هكذا إذن نعود إلى سيناريو انخفاض سعر النفط بشكل مفاجئ... فمَن مِن المسئولين كان سيصدق لو قيل له إن سعر برميل النفط سينخفض إلى الثلث أو أقل من ذلك قبل نهاية 2008؟ فلقد كان النفط يقارب سعر 150 دولارا للبرميل في منتصف العام، وانخفض قبل ثلاثة أيام إلى 43 دولارا للبرميل (بالنسبة إلى النفط البحريني)، وهناك تبعات عدة بعد هذا الانخفاض الحاد الذي يُتوقع أن يستمر على المدى القريب.
موازنة الحكومة للعامين 2009 و2010 كانت قد اعتمدت 60 دولارا للبرميل، والانخفاض دون هذا المستوى يعني أن العجز قد يصل إلى أكثر من 450 مليون دولار ما سيؤثر بشكل مباشر على المواطنين.
كان المسئولون يتوقعون أن تزيد أسعار النفط على 150 دولارا للبرميل، ووجد البعض أن الوفرة المالية فرصة لإعادة ضخها في قطاعات غير منتجة، وتحديدا قطاع العقارات في الداخل وفي الخارج أيضا. فقد وردت الأنباء عن صفقات عقارية في أماكن عدة لشراء فنادق في بريطانيا وسويسرا وغيرهما تقدر بمئات الملايين من الدنانير... وعلى رغم أن هذه الأموال كانت استثمارات خاصة، إلا أنها تعطي مؤشرا عن حجم الملاءة المالية المتوافرة لدى بعض البحرينيين بحيث يتمكنون من ضخ هذا القدر الكبير من المال.
والوضع لا يختلف كثيرا في الداخل، فقد توجهت ثلاثة أرباع الاستثمارات الكبرى إلى إنشاء مدن ومجمعات مخصصة لذوي الدخل غير المحدود، بينما وجد ذوو الدخل المحدود (أكثرية الشعب) أن عليهم أن يدفعوا المزيد مما يتبقى لديهم من أموال شهرية على زيادة الأسعار الاستهلاكية، كما بدا واضحا أن البحريني العادي لا يستطيع أن يتملك عقارا أو أرضا لأن الأسعار أصبحت خيالية ولا يطالها إلا المستثمرون الكبار.
الغريب أنه عندما زاد سعر النفط زادت الأسعار على المواطنين، والآن بعد انخفاضه أعلنت الجهات الرسمية أن معدل الغلاء ازداد أيضا، وذلك خلافا لما كان يقال إن الأسعار ستنزل بسبب ضعف الطلب على المواد الأولية المستخدمة في الإنشاءات وغيرها. وهذا يذكرنا بما كان يقال قبل توقيع اتفاق التجارة الحرة مع أميركا، إذ كان الجميع يبشر بانخفاض الأسعار بعد ذلك، والذي حدث هو العكس، وذلك لأن عواملَ أخرى برزت على السطح ألغت تأثير تحرير التجارة على المستهلك العادي.
قبل أن ينخفض سعر النفط كان الإحباط يتسرب إلى قطاعات واسعة بسبب عدم اتساق الموازنة والخطط مع الطموح، ومثال ذلك «المدينة الشمالية» التي لم تخصص لها الموازنة مما تحتاجه لإنشاء وحدات سكنية كان الناس (ومازالوا) ينتظرونها على أحر من الجمر.
الآن وقد انخفض سعر النفط فإن الإحباط قد يزداد ما لم يعاد توجيه سياسة الصرف نحو مشروعات الإسكان، وترشيد الصرف بالنسبة للجوانب التي لا تأتي على المواطنين بأية فائدة ملموسة
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 2276 - الجمعة 28 نوفمبر 2008م الموافق 29 ذي القعدة 1429هـ