اختتمت مساء أمس (الخميس) فعاليات مؤتمر عاشوراء الثاني، الذي نظمه المجلس الإسلامي العلمائي، واستمرت ثماني ليال، وحضرها نخبة من المدعوين والمهتمين بموضوع المؤتمر: «المنبر الحسيني... المسئوليات والتحديات».
الملاحظة الأولى أن عنصر علماء الدين زاد هذا العام مقارنة بالعام الماضي، الذي حضره عددٌ أكبر من المثقفين، ومع ذلك شهدت الجلسات تنوعا أكبر وتوسعا في طرح التفاصيل، ما يشير إلى زيادة الاهتمام العام بـ «عاشوراء».
عاشوراء في البحرين أكبر من مجرد مجالس حسينية وتسيير مواكب العزاء التقليدية، فهو موسمٌ ثقافيٌ يشهد أكبر عملية إحياء للتراث الديني واستعادة للتاريخ، يشارك فيها الجميع، صغارا وكبارا، نساء ورجالا. هؤلاء يستمعون لما يسرده الخطباء من وقائع تاريخية على امتداد عشرة أيام بلياليها، وتذكير بالمبادئ والقيم الأخلاقية من سيرة أهل البيت النبوي الشريف.
هناك اليوم مراجعات كبيرة، فما كان المنبر يكرّره طوال قرون، لم يعد أكثره يواكب العصر، فهناك مطالب تتردد عن ضرورة تطوير المنبر، بما يحقق أفضل فائدة من عملية الإحياء. هذه المطالب لم تعد تسمعها من المثقفين أو المتعلّمين فحسب، بل باتت تتردد على ألسنة علماء الدين والخطباء أنفسهم، الذين بدأوا يستشعرون أن العالم من حولهم بدأ يتغيّر، وأن خطاب الكرامات والمعجزات لم يعد مهضوما لجمهورٍ يمكنه أن يفتح أبواب المعارف والعلوم بضغطة زر في عصر الإنترنت.
قبل ثلاثين عاما، إذا أراد أحدهم أن يستفتي المرجع الأكبر في النجف الأشرف، كان يرسل الأسئلة بالبريد عبر الوكيل، فربما يأتيه الرد بعد أسابيع، أما اليوم فيمكنه الحصول على الرد «الإلكتروني» في اليوم نفسه.
الزمن تطوّر، ودخلت «الفضائيات» على الخط، ولم أكن أتوقع أن أسمع نقدا لاذعا من بعض رجال الدين للتعامل الجاري مع هذه الوسيلة المتطورة بعقليةٍ تقليدية، حوّلت الفضائية إلى مأتمٍ مفتوح يبث 24 ساعة، ولمدة 365 يوما في العام. ومن يعرف ظروف انطلاق هذه الفضائيات، وصعوبة إنتاج البرامج المتنوعة، وتوظيف الأموال الشرعية لتسييرها... قد يجد بعض العذر للقائمين عليها، ومع ذلك كان بعض الحضور يطالبون بفضائيات جديدة، لن تكون إلاّ نسخا مكرّرة من الموجود.
ظهور الفضائيات الدينية، مهّد الطريق أيضا لازدهار صناعة أخرى، وهي الإنتاج الفني، وبرزت الكثير من الأسماء في عالم الرثاء والإنشاد الديني، وهو ما اصطلح على تسميته بـ «الرواديد». وفيما كانت السيطرة للكاسيت حتى قبل عشرة أعوام، دخلت اليوم التقنية الحديثة (أقراص مدمجة، نغمات ومقاطع بلوتوث...)، وانتهت بالفيديو كليب. النوع الأخير الذي يلقى انتشارا كبيرا بين جيل الشباب من الجنسين، يلقى الكثير من التحفظ أيضا، فسمعنا نقدا لاذعا لطريقة الأداء والتمثيل المصاحب وضعف الأداء الفني، فضلا عن بعض الألحان «المائعة» التي يستمدها البعض من «أهل الباطل» كما قال أحد المحاضرين، أي أغاني المطربين والمطربات. وهو إشكال مطروح بقوة بعد أن أصبحت التسجيلات سوقا رائجة.
حسنا فعل المجلس العلمائي حيث استبق الموسم بعقد المؤتمر مبكرا، ليتسنى التنبيه والتوجيه والتصحيح لما يخدم ثقافيا وفكريا وعقائديا وفنيا، قضية الإحياء. أطيافٌ عدّة حضرت لتناقش مثل هذا الهم المشترك، وكثيرٌ من الطروحات أصابت الهدف... وبقيت مسألة التطبيق.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1897 - الخميس 15 نوفمبر 2007م الموافق 05 ذي القعدة 1428هـ