العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ

«اركد» أنت أيضا يا شيخ... حتى لا تكون «سعيدية» أخرى!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من أراد من القراء الأعزاء أن يتعرف إلى نماذجَ بينةٍ للمآزق الجوهرية والطامات المدفونة بين الثنايا الخطابية لجزء كبير من أفراد المعارضة تجاه الكثير من المسائل السياسية والاستراتيجية الحساسة، من بينها مسألة «لوثة التجنيس»، وما تتسم به هذه الإنشاءات السياسية المصدرة لاستهلاك الاحتقان والإحباط الشعبي بأسرع مفعول ممكن، وبمفرداتها غير الموزونة، وذلك مما تفضحه من ضعف لافت في الثقافة الدستورية والقانونية التي قبلت العمل تحت إطارها وسلطتها؛ ما يؤهلها لوقوع وبيل في فخاخ الشعبوية والغوغائية حتى الفاشية المدمرة، فليراجع إذا من دون تردد ما نشرته الزميلة «الوقت» من تصريح لعضو كتلة الوفاق النيابية الشيخ حسن سلطان قال فيه: «إذا كانت هناك جدية للحفاظ على الهوية الوطنية البحرينية الأصيلة والحفاظ على الاستقرار والسلم الأهلي فعلى الجهات المعنية أن تكون جادة في مراجعة هذه السياسة والإقدام على سحب الجنسيات من هذه المجاميع»، وناشد من خلاله جلالة الملك اقتلاع «النبتة الشاذة» التي يمثلها المجنسون من أرض البلاد الطيبة!

من يدري فربما لو استبدل الشيخ سلطان مسمى «النبتة الشاذة» واستعاض عنه بـ «الشجرة الملعونة في السماء» لربما أجاد إنشائيا وسياسيا وحقق استقطابا لمفاعيلَ جماهيرية مستهدفة أضخم مما يحلم ويتمنى، وبقداسة جليلة تطغى على الإنسانية والإنصاف والمنطق والمعقول، وربما تجعل منه فدائيا وأيقونة مبتلاة في معارك الشحن والمغرض والمتبادل بين الطائفتين على حساب المصلحة الوطنية العامة بغض النظر عن سلامة النوايا وصدقية الدوافع، وما قد يخلط لدى الطرف الآخر المختلف وضعا بين صورتي الشيخ حسن سلطان وصورة الحاخام الإسرائيلي عوفاديا يوسف!

نحن نقر بأنه لا يختلف أي فرد عاقل وواعٍ ذي نفس وانتماء وطنيين في خطورة واستنزافية «لوثة التجنيس» مقدرات البلد وإمكاناته وتزوير الإرادة السياسية، وما تعانيه الطائفة السنية التي ذاقت الأمرين من مزاحمة مفرزات «لوثة التجنيس» لها في مصادر رزقهت وأدخلوا إليها ثقافات غريبة وعادات دخيلة على المجتمع البحريني المتسامح، وتسببها وتورطها في الكثير من المشكلات والاعتداءات الخطيرة، إلى حد دفع أحد الإخوة الأعزاء من الرفاع إلى أن يرسل إلي رسالة «SMS» يشبِّه فيها «لوثة التجنيس» الحاصلة بما نشرته الناشطة البيئية خولة المهندي في إحدى الصحف المحلية عن مشاهدة تماسيحَ وكائنات غير دارجة محليا في «خليج توبلي»!

ولكن يا «أولي الألباب» هل سيكون الحل الواقعي والمنطقي السليم وذو الآثار العلاجية بعيدة المدى عبر الأخذ والاعتماد على ما يروّج له الشيخ سلطان وأمثاله؟

لعل أول ما وقع فيه الشيخ من خطأ سياسي ناسف، ما كان لنائب برلماني يمثل جميع الشعب دستوريا أن يقع فيه، هو لجوؤه لاستخدام خير شاحن دعائي سياسي/ طائفي مدمر، ألا وهو أسلوب التعميم المخل بالتعامل مع القضية بقوله: «المجنسين» و «التجنيس» وهو ما قد يوقعه في أكثر من ورطة ربما لم يكن منتبها لها بدلا من أن يميز بين «عملية التجنيس القانونية» وما أحبذ أن أطلق عليه مسمى «لوثة التجنيس» ذات الغايات والمرامي السياسية الفاضحة تعمل على خلق طائفة ثالثة وشعب ثالث باستغلال بعض النقاط والصلاحيات الدستورية كما اصطلح عليه الباحث عبدالله جناحي في إحدى دراساته القيمة!

لذلك، إنه ووفقا لأحكام سلطان التعميمية تلك فإن أي مجنس سواء أكان مشتركا في تلك الاعتداءات والجرائم المكشوفة والمستترة أم لم تكن له أية علاقة بها، أو كان قد تم تجنيسه بشكل قانوني سليم أو لدوافعَ سياسية مبيتة سيكون مستهدفا ومذنبا وقابلا للطرد والحذف والإزالة، وربما يتشابه جراء ذلك «التجنيس» بـ «التنجيس»!

لعل الدعوة التحريضية الأدهى والأمر ذات الآثار غير المحسوبة من قِبل الشيخ سلطان فيما لو تم اعتمادها للتعامل مع واقع «المجنسين» في البحرين تلك التي ترتبط بدعوته إلى «الإقدام على سحب الجنسيات من هذه المجاميع» وهو ما يعني ترحيلا أو «ترانزفير»، وهو ما قد يتسبب بمأزق دستوري صارم يؤسس لأعراف اقتلاعية مستجدة لسحب الجنسية ممن حصل عليها وقد يتضرر من شررها الجميع إذا ما أصبحت هنالك مواطنة من ورق قابلة للتكيف والتهيؤ، وأشبه ما تكون بالاسترقاق!

من المتعارف عليه أن القيام بسحب الجنسية البحرينية ممن حصل عليها لا يجوز إلا في حال تورط حاملها في جريمة الخيانة العظمى للوطن، فهل من الممكن قانونا وشرعا وعقلا ومنطقا أن تتساوى الجرائم الجنائية التي تورط فيها «مجنسون» في الكثير من مناطق البحرين بما فيها الاعتداء على أحد أقارب المتنفذين في «عسكر» مع جريمة الخيانة العظمى حتى يتم اعتماد حلول «الترانزفير» في ذلك؟

ربما لو كان السفاح شارون عاقلا يزن أفعاله وخطواته لما كان حتى ليتجرأ علانية على فعلها مع عرب 48!

إن مجرد منح شرف الجنسية البحرينية لمجاميعَ بشرية هائلة من إحدى المناطق ومن ثم سحبها منهم لأسباب جنائية ارتكبها أفراد وفئات منهم، وربما يتم توطينهم أو استيرادهم مجددا مع أية فعالية انتخابية واستفتائية سياسية لن يكون إلا اتجارا بالبشر وانتهاكا للآدمية ومصادرة حقوقية خطيرة ستكلف الكثير والكثير دوليا!

ربما لو اقترح الشيخ سلطان أن تتملك الدولة عقارا في أقصى أطراف الأرض وترسل إليه جموع «المجنسين» ممن ثبت تورطهم جنائيا ليكوّنوا كيانا تابعا للوطن الأم، كما حصل مع التهجير الذي قامت به السلطات البريطانية لبعض رعاياها المتورطين جنائيا إلى أستراليا، فلربما سيكون خيارا خياليا بديلا أكثر واقعية ومقبولية ومنطقية!

أما من ناحية الابتداع الخطير بتأسيس أعراف قانونية غير مسبوقة بنزع الجنسية البحرينية بشكل عام من حامليها لمجرد شبهات أو تورطات جنائية قام بها أفراد، فإن ذلك من الممكن أن يجعله أمرا قانونيا وصائبا فيما لو قامت الدولة بالتذرع بنزع الجنسية البحرينية عن مواطنين وأهاليهم وأقوامهم ربما لكونهم تورطوا في أعمال شغب وحرق وتفجير «سلندرات» وكتابة على الجدران، وربما ترحيلهم إلى جهة غير معلومة! بل من الوارد فيما لو تم اعتماد مثل هذه الأعراف الدخيلة أن يكون الشيخ حسن سلطان - هداه الله - أحد ضحايا هذا العرف المصطنع في نزع الجنسية، والذي قد يتم استغلاله سياسيا على أحسن وجه فيما لو يئس مثلا الشيخ من مناوشات البرلمان مستقبلا واتجه حينها لتحريك الشارع وحصل ما حصل من اشتباك وتصادم وتخريب طبيعي ليتهم بعدها بالمسئولية عن تلك الأعمال التخريبية فتنزع عنه الجنسية - لا قدر الله - بحكم «صائب قانونيا»!

ألا تكمن هنالك خطورة بالغة وشديدة في مثل تلك العجالة الإنشائية السياسية من قبل الشيخ وأمثاله بدلا من التروي وحسن انتقاء المفردات والحذر في التعامل مع شأن حساس ومصيري كهذا؟ أين هي مسئولية «الكتلة الأكبر» عن الرقابة والإشراف على هذا البيان والتصريح؟ هل هو يمثلها بصفتها كتلة وتيارا كبيرا بارزا لا غنى عنه؟

مثل تلك الملاحظات المتأملة لخطورة القيام بنزع الجنسية البحرينية لأسباب جنائية عمّن تم تجنيسهم في البحرين سواء أكان ذلك بصفة خاصة أم عامة تشمل جميع «المجنسين» من المتورطين أو غير المتورطين لم تكن نتاجا لعبث وتفذلك وتلوٍ قانوني من كاتب المقال، بل هي علاوة على ذلك تأملات شاركني ويشاركني بها عدد من المراقبين من أبرز قيادات المعارضة البحرينية كالأمين العام لجمعية «وعد» إبراهيم شريف، وذلك أثناء حوار مطول معه عن هذا الشأن في إحدى المناسبات، إذ اعتبر من منظوره الخاص أنه لو صحت تلك الأنباء عن قيام الدولة بنزع الجنسية البحرينية بصفة عامة لأسباب جنائية وأعمال عنف وجرائم تورط فيها بعض الأفراد المجنسين من أصول عربية فإن ذلك لابد أن يدفع إلى التضامن مع هذه الأسر بوازع إنساني وحقوقي مبدئي لابد منه مهما اختلفت حينها الغايات والمصالح السياسية، ومهما كانت شكل سخرية القدر حينها!

على رغم كل ذلك التأمل النقدي والنقضي للخطاب التحريضي الذي يتبناه بعض شخوص المعارضة، فإنني أتفق مع الشيخ حسن سلطان وغيره في دعوة الدولة إلى مراجعة سياسة «لوثة التجنيس» العشوائية تلك، والسعي بشتى السبل السليمة إلى احتواء آثارها السلبية الوخيمة على المجتمع وهي التي لم تكن مدروسة أبدا، فنحن ندعو إلى تطبيق القانون والعدالة على الجميع بتساوٍ وأن تمارس الدولة دورها الضابط والرادع في ذلك من دون أن يتم التحفظ عن بعض الجوانب والحوادث الفردية والفئوية، فتجري في إطار ذلك الكثير من الاستثناءات كأننا أمام إعادة تكوين «طبقة انكشارية» في المجتمع، وذلك عسى ألا تكون «سعيدية» أخرى في إثارتها وإشعالها، وإن كان قول جاسم السعيدي المعروف سلفا عن «لوثة التجنيس» أقل جدوى وأهمية وتأثيرا سلبيا بأشواط كثيرة من كلام غير موزون وتصريح مندفع بطيش يصدر عن الشيخ حسن سلطان، فالأول يقر بـ «سعيديته» المثيرة، على حين الشيخ سلطان قد لا يدرك أي شيء عن احتمالات هيمنتها بشكل اندفاعي مضاد على مفاصل خطابه وفكره وحراكه البرلماني والسياسي!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1896 - الأربعاء 14 نوفمبر 2007م الموافق 04 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً