كنت وما زلت سيئ الطالع في متابعة المسلسلات التلفزيونية، إذ دائما ما أخفق في مشاهدة الحلقات الأخيرة. وهو ما شكل لدي عادة خلال السنوات الماضية، وهي أن لا أسمح لنفسي بالتأثر بأي مسلسل ما كما يحدث حاليا لدى البعض، فسواء سنحت الفرصة لي مشاهدة المسلسل، أو لا، فالأمر سيان.
المسلسل الكويتي ديوان السبيل للنجم عبدالحسين عبدالرضا، هو أحد المسلسلات التي لم أوفق في مشاهدة آخر حلقاته. بالأمس فقط، ظفرت بالحلقة الأخيرة صدفة من مصدر ما. فكان لي أن أحصل على خلاصة استقرت لدي في تشكلها النهائي وكنت أسعى لمقاومتها مرة بعد أخرى.
ديوان السبيل الذي كان محور الحوادث في المسلسل الكويتي هو مشروع تنمية، كباقي المشروعات التنموية التي تتشدق بها أي دولة أو مؤسسة سياسية ما، كانت البدايات الأولى لديوان السبيل في المسلسل الدرامي الكويتي تتمثل في مشروع تنمية سياسية واقتصادية واجتماعية خدمة لمجتمع الصيادين الفقراء المعدمين لكنه سرعان ما تحول لنقمة عليهم ولمشروع استرزاق سياسي في أروقة الكبار والمتنفذين، هذا المشهد هو صورة مصغرة لمشهد أكبر هنا، في البحرين وفي دول الخليج كافة. كثيرة هي الاطروحات التنموية وأكثر هي المشروعات والأبراج وناطحات السحاب كثيرة هي التنمية وأقاويلها، وكثيرة هي الإنجازات. لكن شيئا في حياة الناس لا يتغير. فالغد دائما وأبدا هو أسوأ من اليوم وأمس.
خطابات التنمية هنا ونتائجها، لا تزيد في عن مخادعات سياسية ينتفع منها من كان ينتفع ويتضخم إبان عهد الواحدية المطلقة، ولا تهدأ مكنة الإعلام عن الترويج للخديعة يوما بعد اليوم، مسلسل مستمر من العبث والتحايل والكذب على الناس، صحيح أن الناس تدرك الحقيقة ولا تخدعها الشعارات والمقالات المدفوعة الأجر، لكن أحدا لا يعبر عما يحملونه من وجع وحزن وهو ما يجعل التنمية المسكوت عن كذبها آلة تقتل الناس بلا هوادة أو رحمة.
خلاصة القول هو أن علينا جميعا أن نكف عن طواعية واقتناع، عن استخدام هذ المفردة المضللة “التنمية” في سياقاتها وتموضعاتها الحالية، فهي اليوم لا تزيد عن سلسلة ما تم تحريفه عربيا. حقوق الإنسان/ الشفافية/ الديمقراطية/ المشاركة الاجتماعية/ الحرية، كلها مفردات لم تعد دعاوى التبشير بها تعني للناس سوى المزيد من التمييز والسرقة والكبت في الحريات.
ديوان السبيل الذي انتهى بفضح تصارع القوى المتنافسة على سرقة أرزاق الناس، يعني أيضا، بأن ثمة يوم قادم تتضح فيه الرؤية عن صراعات في نماذج أخرى نحتاج أن نقرأ عن صراعاتها المسسترة اليوم
وأن نسمع عنها تضمحل تحت سلطة القانون الحقيقي، لا القانون الذي كان في ديوان السبيل مجرد أداة للتنمية المشبوهة.
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1895 - الثلثاء 13 نوفمبر 2007م الموافق 03 ذي القعدة 1428هـ