العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ

كوما عرفات

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

الأكيد أنّ سَنَويّة عرفات الثالثة ستكون كثانيته وأولَتِه. فلا أحد يعرف كيف اعتلّت صحة أبي عمّار وكيف ساءت، وبأي داءٍ مات، ولكن الجميع يتّفق على أنه مقتول، وأنه دُفِنَ ومعه لغز وفاته، وربما يأتي اليوم الذي تكشف عنه استخبارات إحدى الدول الكبرى مما تملك السّر عن حيثيات تلك القضية، أو يفزع أحدٌ من ذنبه ويقول الصدق ولو على نفسه.

محمد ياسر عبدالرؤوف داوود عرفات القدوة الحسيني أو بحسب التسمية الحركية الفتحاوية «ياسر عرفات» قد تفنّن في أن يكون سياسيا مُرْبِكا منذ أن اسْتَمرَأ العمل الفدائي في ستينات القرن الماضي، فمن مؤتمر القمّة العربي الأول في القاهرة ومرورا بنكبة 1967 وإعلان قيام حركة «فتح» وحرب التوريط وأيلول الأسود، كان عرفات حاضرا أكثر من أي حاكم عربي آخر، وكان يُحرّك أحجار الشطرنج أفضل من غيره، على رغم أنه لايزال سياسيا غضّا ولم يمضِ على تركه مؤسسة المقاولات التي كان يعمل فيها مهندسا في الكويت سوى فترة قليلة.

حتى عندما خَسِرَ مصر بعد «كامب ديفيد» وتصيّر غيفاراويا في ضواحي بيروت أثبت للعالم أنه يستطيع أن يُمالئ حينا ويتنادد حينا آخرَ ليفرض معادلة جديدة يتداعى لها العالم نتيجة حرب الاستنزاف التي شنّها ضد الكيان الصهيوني عبر الجبهة اللبنانية. لم يكن عرفات راضيا أو قانعا بما حمله «أوسلو» من حقوق للفلسطينيين، ولكن الأوضاع الإقليمية والدولية تلاقت لتُقِيمَ ميزان قوى جديدا لم يكن الاتحاد السوفياتي أو العراق طرفا فيه، على حين تداعت دول عربية نحو التطبيع من دون مراعاة للمعنى السياسي المشترك الذي يبدو أنه تحنّط بفعل المصالح العربية المتخالفة والكيديات الشخصية بين الزعامات، فرأى الرجل كيف أن حُكّاما من العرب بدأوا يلفظونه ويتحاشونه، وتمنع دولٌ عربيةٌ طائرته من دخول مجالها الجوي، فكانت أحواله سيئة إلى الحد الذي وجد نفسه في الفيلا رقم 39 بتونس نهاية عقد الثمانينات وحيدا، ورقما زائدا في محيطه العربي، وقد تأكّد ذلك بعد الحصار الخانق الذي فرضه الاحتلال الصهيوني عليه قبل رحيله، فلم يتجشّم أحدٌ من الحُكّام العرب ليسأل عنه أو يواسيه في محنته، ومن تجاوب معه منهم فعل ذلك من باب رفع العتب بحسب قول الوزير الصهيوني بنيامين بن أليعزر.

ربما لامَ أحدهم أبا عمّار لتحدّره بالسلطة إلى ركنٍ اللامؤسسات والارتجال والتفرّد، ولكن الجميع يعلم أن عرفات لم يمنعه ذلك من إبقاء السلاح مُعمّرا، وغضّ الطرف عن عمليات «حماس»، وجعل سجونه مَخَارِقَ للمجاهدين، وكانت تلك المنزلة التي ارتضاها لنفسه معولا ضد الصَيْعَنة السياسية المشبوه فيها في محيطه الفتحاوي.

في سنوية عرفات الثالثة، ذكرت زوجته سهى الطويل أن الأطباء الفرنسيين قالوا لها أثناء غيبوبة زوجها إن بعض المرضى يستفيق لدى سماعه موسيقى أو قصصا محببة إلى قلبه، وقامت فعلا بوضع تسجيلات قرآنية في غرفة العناية الفائقة، وكانت تُحدثه عن طفولته ووالدته وعودته إلى القدس، فهذه كانت آخر أحاديث أبي عمار لها قبل مماته ودخوله في الكوما (الغيبوبة) التي هي الآن من نصيب الأحياء في السلطة الفلسطينية الذين لم يتكلّفوا وضع بند يتعلّق بزعيمهم في أي محادثات يُجرونها مع الاحتلال الذي يرونه يُساوم على قرطاس مُمزّق لطيار فقدوه في سماء بيروت قبل عشرين عاما.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً