراني لايزال مفتوحا على احتمالات شتّى. والملف العراقي دخل في طور جديد من التأزم الأهلي بين القوى السياسية التي تنتمي إلى المذهب الواحد. والملف الفلسطيني تعاد قراءة جدول أعماله في ضوء أولويات إقليمية لا يستبعد أنْ تدخل دمشق على خطوطها المتداخلة جغرافيا بين لبنان وسورية والأراضي المحتلة.

المسألة في إطارها العام معقدة وتتجاوز في بعدها السياسي اللعبة الدستورية المفتعلة. فالأزمة في لبنان ليست دستورية وأنما إقليمية؛ لكونها تتصل جغرافيا ومذهبيا وطائفيا وسياسيا بمجموعة ملفات تربط حلقات السلسلة من طهران إلى غزة. وبما أنّ أزمات الأقاليم في المحيط الجواري تملك مراكز قوى وامتدادات أهلية في بلاد الأرز تصبح الاحتمالات مفتوحة على أكثر من خيار باستثناء خيار الحل.

الاحتمالات المفترضة تتجّه كلّها نحو حلول مؤقتة إلاّ إذا استفاقت المنطقة على مشروع تسووي يشمل كلّ النقاط الساخنة من إيران إلى القطاع. وبما أنّ مثل هذا المشروع التسووي «الهائل» غير ظاهر في تفصيلاته فيرجح أنْ يواجه لبنان احتمالات سلبية تتراوح بين انتخاب رئيس يدير الأزمة المستعصية ويجنبها الاصطدام بصاعق التفجير أو بين عدم انتخاب رئيس يؤدي إلى توليد فراغ دستوري يبرر للقوى السياسية وأمراء الحرب والطوائف تشكيل هيئات محلية تدير شئون مناطقها.

الاحتمال الأخير غير مستبعد؛لأنّ سياسة الحشد والتوتير والاستنفار الشارعي المعطوف على الطوائف والمذاهب والمناطق التي بدأت منذ العام 2004، أسست قواعد انطلاق مستعدة نفسيا لإعادة النظر في جوهر الكيان وصيغته التوافقية. وهذا النوع من الاستعداد النفسي يتطلب إشارة بسيطة للإعلان عنه. وانتخابات الرئاسة تشكّل محطة لإدخال البلد في لحظة فراغ دستوري تعطي ذريعة للبدء في الانزلاق نحو صيغة انقسامية تشبه تلك النماذج الأميركية التي تأسست في العراق (فيديراليات طوائف ومذاهب) أو فلسطين (حكومتان تتوزعان المواقع والمناصب).

لبنان إذا أمام احتمالات صعبة وخطيرة في فترة «الشر المستطير». ومصيره معلّق بمدى نجاح الاتصالات الدولية في تطويع الاعتراضات الإقليمية والشروط المحلية، فإذا نجحت القوى الكبرى دخل البلد في طور إدارة الأزمة بانتظار الانتهاء من معالجة الملفات الإقليمية، وإذا اصطدمت الاتصالات بعوائق إقليمية وحواجز أهلية تصبح بلاد الأرز عرضة للتنازع السياسي بين نموذجين: حكومتان تديران شئون الناس أو فيديراليات تؤسس دويلات في كيان تزدحم ضمن جدرانه الطوائف والمذاهب.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1898 - الجمعة 16 نوفمبر 2007م الموافق 06 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً