لدى المشككين المتشائمين نقاشات لا يمكن دحضها: يقف التاريخ وسجّل ثابت من الفشل إلى جانبهم. كما أن توقعات النجاح لقمة الشرق الأوسط في أنابوليس يُخمدها ضعف الحكومتين الإسرائيلية والفلسطينية ورئيس أميركي في آخر مرحلة من إدارته ووضع سياسي إسرائيلي وفلسطيني غير فاعل وتغطية إعلامية مشككة متشائمة.
إلا أنه على رغم ذلك تشكل أنابوليس آخر أمل واقعي بحل الدولتين واحتمالات السلام التي يقدمها هذا الحل.
هذه فكرة مثيرة للخوف يجب أن تركز اهتمام القادة ذوي العلاقة وانتباههم وكذلك اهتمام القوى العالمية المهتمة بالسلام كافة. يقف أسوأ اللاعبين على جانبي الصراع في الشرق الأوسط منتظرين يفركون أيديهم بفرح يتوقعون الفشل.
يأخذ الخوف من الفشل مكانة أولى في عقلية الناس، فالخوف يغطي على احتمالات النجاح. لهذا السبب، يجب أن تكون أنابوليس عملية مستمرة وليس مجرد حدث.
يجب ألا يقاس النجاح باستخدام متغير واحد، كالوثيقة التي يجري التفاوض عليها الآن بين الفلسطينيين والإسرائيليين. يجب أن يسبق المؤتمر ويتبعه تغييرات ملموسة على الأرض، كما يجب أن تتوجه عملية متابعة نشطة تربط المشاركين في مفاوضات جادة ونقاط تحول محددة للتطبيق تؤدي إلى دولة فلسطينية قادرة على البقاء.
بهذا يمكن قياس النجاح من حيث التقدم على ثلاثة مسارات مترابطة: (1) الوثائق (2) أمور تنفّذ على الأرض (3) آليات للمتابعة. هذا التعريف للنجاح سيسلب أعداء حل الدولتين من النصر.
وحتى لا نستسلم لليأس بينما تفكر بالنقاشات الطاغية للتشاؤم، دعونا نبحث العناصر التي توفر لنا أسباب التفاؤل المشوب بالحذر. يقوم كل من البيت الأبيض ووزارة الخارجية بإيصال الرسالة نفسه من الجدّية في السياسة الأميركية.
نسمع خليطا منسقا من الأصوات التي تثير الشكوك بشأن نوايا الإدارة بعد سنوات من الصمت، وكمّا كافيا من المعارضات بأن السؤال يمكن طرحه شرعيا: هل المشككون مترابطون بشكل كافٍ لذم الإدارة والحط من قدرها بدلا من العمل لأجل فرصة السلام الوحيدة المتوافرة؟ هل النزاع المستمر مفضل أكثر من إعطاء الفضل لهذه الإدارة؟ بينما تتحدث وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وغيرها من المسئولين علنيا عن المصلحة الوطنية لبلدنا في إنشاء الدولة الفلسطينية إلى جانب دولة «إسرائيل»، يتحدث المشككون عن إنقاذ إرث ما. ماذا عن هذا الإرث؟ من المؤكد أنه سيكون إرثا عظيما وإذا تم تحقيقه سيستحق العمل لأجله.
سبب آخر للتفاؤل المتحفظ هو أنه لا يمكن تجاهل محمود عباس وسلام فياض. لا يمكن تصور فريق فلسطيني أفضل منهما. هل تم اختبارهما؟ هل جرى مد يد العون لهما؟ هل يمكن تمكينهما حتى يستطيعا تلبية المطلوب؟ سرعان ما نكتشف الإجابة على هذه الأسئلة.
يكمن السبب الثالث للأمل في وضع إسرائيلي سياسي جديد غيرته حرب العراق وحرب لبنان الصيف الماضي. لقد أجبرت اعتبارات استراتيجية جديدة كبار على الإعلان بأن الدولة الفلسطينية هي في صالح «إسرائيل» الوطني. وعلى رغم أن الوضع السياسي الإسرائيلي الحالي غير الفاعل قد يفشل التنازلات الاستراتيجية الفورية، يستطيع القادة الإسرائيليون العمل من أجل المصالح الوطنية. لا شيء يمكنه أن يحل محل الحاجة إلى شجاعة وحنكة سياسية، إلا أنه يتوجب على أصدقاء «إسرائيل» إبراز دعمهم. كما يمكن للقادة العرب الذين وقعوا على مبادرة جامعة الدول العربية أن يساعدوا من خلال إقناع الشعب الإسرائيلي بنواياهم الجادة وتكرار التزامهم بأمن «إسرائيل».
ولكن ماذا عن الصورة الأوسع؟ الحدود؟ القدس؟ اللاجئون؟ تكمن الإجابات في ما إذا كان القادة على استعداد لاستدامة شراكة تبقى بعد المفاوضات. يتوجب على الشركاء أن يقدموا ويطبقوا التنازلات المؤلمة التي ما فتئوا يتكلمون عنها. سيستخدم خصومهم الأقوياء المتجذرون في الوطن كل خطة وحيلة ممكنة، كما فعلوا من قبل، لإفشال التفاهم والتقدم. إذا كانت هناك مهمة واحدة تستطيع الولايات المتحدة تحقيقها فهي إبقاء الشراكة متماسكة ومساعدتها على النجاح. لا يمكن للخطوط النهائية العريضة للحل أن تكون بعيدة عن قرار الأمم المتحدة رقم 242 وأطر الرئيس كلينتون ومعاهدة جنيف ورؤية الرئيس بوش ومبادرة جامعة الدول العربية.
هؤلاء الذين يعارضون نتيجة كهذه في أي مكان هم على الجانب الآخر من السلام. يتوجب على هؤلاء الذين يفكرون بالتجمع ضد «إسرائيل» وإكراهها على الاستسلام أن يتخلوا عن مشورتهم غير البناءة. يتوجب على هؤلاء الذين يعتقدون أن إهانة الفلسطينيين وإذلالهم من أجل الإستسلام أن يفهموا بشكل حاسم كيف ثبت زيف إدعاءاتهم وبشكل ثابت مستمر.
يتوجب علينا أن نجد لغة واضحة بشكل كافٍ للإجابة على القضايا الكبرى، تكون مرحبة بشكل كافٍ للدعوة للاجتماع وعقده، ومبهمة بشكل كافٍ للحفاظ على القادة السياسيين في اللعبة. ولكن التحدي الحقيقي هو أن يعمل القادة معا على التغلب على مجموعة العوائق التي تعترض سبيلهم بعد اللقاء. يجب هيكلة عملية المتابعة لوصل التفاهمات والمصالح لكل الفرقاء وربطها معا، هؤلاء الفرقاء الملتزمون بالتوصل إلى نتيجة يستطيع الإسرائيليون والفلسطينيون العيش معها، فلسطين تعيش بسلام إلى جانب «إسرائيل» آمنة.
بالنسبة لبقيتنا فأول ما يتوجب علينا أن نفعله هو ألا نتسبب بالأذى. يستطيع المتهكمون والخبراء أن يقدموا لنا فضلا كبيرا من خلال لفت الأنظار إلى المشكلات والمطبات المحتملة، بينما يجنبونا التصريحات المنافقة بأن جميع جهودنا ذهبت هباء، وبأننا مررنا عبر هذا الطريق من قبل.
يجب عدم رفع مستوى توقعاتنا كثيرا، فالتوقعات المنخفضة أسهل تحقيقا بينما يصعب تحقيق العدمية والتهكمية.
في نهاية المطاف، سيكون الاتفاق المتفاوض عليه بين الفلسطينيين والإسرائيليين لبناء مستقبل مشترك وإنهاء النزاع ضربا من ضروب الحنكة السياسية. لقد قبلت إدارة الرئيس بوش التحدي ووقفت لمواجهته من خلال الدعوة إلى مؤتمر لإرساء قواعد اتفاق كهذا. يجب عدم ادخار أي جهد لمد يد العون. لم نكن بحاجة في يوم من الأيام للشراكة العامة - الخاصة العالمية كما نحن اليوم لتحقيق هدف أكثر منطقية.
*رئيس فريق العمل الأميركي من أجل فلسطين، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1895 - الثلثاء 13 نوفمبر 2007م الموافق 03 ذي القعدة 1428هـ