لا شك أن تطبيق خطط وبرامج الدولة الاقتصادية والتكيف الهيكلي لسوق العمالة بالغالب تحوي الدول ذات الاقتصاد المشوه المعروفة إعلاميا بدول العالم الثالث.
من قبل صندوق النقد والبنك الدوليين، حيث هذه البرامج تسهم في عولمة عمليات إعادة هيكلة الإنتاج، وتسريع إدماج اقتصاداتها، في المنضومة الرأسمالية الجديدة، ولكن في المقابل لن يكون هناك أي دور اشتراكي تنموي. ولكن السؤال هل البرنامج الاقتصادي وخطط خلق فرص العمل الجديدة في الدولة حققت أهدافها وهل ساعدت على تضييق دائرة الفقر، وأرست العدالة الاجتماعية حتى ولو كانت بمعاييرها المختلفة، هل أتسع حجم السوق الداخلية، هل هناك تدهور في مستوى التنمية البشرية، هل هناك ارتفاع في نسبة التفاوت الاجتماعي، وهل معدلات البطالة أو أعدادهم تمثل أرقاما صحيحة.
من خلال هذه المقدمة أردنا القول للجهات المعنية لا نريد تهجير العمالة البحرينية بل من باب أولى يكون هناك نظام لإحلال العمالة البحرينية، وإلا ما فائدة كل هذه المشروعات.
إن مشكلة البطالة هي من المشكلات التي تعاني منها كثير من دول المنطقة وكذلك البحرين ولكن الأخوة القيمين على حل هذه المشكلة يتفنون في وضع الرؤى والأسباب التي تحول دون ذلك.
دعونا نقرأ هذه المشكلة بقراءة تساؤلات وتحليلات وأترككم لاستنتاج الأسباب والحلول.
لننطلق أولا من عدة أسئلة, هل نحمل الدولة المسئولية الأولى أم وضع القوانين والتجار؟ هل يمكن أن نقول إن دخول المرأة الحياة العملية قد زاد من ارتفاع نسبة البطالة؟، هل يمكن أن نقول للمرأة تعلمي وأحصلي على الشهادات وبالآخر نقول لها أجلسي في البيت؟
هل نقول إن الجهات المعنية عاجزة عن وضع يدها على الأسباب ومن ثم تعجز عن وضع الحلول؟ هل الجهات المعنية عاجزة عن وضع الاستراتيجيات طويلة المدى لاحتواء هذا النوع من المشكلات؟ هل القائمين على وضع الحلول غير مؤهلين ويفعلون ما يؤمرون؟
أود أن أشير إلى وزارة العمل وهيئة إصلاح سوق العمل ومجلس التنمية الاقتصادي وجميع الجهات المعنية الذين أخذوا على عاتقهم وضع تفاسير أسباب هذه المشكلة بقصد أو من دون قصد.
من باب أولى معرفة أسباب هذه المشكلة والتي نراها كالاتي:
- عجز صانع القرار عن تحديد الأسباب المباشرة لهذه المشكلة والعمل برؤى فردية من قبل الجهات المختصة على رغم من المسئولية المشتركة.
- استغلال أزمة الشباب وتشغيلهم عمالة مؤقتة ولمدد قصيرة ومتقطعة لا يستطيع من خلالها الشباب تحقيق أي تقدم في حياتهم المادية والعملية.
- عدم تحديث وتطوير أساليب وطرق العمل وعدم التوسع في أماكن الإنتاج ما يحد من احتياجات العمل لعمالة جديدة.
- إصرار بعض الخريجين على العمل في مجال تخصص دراسته وشهادته نفسها على رغم من عدم توافر أماكن أو فرص عمل لمجال تخصصه.
- توظيف وعمل بعض الشباب في أعمال وأشغال مؤقتة ولا تحتاج لخبرات وبأجور متدنية جدا لا تكفي لتحقيق أي هدف ولا تزيد من خبراته.
- ثقافة المجتمع بالنظر إلى بعض المهن بأنها دونية ولا تليق بالوضع الاجتماعي لبعض الأفراد.
- توجهه بعض الجهات إلى وضع الحلول المقنعة لهذه المشكلة بغية مكاسب سياسية أو حزبية أو تلميع صورة المشهد في الخارج.
ليكن معلوما أن هذه الأسباب ليست باجتهادت فهلوية ولكن آخر ما توصلت إليه الدراسات التي تعنى بحل مشكلات البطالة، حيث يقوم البنك الدولي بوضع الحلول للدول المتعثرة انطلاقا من هذه الأسباب، حتى أن صندوق النقد الدولي ينطلق من خلال هذه الأسباب ولكن بشروط مذلة عافانا وعافاكم الله من تدخل صندوق النقد الدولي.
في مقال سابق أشرت إلى أن جلب الاستثمار الذي يسهم في خلق فرص العمل لا يأتي بسن القوانين ولكن بالشفافية الاقتصادية المنشودة إذ يجب تحديد الجهة المسئولة عن وضع التقارير الاقتصادية للدولة من عجز وفائض وتضخم وهامش سوقي وغيرها من التقارير التي ممكن الانطلاق من خلالها لأي مشروع إصلاح اقتصادي. وكما أشرت «بأن المواطنة لا تكتمل إلا بتحسين دخل الفرد»، وخلق فرص العمل الجديدة يجب أن تكون بعيدة عن الرؤى الضيقة، وإذا أردنا مناقشة هذه القضية من المفترض أن تكون بعيدة عن تحقيق مكاسب سياسية لتلك الجهة (صانعة القرار) أو تلك الجمعية وأن تكون بعيدة عن المزايدات الانتخابية كما أشرت سالفا في الأسباب.
لو قمنا بجمع التساؤلات التي طرحتها والأسباب ستكون بعدد فريق كرة القدم. إذا ما هي الخطة التي ستساعد على الخلاص من هذه المشكلة. في اعتقادي يجب أن تكون هناك خطة طويلة الأمد متمثلة بوضع استراتيجية تنطلق من التعليم والثقافة الاجتماعية وتحديد وجهة البحرين الاقتصادية والاستثمارية وصولا بالقطاع الخاص إلى النهاية، إذ إن العملية ليست طرح وظائف بشروط معينة ولا تحديد الحد الأدنى للأجور ولكن على أي أساس وضع هذا الحد وعلى أي أساس طرحت هذه الوظائف، وهل القطاع الحكومي يستطيع أن يستوعب هذا العدد من العاطلين، حيث البطالة المقنعة متفشية فيه بشكل كبير، كما أن القطاع الخاص لم يطرح وظائف إلى حد الآن تستوعب الحد الأدنى، وأن طرحها فستكون هناك شروط, وبصراحة لا يلام القطاع الخاص خصوصا عندما يواجهون اعذار العمالة البحرينية لقبول الوظيفة مرورا بالإجازات المرضية ناهيك عن أسلوب ثقافة العمل المتبعة، إذ تكمن الثقافة الاجتماعية للفرد والمجتمع.
هذا المقال ليس هدفه النيل من تلك الشخصية أو تلك الدائرة ولكن المقصود تفنيد الواقع الذي يقوم به القائمون على حل هذه المشكلة التي تعتبر أحدى المعاضل التي يتطرق لها كل شخص حريص لرفع المعاناة عن شبابنا، إن كل ما ذكرناه من أسباب وتعاليل وتساؤلات في طرحها الشمولي، سترون بأنها كبيرة وبعيدة المنال ولكن للوصول إلى الحلول يجب أن تكون بنية صادقة ومخلصة، قال تعالى «إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيرواَ ما بِأَنْفُسِهِمْ» صدق الله العظيم (الرعد:11).
إن وضع أسباب نجاح هذه الحلول المقترحة يكون نابعا من خلال ورشة عمل مشتركة تساهم بها جميع الوزارات المعنية والدوائر وكذلك من ينوب عن القطاع الخاص ويكون العمل بروح بعيدة عن الرؤى الحزبية أو السياسية أو الفئوية وتكون المصلحة الوطنية هي الهدف الأساسي.
ولنا حديث آخر عن هيكل هذه الورشة وجدول أعمالها ومناقشة الخطة البديلة.
إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"العدد 1894 - الإثنين 12 نوفمبر 2007م الموافق 02 ذي القعدة 1428هـ