عطفا على موضوع الأسبوع الماضي، فقد قامت مؤسسة اليابان بتنظيم برنامج حافل من الزيارات لمجموعة شباب دول الشرق الأوسط إلى الأماكن الدينية والتكنولوجية والاجتماعية والأكاديمية لزيادة معرفتهم بطبيعة تفكير الإنسان الياباني وإدراك بعض جوانب القوة والضعف في مجتمع استطاع قهر الظواهر الطبيعية من زلازل وبراكين وفيضانات على مر العصور واستطاع الصعود من الهزيمة القاصمة في نهاية الحرب العالمية الثانية ليصبح ثاني أغنى اقتصاد في العالم.
إحدى الزيارات المهمة كانت الى مصنع اوباما (Oppama) التابع لشركة نيسان في مدينة يوكوسوكا الواقعة في مقاطعة كانجوا والتي تبعد نحو 1.5 ساعة من العاصمة طوكيو. شاهدنا في معرض السيارات التابع للمصنع نموذجا لسيارة (X-Trail FCV) وهي من أحدث المركبات ذات خلايا الوقود الهيدروجينية في العالم والتي صممها مهندسو الشركة للمنافسة على كعكة سوق السيارات في المستقبل (سيتم الإنتاج المتسلسل لهذا النموذج في العام 2015) والتي ستضم تكنولوجيا السيارات الهجينة والكهربية وغيرها. من نافلة القول إن المعوقات الرئيسية لانتشار السيارات المستخدمة لخلايا وقود الهيدروجين تشمل سعر السيارة وصعوبة نقل الهيدروجين وبالتالي لابد من بناء محطات جديدة.
المعلوم أن تحدي التغيير المناخي يشغل حيزا كبيرا من الفكر الحديث للحكومة والقطاع الخاص الياباني لأن الحكومة اليابانية تعتبر من الموقعين الأساسيين لمعاهدة كيوتو وبالتالي تحاول بكل جهدها خفض البصمة الكربونية للبلاد عن طريق العديد من الخطط الاستراتيجية القصيرة والبعيدة المدى وإلا أصبح لزاما عليها قانونيا شراء إئتمان الكربون من البورصات العالمية وبسبب تطبيق آلية التنمية النظيفة (CDM) حديثا. وبما أن قطاع صناعة السيارات يشغل حيزا كبيرا من المواصلات والذي يساهم في انبعاث نحو 25 -30 في المئة من الغازات الدفيئة بحسب قوائم الجرد العالمية فإن الاستثمار التكنولوجي لتغيير أنواع الوقود من البنزين إلى الطاقات النظيفة يعتبر حجر الزاوية في هذا الشأن.
مشاهدة خط التجميع كانت عبارة عن لحظات متعة وإثارة حيث شاهدنا الحركات الدقيقة للأذرع الصناعية في العملية الإنتاجية بعد برمجتها ورأينا كيف يتم استخدامها في مرحلة اللحام الأولية. وعلمنا أن المصنع لا يعتمد فقط على 800 روبوت بل يوظف نحو 4400 موظف يساهمون في إنتاج نحو 490,000 مركبة في السنة ومنها يتم تسويق وشحن 7 نماذج للمركبات المنتجة في الأسواق المحلية والأجنبية.
لكن يبدو انه مع ازدياد تبعات الأزمة المالية العالمية وخاصة على شركات السيارات الأميركية مثل شركة جنرال موتورز وفورد فإنه من المتوقع أن تتأثر شركات السيارات اليابانية ولكن بدرجة أقل من منافسيها العالميين. السبب في اعتقادي هو فلسفة إدارة هذه الشركات الإنتاجية فمثلا شركة تويوتا لها رؤية مشهورة عالميا يطلق عليها «The Toyota Way» وشركة نيسان لها رؤية أخرى تسمى «The Nissan Way of Doing Business» إلخ.
هذه الرؤى تعتمد على الثقافة اليابانية وخاصة طريقة الكايزن التي تعني التغير المستمر لكن بأسلوب علمي يؤدي إلى نتائج إيجابية في الحياة وفي الإنتاج
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ