في ثمانينيات القرن الماضي كنت في بداية حياتي، وكنت للتو أفتح عيني على الدنيا، ولكني كما جميع أطفال البحرين شعرت بأمور عدة أولها القبضة الأمنية التي أيقظتني في صباح يوم من الأيام وأنا مذعور من صراخ وعويل النساء بعد أن قام جهاز أمن الدولة بالهجوم على منزلنا دون مراعاة لأية حرمة، كما إنني شعرت بتمييز وتفرقة واضحة بين فئات وأخرى، فانتماؤك لهذه العائلة أو تلك يخولك أن تأخذ ما تشاء حتى أراضي الناس، وكانت لي تجربة كما المئات، إذ فوجئت عائلتي بمتنفذ يقوم بتسوير المزرعة معلنا استملاكه لها، على الرغم من أنهم استصلحوها لمدة تقارب الـ40 عاما وكان الجميع يعلم أن ملكيتها تعود لهم، ولو قرأ تلك الأسطر أي شخص في العالم فإنه سيقول إن هذه الأمور موجودة لدينا.

ولكن الغريب في وطني الحبيب أنني ومنذ صغري أرى أن الأجنبي يتنعم بخيرات البحرين بينما يُحرم المواطن منها، وأنا صغير كنت أرى الأجانب الغربيين وهم يسكنون في فلل فاخرة ويركبون سيارات فارهة وجديدة، بينما يقطن المواطن في منازل أفضل ما يقال عنها إنها لا تصلح للسكن، كما أن الميسور منهم لا يمكنه أن يسكن في تلك الفلل التي يعيش فيها ذلك الأجنبي، وحتى زيارتنا النادرة جدا في تلك السنين إلى البرادات الكبرى كانت تتولد لدينا ملاحظة مهمة وهي أن الأجانب يمكنهم شراء كل شيء، وعلى المواطن البحريني أن ينظر إليهم فقط.

ما جعلني أستذكر كل هذا طبعا، لم يكن سكن المواطن البحريني في فلل فاخرة أو ركوبه سيارات فارهة، لأن الجميع يعلم أن الحالة «دمار، بل أدمر من قبل»، ولكني كنت مع عائلتي في زيارة لأحد المجمعات الكبرى، لاحظت أن معظم السيارات الموجودة هي من السيارات مرتفعة الثمن ولكن لم تكن هذه الملاحظة هي الأساسية، بل إن معظم تلك السيارات تعود لأجانب ولكنهم آسيويون هذه المرة، وعند دخولي إلى المجمع تولّدت لدي الملاحظة نفسها.

وهذا ما جعلني أقارن بين صغري وبين شبابي، لأن الحال واحدة: الأجنبي يرتفع حاله ويبقى المواطن «حالته حاله»، ولسان حالي «غريبة يا بلادي والله غريبة»