العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ

لكي يكون المسئول ناجحا (2-2)

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في جزئه الاول تحدث الكاتب من خلال خبرته الواسعة في أسلوب الادارة الحديث عن مواصفات القيادة الناجحة، كما تطرق إلى ضرورة اختيار المعاونين بصورة صحيحة وبمواصفات معينة تعين المسئول على الإدارة الناجحة، في الجزء الثاني والأخير يستشهد الكاتب (كما في الجزء الأول) بمقولات لقادة عالميين في الحديث عن دور السياسة في إدارة العمل وأهمية الثقافة القانونية في نجاح أي مسئول.

التوفيق بين السياسة والإدارة

يعرِّف البعض السياسة بأنها «فن الممكن»، على حين يعتبرها البعض الآخر «فن التضليل»؛ فالقدرة على التضليل وإعطاء الوعود الفارغة من المؤهلات التي لا يجيدها كل الناس.

في كتابه «الأمير» ينصح ميكافيلي بأن يتظاهر المسئول بالتقوى والتدين وحب الخير لكل الناس، ولكن عليه أن يفعل خلاف ما يتظاهر به. هنا تصبح الإدارة فن التضليل. حتى هذا النوع من القيادة يتطلب مهاراتٍ فائقة؛ لكون استخدام النموذج المكيافيلي بابتذال تكون له انعكاسات سلبية سريعة ويتم تفريغه من شحنة التهدئة المؤقتة(Charge of Tranquility) كما هي الحال بالنسبة إلى إعداد خطط إقصائية خفية مثيرة للجدل تشوّه صورة الإصلاح وتعرقل المسيرة، أو تعاطف وتخندق مسئول أول مع مواطن في محنته مع جهاز يقع تحت إدارة هذا المسئول؛ ما يعني أن يكون المسئول إما مغلوبا على أمره في جهازه وإما أن تعاطفه لا يتعدى كونه شخصيا، وإما أنه يقف على نقيض من سياسة مألوفة لجهازه. في كل الأحوال يعكس هذا التخندق ورطة المسئول أكثر مما يعكس شطارة أو تكتيكا أو تحولا في نهج سياسي لمعالجة قضايا جوهرية.

في خطبته الشهيرة «Come To Berlin» التي ألقاها الرئيس الأميركي السابق جون كندي في ألمانيا الغربية، أجاد كندي استخدام أسلوب ملامسة العواطف (Tap on Emotions) حين ألهب مشاعر الألمان لصالح المعسكر الغربي، إذ قارن بين ما تحقق من إنجازات في الشطر الغربي بالوضع في الشطر الشرقي. وحيث إن الهدف من ذلك طبعا هو تفكيك المعسكر الشرقي من داخله، أجاد كندي استخدام أدوات السياسة بإبراز حقائقَ يصعب نفيها؛ ما عزز الصدقية والإقناع. أما كفاءة الابتذال المكشوف والاستخفاف بعقول الناس فإنها مؤهلات ذات مردود عكسي.

صحيحٌ وجود خيط رفيع بين الإدارة والسياسة، إلا أن تسييس الإدارة العامة أمر في غاية الخطورة؛ فهناك دول شمولية كثيرة جربت هذا النهج فتاهت؛ لأن سلطة البوّاب طغت على سلطة المسئول في العرف الأمني. فالتوفيق بين مدنية الإدارة وعسكرتها أمر لا يستقيم؛ إذ الخدمة المدنية لم تكن يوما ما عسكرية، فالإدارة هي فن الأداء وحيث تتبدل السياسة فإن الإدارة باقية، فالشيوعية والبعثية وايديولوجيات دينية أخرى كلها أقحمت السياسة قسرا في الإدارة، إلا أنها جميعها انحسرت وبقيت الإدارة بمفهومها العلمي. وفي الدول الديمقراطية إن السياسة تتغير ولكن الإدارة باقية.

إن إقحام السياسة في الإدارة يهدف عادة إلى خلط الأوراق ولكن هذا الخلط يربك الإدارة وعندما ترتبك المؤسسات تهتز قواعد النظام ويكشف الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في كتابه «رؤيتي» أحد أسباب نجاح التنمية في بلاده فيقول: «إن الإدارة الجيدة تتطلب مديرا جيدا، فلدينا من السياسيين ما يسد الحاجة ويفيض ولكننا نفتقد الإداريين المبدعين. إنها أزمة إدارة، فلو كانت الإدارة جيدة لكان الاقتصاد جيدا، والتعليم والإعلام والخدمات الحكومية والثقافة والفنون وكل شيء آخر».

صحيح أن الخبرة الفنية يمكن شراؤها، إلا أن هذه الخبرة المستوردة تحتاج إلى قدرات محلية لإدارتها؛ لكيلا يطير الخبراء بأرزاقهم كما حدث في «طيران الخليج» وشركة أسري وغيرهما لا نعلمهم ولكن الله يعلمهم. إن انحدار التألق وسوء تقديم الخدمة كتراكم القمامة وأزمة الكهرباء والرعاية الصحية، مؤشرات لا تدل على عافية مؤسساتنا وتتطلب بحثا عن المسببات، وطريقة اختيار القادة أبرزها.

المرجعية القانونية

القوانين الصادرة هي الدليل الاسترشادي للمسئول، وهذه القوانين تستند إلى دستور البلاد. إلا أن معضلة المسئول تتفاقم إذا كان المكتوب ليس بالضرورة هو المطلوب. فكيف يتمكن المسئول من التوفيق بين الأضداد بإرضاء جهة التكليف من جانب وجهة المحاسبة من جانب آخر، وخصوصا إذا كانت جهة المحاسبة متمرسة وفعّالة أو تعمل وفق أجندات خاصة؟

إذا كانت الوزارة - بحسب تعريف ابن خلدون - تعني المؤازرة، فالمرجعية القانونية تصبح الملجأ الذي يحتمي خلفه الوزير. أما إذا كان القصد منها تحمّل الوزر فستتعارض هنا والمرجعية القانونية، حينها تهتز صورة المسئول. فعندما يفعّل قانون الخدمة المدنية - مثلا - مبدأ تكافؤ الفرص الذي نص عليه الدستور ثم يصر المسئولون في الديوان على تنفيذ نصوصه بصورة مغايرة، فهنا يصبح التكليف وزرا بدلا من المؤازرة. لربما أدرك المسئولون أن المكتوب ليس بالضرورة هو المرغوب فيه. ومثله يقال عن حرية الصحافه والتي نوه جلالة الملك بها في خطابه أخيرا إذ وجه جلالته إلى ضرورة احترام الكلمة الوطنية المسئولة، على حين نرى إدارة المطبوعات والنشر بوزارة الإعلام تمارس حجرا على الفكر الوطني المتزن في كثير من إجراءات عمله.

هناك أمثلة اخرى يمكن الاستشهاد بها كمكافحة الفساد والحفاظ على المال العام، وتحقيق مجتمع الأسرة الواحدة المتآلفة. وهي المفاهيم التي نص عليها الدستور، والتي لا تستقيم وأسلوب العقاب الجماعي الذي يطبقه البعض.

في مثل هذه الأحوال تتبلور خصائصُ إدارية ومؤهلات من نوع آخر لا تنص عليها أدبيات الإدارة المتعارف عليها، وهي مؤهلات محلية فريدة تتعلق بالقدرة على الموازنة بين القانون المكتوب والسلوك الإداري النقيض المرغوب فيه أو القانون غير المكتوب. هذا النوع من المؤهلات يتوافر إما من خلال المكاشفة التي توفرها الثقة الممنوحة للمسئول وإما من خلال الحصافة التي يوفرها عامل الخبرة والتمرس. كما يقال: اللبيب بالإشارة يفهم. ولربما كان نقص هذه المهارات الخاصة هو السبب وراء اختفاء بعض المسئولين من مناصبهم قبل الأوان.

الخاتمة

تختلف المجتمعات في تعريف الإدارة الناجحة بحسب طبيعة تكوينها، فالناجحة هناك ليست بالضرورة كذلك هنا. البعض يراها في القدرة على التكيف مع كل العصور،(A Man For All Seasons) أو ما يطلق عليهم «المتعايشين» (Survivors)، إلا أن التعايش والتكيف ليسا من دون ثمن. الإدارة الناجحة لم نتفق على تعريفها في مجتمعاتنا على رغم ما كتب فيها من مراجعَ، ووضعت بشأنها من نظريات. حتى لا تبقى في مجتمعاتنا من دون لون، عدا لون السياسة الذي أقحمناه في كل العلوم، تكون الحاجة ماسة لإعادة صوغ فهمنا الإدارة الناجحة، لتشمل عمليا الأدوات التي تتبناها الاقتصادات الناجحة، ومنها التخطيط ووضوح الأهداف، الاحتكام لمرجعية القانون، التمكين والاحتراف، والتقليل من تسييس الإدارة العامة. حينها فقط يكون المسئول القدير ناجحا، فيستقر الوطن وينمو الاقتصاد على قواعدَ ثابتة. وتجارب الدول المستقرة خير شاهد ودليل.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً