يسعى بعض رؤساء الدول والمنظمات الدولية إلى عقد مؤتمرات لتقريب وجهات النظر فيما يتعلق بالاختلافات بين الأديان للتخلص من عقدة المعاداة للآخر، وللوقوف عند جوهر الخلاف الحقيقي لتلك المعاداة التي ظلت تأرق الشعوب بأسرها جراء الكراهية التي يحملها البعض للطرف الآخر الذي يدين بمذهب أو عقيدة أو دين يختلف عما يعتنقه الآخر.
قبل فترة وجيزة من الزمن كانت هناك مبادرة للعاهل السعودي الملك عبدالله لطرح حوار الأديان، وكانت مبادرة هي أكثر ما تحتاج إليه الدول فيما بينها لدرء الصدع ولاحترام أديان الشعوب فيما بينهم بعيدا عن مهاترات السياسة والخلافات السياسية.
من وجهة النظر الشخصية أرى أن العاهل السعودي وفق لتلك المبادرة، إذ كثر في الآونة الأخيرة الاتهامات فيما بين الدول بسبب ما يحصل في الدول الغربية من أعمال عنف، وإلصاقها بالدول الإسلامية بزعمهم أن الدول الإسلامية تصدر الإرهاب وأن الإسلام هو أساس المشكلة، هذا الفهم الضيق دعا العقلاء من المفكرين وبعض الرؤساء لخلق حوار يوضح حقيقة ما يحدث ويبين حقيقة الأديان بأنها بعيدة عن كل الأفعال اللاعقلانية.
وقبل سنوات أيضا كانت هناك مبادرات للتقريب، كانت على شكل حوارات تدار من مختلف الأطراف والتوجهات، من هذه المبادرات حوار الحضارات، والتقريب بين المذاهب، وغيرها من العناوين والمسميات، وظهرت كتب عدة عن تلك المجالات تبحث في عمق عن نقاط الخلاف وكيفية تقريبها ووضعت استراتيجيات لتفعيل الحوار وما يتمخض عنه.
والعقلاء يعرفون أن الحوادث التي حصلت في الآونة الأخيرة في لبنان الشقيق لم تكن لأسباب مذهبية أو طائفية، فقد كانت لأسباب سياسية، وكانت لمبادرة دولة قطر الشقيقة دورها الفاعل في تقريب وجهات النظر بين الأفرقاء السياسيين اللبنانيين.
وتوجد الكثير من النماذج الحية في هذا العالم على ذلك، خذ مثالا كالسودان، فقد كان هناك خلاف بين فريقين إن شئنا تسميتهما، فريق مسيطر على السلطة وهو (مسلم)، ويتمركز في العاصمة الخرطوم وضواحيها، وفريق معارض وهو (مسيحي)، ويتمركز في الجنوب، وهناك أحزاب أخرى معارضة أيضا وفي كل بلد توجد معارضة، ما أود أن أشير إليه هو أن الفريقين لهما خلافات سياسية ولم تكن خلافاتهما مذهبية أو عرقية، الأمر الذي أدى لعقد حوار بين الطرفين وتوصلا لتقاسم السلطة في ذلك البلد.
شواهد كثيرة في هذا العالم لا مجال للانتقال من بلد إلى بلد لأدلل على ما أود الوصول إليه، فما بين حوار الأديان وحوار الحضارات وحوار المذاهب والحوار الوطني نقطة التقاء وهي أن كل هذه الفعاليات والمبادرات تلتقي عند الهدف الأساسي وهو الوقوف على نقاط الخلاف والتقريب بين وجهات النظر وتوضيح الالتباس الذي قد يحصل لدى البعض، من أجل الوصول إلى عالم حر يعيش شعوبه متحابين مع بعضهم بعضا يكنون الاحترام للأديان السماوية بعيدا عن التعصب.
في الضفة الأخرى هناك من يطالب بالحوار الوطني (الداخلي) الذي طالما دعا إليه رؤساء الجمعيات السياسية والمفكرين وحتى الكتاب وشريحة كبيرة من أبناء الوطن نفسه، حوار خالٍ من التشنج والعصبية والتصلب في الرأي، وعدم قبول الرأي الآخر.
الدعوة إلى حوار وطني هي بمثابة حلقة الوصل التي قد تفكك كل العقد (النقاط الخلافية) لدى جميع الأطراف، وتقريب وجهات النظر ليس لمجرد التقريب، بل لتفعيل ما يتمخض عنه الحوار وترجمته على أرض الواقع.
البعض يصرح بأن الخلاف الدائر في هذا الوطن ليس مذهبيا، والبعض الآخر منهم يعلن أن أصل الخلاف مذهبي، وكثير من العقلاء يرون أن الخلاف هو سياسي بامتياز.
بعض القوى السياسية تصرح بأن هناك تمييز واضح في التوظيف والترقيات والإسكان وحتى إعطاء الجنسية، توضع عليه علامة تعجب واستفهام لما يجري على الساحة.
وفي الجانب الآخر نجد المسئولين في الأجهزة الحكومية المختلفة يصرحون عبر القنوات الرسمية والوسائل الإعلامية (بأنه لا يوجد تمييز) و(نحن نتعامل بالشفافية في التوظيف والإسكان والتجنيس).
رؤساء الجمعيات السياسية والحقوقية تطالب بالشفافية وتدعو للحوار الجاد ليس بين الجمعيات فيما بينها بل تكون الحكومة طرفا فاعلا فيه. إذا كانت لدى الجمعيات السياسية والأطراف المعارضة وجهات نظر ونقاط استفهام في كثير من القضايا، وإذا كانت الحكومة الموقرة تبادر بالنفي، فلماذا لا يتم عقد حوار وطني جامع لأطياف هذا البلد مع أصحاب القرار في أجهزة الدولة لتقريب وجهات النظر الخلافية لتتضح الرؤية لدى أبناء هذا الوطن؟
لا نريد شعارات رنانة عن الوطنية وعن الولاء وعن محاربة الطائفية وعن المساواة وعن كل عبارات وعناوين تخرج من أفواه البعض، اليوم نحن بحاجة للمصارحة والمكاشفة والشفافية في جو يسوده تقبل الرأي والرأي الآخر، أن يكون مصلحة الوطن والشعب في الاعتبار، فأبناء هذا الوطن يريدون أن يعيشوا بسلام.
حسن مقداد
العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ