مسوّدة القانون الجديد المعروضة حاليا على الجمعيات الأهلية، تحتاج بعض موادها إلى تغيير، وبعضها إلى إلغاء، باعتراف ممثلي «المركز الدولي لقانون الجمعيات غير الربحية» الذي استضافته وزارة التنمية الاجتماعية لتسهيل ولادة القانون المتعسّرة.
بعض ممثلي الجمعيات الأهلية، الذين التقيتهم الأحد الماضي أثناء اجتماعهم بممثل المركز كريم بيار، أعربوا عن تخوّفهم من تَكرار مشكلة «التنمية» مع الصناديق الخيرية، فقد بدا الأمر كأنه تَكرارٌ للسيناريو نفسه: الوزارة تدعو الجمعيات إلى اجتماع «لتأخذ علما»، وما عليكم إلاّ التصديق على القانون حتى من دون الاطلاع عليه؛ ما اضطر الوفود إلى مقاطعة الاجتماع.
ومع تأكيد المطالبة بإصدار قانون خاص بالصناديق الخيرية؛ حرصا على نجاحها وإبعادها عن التجاذبات السياسية، فإن ما جرى مع الجمعيات يعزّز هذا الرأي. فقد أضاعت الوزارة عامين من دون أن تتمكّن من تحويل صندوق خيري واحد إلى جمعية وفق آلية سلسة ، رغم كثرة الوعود، وذلك بعد اصطدامها مع الشئون القانونية، ولم تفلح كثرة التصريحات في إزالة شكوك الصناديق، أو طمأنتها بسلامة التحوّل إلى جمعيات من دون منغصات.
هذه التجربة تلقي بظلالها على مسوّدة القانون الجديد للجمعيات، وخصوصا لوجود عدد من الثغرات والألغام، وفي مقدمتها زيارات التفتيش العشوائية. فهذه الصيغة توحي بمعاملة الجمعيات الأهلية بالظنّة وتقديم التهمة، مع أنها مؤسسات ذات نفع عام، غالبا ما يقوم على شأنها متطوّعون خصصوا جزءا من وقتهم وتنازلوا عن جزء من راحتهم لصالح العمل العام. فإذا افترضت الوزارة فيهم سوء النية والقصد، فماذا أبقت لهم من حافز للعطاء؟
لن يعترض أحدٌ على الإشراف على العمل وفق القانون أو التدقيق على الحسابات، ولكن ما أبعد ذلك عن عمليات التفتيش الفجائية! كأننا أمام عصابات مافيا وليس جمعيات أهلية.
الوزارة اعتادت سنويا إرسال رسالة إلى الصناديق تطالبها فيها بتقاريرَ مفصلةٍ عن أنشطتها الحالية والمستقبلية، مع تقرير مالي شامل عن المصروفات والإيرادات. ويُفترض أن ترسل الوزارة محاسبا قانونيا للتدقيق على الحسابات السنوية، ولكنها لم تلتزم بهذه المسئولية منذ سنوات. المفارقة هنا، أن الصناديق نفسها أخذت تطالب في السنوات الأخيرة بالتدقيق على حساباتها؛ لضمان براءة الذمة أقلا، ولكن لم تهتم الوزارة بنشر رد أو تبيان موقفها من هذا الموضوع.
الجمعيات اليوم تتهم الوزارة بأنها تحاول أن تمنح نفسها صلاحياتٍ أكبرَ من زمن «أمن الدولة»، وحسنا فعلت الوزارة حين وزّعت مسوّدة القانون على الجمعيات؛ لتتيح لها الفرصة لمناقشها وتسجيل ملاحظاتها واعتراضاتها، حتى إن كانت لا تتوقع الأخذ بها جميعا، إلا أن قضايا مثل التفتيش الفجائي، أو دعوة الوزارة مجلسَ الإدارة إلى الانعقاد، أو إيقاف رؤساء مجالس الأمناء أو أعضائها عن العمل... كلها تحتاج إلى تصحيحٍ؛ فضلا عن الاحتكام للقضاء، من أجل مستقبل العمل الخيري والتطوعي في البحرين.
أخيرا... من لم يقم بواجبه في التدقيق على حسابات 84 صندوقا خيريا منذ سنوات، فكيف له أن يوفّر كوادرَ خاصة لتنفيذ زيارات التفتيش الفجائية لأكثر من 400 جمعية؛ ما يعكس وجود فلسفةٍ تعتمد على الظنون والهواجس الأمنية والتشكيك في نوايا الناشطين في مؤسسات المجتمع المدني.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ