يقال في علم الإدارة إن الوظيفة باقية وشاغلها إلى زوال، فتنظيم الوزارة قديم، وقد ورد في القرآن الكريم على لسان موسى «وأجعل لي وزيرا من أهلي، هارون أخي» (طه:29-30). ويُعرّف ابن خلدون الوزارة في المقدمة كالآتي:
«الوزارة أم الخطط السلطانية، والرتب المكوكية، لأن اسمها يدل على مطلق الإعانة. فالوزارة مأخوذة إما من المؤازرة وهي المعاونة، أو من الوزر وهو الثقل، كأن (الوزير) عمل على مفاعلة الخليفة أوزاره و أثقاله، وهو راجع إلى المعاونة المطلقة» أما الماوردي فقد ذكر في كتابه (قوانين الوزارة)، ص 27، إن الوزير عون على الأمور وشريك في التدبير، وظهير في السياسة، و ملجأ عند المنازلة.
وفي علم الإدارة الحديث يرسم المسئول الأول سياسة وزارته وفق الاستراتيجية العامة للحكومة. وتختلف طريقة وضع الاستراتيجية ورسم السياسة من مجتمع إلى آخر طبقا لطبيعة النظام السياسي القائم. لهذه الأسباب فإن ما ينص عليه فقه الإدارة العامة في مجتمع ما لا يصلح للتطبيق إلا في بيئته الملائمة. وحتى المفاهيم الإدارية العامة المشتركة وبرامج التطويرالإداري العليا، كثيرا ما تصطدم عند الممارسة بالواقع المعاش الذي قد لا يتوافق وهذه البرامج العصرية المتفق عليها عالميا.
الوزارة إذا بحسب تعريف ابن خلدون هي إما مؤازرة أو وزر وفي كلتا الحالتين فهي مؤازرة للوزر أو لنقيضه، والتفريق بين المفهومين يتطلب مقدرة فائقة، خصوصا في المجتمعات التي تفتقر للشفافية والتي لا تأخذ بأدوات التخطيط منهجا في إدارة شئونها. ففي هذه المجتمعات تكون مهمة المسئول غاية في التعقيد وتصبح المسئولية مضاعفة لأنها تتطلب مهارات اُخرى تتعلق بفك طلاسم الغموض لفهم طبيعة السياسة المرغوبة.
وضوح الأهداف أم المعنى في قلب الشاعر؟
المهمات الوظيفية لكل إدارة تبدأ بالكلمات الآتية: يخطط، ينظّم، يحفز، يشرف ويقيّم. فالتخطيط أو وضع الأهداف يأتي على قائمة مهمات المسئول، إلا ان هذا النمط من التخطيط الجزئي (Micro) عديم الجدوى في غياب التخطيط الكلي (Macro). فتخطيط المشروعات مرتبط بتوافر الموارد وإلا أصبحت المشروعات ورقية.
فعندما تخطط ماليزيا مثلا لتصبح دولة صناعية بحلول 2020م وتختار القطاع الاقتصادي أو الصناعي المستهدف فإن المكنة الحكومية بأكملها تعمل في اتجاه تحقيق هذه الأهداف. أما في ظل غياب الأهداف المكتوبة فالوزير يبحر بسفينته من دون بوصلة ترشده، وهنا تكمن معضلة المسئول الذي عليه أن يستقرئ الأجندات غير المكتوبة.
وفي غياب التخطيط تصبح الأهداف غير واضحه ومبهمه (Abstract) هنا يعتمد نجاح المسئول على درجة قربه من صانع القرار وحجم الثقة الممنوحة، وطبيعة المهمة، فكلما زادت الثقة كلما أصبحت الأهداف الحقيقية أكثر وضوحا والمكاشفة أكثر يسرا. فمسئول معين يعتقد أن السياحة العلاجية هدف له مردود اقتصادي و كفيل بتطوير الرعاية الصحية. إلا أن هذا الاعتقاد يصبح أمنية فردية مالم يأت ضمن استراتيجية شاملة ينفذ كل جهاز إداري الجزئية الخاصة به منها، وما عداه يتبدد الحلم و يسقط الحالمون.
فإذا كانت السياسات المعلنة ليست بالضرورة هي المرغوبة، تصبح زلة القدم واردة، حينها يلمح المسئول علامات السقوط على شكل تحرّشات من مغرّر به هناك، وصاحب أجندة خصوصا هنا. في مثل هذه الاحوال يحتاج بعض المسئولين إلى درجة من الحصافة والفطنة لقراءة الأجندات غير المكتوبة.
وإذ إن التخطيط يعني وضوح الأهداف والمقاصد، تكون محاسبة المسئول سهلة وميسرة. من هنا تتضح العلاقة بين قبول التخطيط وتقبل المحاسبة وبالعكس. فالمسئول المحترف لا يمكنه العمل من دون أهداف واضحة، وفي بيئة تخشى المساءله تكون مهمة هذا المسئول شاقة.
المعاونون
يعتمد نجاح المسئول على كفاءة معاونيه ودرجة التخويل الممنوحة له لاختيارهم. فالمسئول المعين سياسيا(Political Appointee) يختلف دروه عن معاونيه المفروض أن يكون تعيينهم إداريا، أي مبنيا على الكفاءة، لكون مستوى التنفيذ والعمليات الإدارية (Operations Management) يجب أن يكون مجردا من الحسابات السياسية.
يقولون إن القائد يجب أن يقنع الآخرين للسير خلفه (A leader must have followers) وهذا يعني أن العمل الإداري يجب أن يكون جماعيا وأن يكون فريق العمل متناغما ومتوافقا على تحقيق الأهداف. ولتحقيق هذا التناغم فإن درجة التفويض لاختيار المعاونين تصبح ضرورية. أما إذا تم فرض المعاونين على المسئول لأغراض سياسية وإرضاء للأجندات الخاصة، تكون سلطة المسئول على معاونيه شكلية، حينها يكون في وضع لا يُحسد عليه، كونه مُحاسبا على أعمال إلا أن سلطته على تنفيذها محدودة، وهذا ما يطلق عليه مسئولية من دون سلطة (Responsibility Without authority).
في كتابه (رؤيتي)، يقول سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم إن اختيار الفريق من المتميزين والناجحين والمبدعين والمتحلين بروح المبادرة لتنفيذ رؤية معينة هو من أقصر الطرق إلى النجاح. ويقول غازي القصيبي في كتابه (حياة في الإدارة) ما يأتي:
«اختيار المساعدين الأكفاء نصف المشكلة والنصف الآخر هو التعامل معهم. الرئيس الذي يريد مساعدا قوي الشخصية عليه أن يتحمل متاعب التعامل مع هذه الشخصية القوية. من الطبيعي أن يكون الشخص الموهوب النزيه الذكي معتدا بنفسه وقدراته، ولا يتردد قبل إبداء رأيه الصريح في أي موضوع، بخلاف المساعدين الفاسدين «الأمعات». كل إنسان يحتاج إلى «شلة» إلا أن الأمور تضطرب عندما تتداخل علاقات الشلة بعلاقات العمل». وكلنا يدرك جيدا أن الشللية هي أحد مصادر الفساد، وأن ما أصاب بعض أجهزتنا من شلل سببه هذا الداء. من هنا تصبح قدرة المسئول على اختيار مساعديه وفق معيار الكفاءة عاملا أساسيا لنجاحه في مهمته.
كفاءة القيادة
إن توافر عنصر القدرة على القيادة يفهم بطرق شتى. فالبعض يفهم كفاءة القياده على أنها ظاهرة صوتية، فالصوت العالي والعقل الخالي مرغوبا لأنه يشوت بعبثيته في جميع الاتجاهات، في حين يثمن البعض الآخر خصلة الصمت، فمن لا يعمل لا يخطئ. في مثل هذه الأحوال تعتمد قدرة المسئول على إدراكه لطبيعة السلوك الإداري المرغوب.
خصائص القيادة
من خصائص القيادة المتعارف عليها ما يأتي:
- بعد النظر (Vision) وهي من خصائص التخطيط واستقراء المستقبل.
- فن التفاوض للوصول إلى الحلول المناسبة.
- إجادة استخدام أدوات تحليل الأرباح والخسائر لزيادة المنافع وتقليل الخسائر.
- إجادة استخدام الموارد المتاحة من مال وبشر.
- التسويق وبناء التحالفات.
إن إجادة استخدام هذه الأدوات تكون ممكنة من خلال إندماج المعرفة بالخبرة، وهذه الخبرة تتوافر بالممارسة في بيئة عمل ناجحة. وإذا افتقد المسئول هذا النوع من المعرفة والمهارات فإن قناعة معاونيه في قيادته تكون محل تساؤل. ومع ذلك يبقى كل هذا غير مهم مادام المسئول مدركا لطبيعة السلوك الإداري المرغوب. وفي الأحوال الطبيعية ليس بمقدور أي إنسان القفز على الخصائص العلمية، فحتى لو تم إلباسه ثوب المسئولية عنوة فإن مساهمته في الإبحار بالسفينة تكون محدودة إن لم تكن عكسية، والوطن هو من يدفع الثمن.
المسئولية تكليف لا تشريف فقط
مع توافر الظروف الملائمة يكون المسئول هو المحرك الاساسي للجهاز الإداري. فتسمية الإدارة العامة «بالخدمة المدنية» لها مدلولاتها التي تتقاطع ومفهوم التسلط. فالمسئول بحسب مفهوم الخدمه أوكلت إليه سلطه لتقديم خدمات بكفاءة عالية. فرضى المتعاملين هو أحد مقاييس الأداء المهمة. والمسئول صاحب السلطه مساءل وعليه تقبل المساءلة بسعة صدر لأن المحاسبة أحد وسائل التطوير. وخدمة المستثمر والزبون من سمات الإدارة الناجحة وفرص الاستثمار السانحة. فإذا كانت الخدمة المدنية تكليف فإن المسئول الأول في الجهاز الإداري هو المعني بنشر ثقافة خدمة الزبون بين موظفيه. إلا أن هذه الثقافة المتحضرة قد تصطدم بقوى الضغط وأصحاب الأجندات الخاصة عندما يقدم المسئول خدمة متساوية للجميع. وهذا يضع على المسئول أعباء إضافية لاستيعاب طبيعة تكوين جهازه، والموازنة بين الأضداد. وهي عمليه في غاية التعقيد.
إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"العدد 1893 - الأحد 11 نوفمبر 2007م الموافق 01 ذي القعدة 1428هـ