مستشار قد الدنيا، عمل في السرّ على إنشاء صحف، ونظّم ورش عمل، وكان يحدّد بنفسه رواتب الصحافيين وكتّاب الأعمدة، من رتبة 20 دينارا إلى 3000 دينار. ويتفاخر بأنه أعلى شأنا وامتيازاتٍ من الوزراء، بتلقيه راتبا يفوق 6000 دينار، وأخيرا طُرد بعد اكتشاف الجهات المسئولة عمالته لمخابرات أجنبية!
مستشار أجنبي آخر مازالت إحدى الصحف تروّج لدوراته التدريبية، اكتشف الجمهور بالصدفة الخطة الشيطانية التي وضعها لشق صفوف المجتمع وضرب الوحدة الوطنية مقابل 3000 دينار فقط. في تلك الخطة، صوّر إحدى الطائفتين على أنها أساس البلاء والدمار والفساد في البلد، وصوّر الطائفة الأخرى على أنها عنوان التخلف والجهل والغباء، ولم يوفّر شبابا ولا شيوخا ولا نساء ولا مؤسساتٍ إلاّ ونزل فيها تحقيرا وإهانة، حتى المشايخ وعلماء الدين لم يسلموا من حقده وعنصريته. وأنت كبحريني تقرأ ذلك وتتألم لما ساقه من صفات واتهامات بحق أهلك ومواطنيك سنة وشيعة.
أما اليوم، فنحن أمام تجربةٍ عبثيةٍ أخرى، إذ يتصدّى مستشار «إعلامي» أجنبي لتوجيه سلسلةٍ من الدروس الاستراتيجية للحكومة في بلادنا، بلغةٍ متعاليةٍ تستفز الحليم، ويخاطب المسئولين كما لو كانوا طلابا في مدرسة إعدادية. ويتجرأ أكثر حين يضع نفسه موضع أهل الدار، فيقول: «ينبغي أن نستوعب دروس الزيارة الأخيرة للوفد الصحافي البريطاني، فهي مفيدة لزيارات قادمة».
المستشار حذّر مرتين ممّا أسماه «التجوال المرسل»، فلا ينبغي ترك الصحافيين الأجانب يصولون ويجولون في الشوارع بحرية، ومقابلة من يشاءون، إذ لابد من وجود بعض المرافقين الأمنيين والمرشدين الاجتماعيين؛ لضمان عدم ذهابهم إلى العنوان الخطأ، والشخص الخطأ، وبالتالي يتكلّمون عن الموضوع الخطأ!
بعد الانتهاء من تعليم حكومة بلدنا الدروس الثلاثة القيّمة لتصويب البوصلة في المستقبل، يتّجه بدرسه الرابع إلى مخاطبة وزارة الخارجية، ليكشف لها أن موظفي سفاراتنا في الخارج الذين ينظّمون زيارات الوفود الأجنبية، يحتاجون إلى خبرة ورفع مستوى تأهيلهم. فمثل هذه الزيارات تلقي أعباء إضافية على كاهل أطقم السفارات، وخصوصا إذا تم الالتزام بتعاليم الخبير وإرشاداته السامية، من تحديد مناسبةٍ للزيارة، والتخطيط لأهدافها ووضع رؤوس أولوياتها، لرسم مسارها وتفاعلاتها، وعدم تركها للمصادفات والمفاجآت!
ولايمانه بأن زيارة الوفود الصحافية الأجنبية وما تنشره من تحقيقات ستكون رافدا يغذّي التقارير التي تصدرها المنظّمات الدولية، فقد وضع قواعدَ إرشادية للقاء الصحافيين الذين سيزورون البحرين في المستقبل. وطالب بتتبع السيرة الذاتية للمدعوين لتقييم «موضوعيتهم السياسية» و«صدقيتهم المهنية»، وهو ما سيضيف أعباء أكبرَ على طواقمَ تنقصها أصلا الخبرات وتحتاج إلى التأهيل كما ادعى! هذه المهمة (البحث في السير الذاتية للصحافيين الضيوف) تحتاج إلى نوعين من الكوادر المؤهلة تأهيلا خاصا: صحافيون يقرأون كل ما يكتبه الصحافيون الأجانب قبل دعوتهم، ومخبرون من النوع الذي يستطيع التنبؤ بأفكار الكتّاب قبل كتابتها!
مستشار أمني وثقافي وإعلامي، كلٌّ منهم يقول «الزياده عندي»، في احتقار هذا البلد، بشعبه وطوائفه وحكومته ومسئوليه. أمَا كانت البحرين في غنى عن كل خدماتهم لو زاد انفتاحنا وتسامحنا مع بعضنا بعضا، وجعلنا المواطنة هي المعيار لتحديد الواجبات والحقوق؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ