العدد 1893 - الأحد 11 نوفمبر 2007م الموافق 01 ذي القعدة 1428هـ

مهرجان البحرين الدولي للموسيقى: قصة المقطوعة التي لم تكتمل!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

من حقي أن أهيم بعشقي المجنون للموسيقى ولكل ما هو تناغمي وإيقاعي وناظم بإبداع حد الشغف والولع الممسوس بعدما نالني من سقم وتعاسة السياسة في زمن النشوز والتشظي والتشطير والتهرطق بـ «الشطارة» السياسية لدى البعض ما نالني وأفقدني الإحساس بكل ما هو طفولي وبريء وفطري في تعاملي المدرك مع الحياة!

ومن حق أي قارئ عزيز أن يتهمني بالترف والترفه وربما السخف وإضاعة وقته فيما لا ينفع ولا يفيد، وهو وقت ضائع لربما كان يتوقع مني أن أتناول فيه قضية أكثر جدية وأهمية تمس حاضر ومستقبل الوطن والمواطنين، فهل يجوز مطالبة مثل هذا المسكين الناقم برفاهية موسيقية وهو ربما لم يرَ انعكاسات في حياته اليومية لرفاهية معيشية أو اجتماعية أو حتى سياسية؟!

أو أن تكون له ذائقة موسيقية وهو لا يفرق بين أطعام «الحلو» و»المر» في خبز مائدته وأرضه ومسكنه وهويته وحسابه الائتماني؟!

ومثل هذه المقدمة وإن كانت طويلة نسبيا إلا أنها أتت لازمة في اعتباري من باب الحديث عن مهرجان البحرين الدولي للموسيقى من منظور نقدي متجرد ومحايد، وهو الذي مر كما يمر كل عام مرور المسافرين العابرين من بوابة «الترانزيت» من دون أن يقتفي أثر انطباع أو هاجس شعبي عام حول الأرض التي يقف ويجول عليها، أو أن يسعى لأن يدون ملاحظاته وذكرياته ويتركها إرثا حسنا لمن يهمه أو لا يهمه مثل هذا الأمر أو الشأن الأكثر خصوصية وانغلاقا، وهو ما استوجب ولو أن يحدث أثر الفلق والانفلاق النقدي، عسى أن لا نجتر الأخطاء الإجرائية والتنظيمية ذاتها في غالبيتها كل عام، فنحيلها بعدها إلى ملفات الأزمات البنيوية!

ولعل أول ما تستوجب ملاحظته هو أن «مهرجان الموسيقى الدولي» لهذا العام، والذي لربما قد جاء ضمن صميم رسالته المبدئية السعي لإحياء الموسيقى كأداة ثقافية راقية لتحقيق التواصل الحضاري بين مختلف الشعوب والثقافات، هو أن هذا المهرجان قد أتى مشبعا ومثقلا بطابع موسيقي شرقي ربما حد الإسفاف المتخم على العكس من مرات سابقة ربما كان التنوع أرأف حالا بكثير، وإن كنا سنعذر المسئولين عن المأزق الانكماشي لمثل هذا التنوع في «مهرجان البحرين الدولي للموسيقى» وذلك ربما لأسباب اقتصادية ومحاسبية بحتة طارئة، أو ربما لجموح رغبات وأذواق وأمزجة معينة، إلا أن هنالك ملاحظات ومصارحات نقدية أخرى أيضا لابد من قبولها بصدر رحب من قبل المسئولين لكونها تتعلق باكتمال أبجديات التنظيم والتنسيق لأية فعالية من نوع «مهرجان» وذات حجم ونطاق «دولي»، وربما كانت في أزمنة ماضية أفضل حالا، ومن غير المقبول سلوكا وعقلا ومنطقا أن يتم السكوت عن ما كان وما أصبح بإمكانه أن يكون أفضل بكثير بحسب ما هو متوافر من قدرات وإمكانات لدى الجهة المسئولة والمخولة!

ولعل أحد أبسط وأولى مظاهر التنظيم الأبجدي الأساسية لأية فعالية مهما كان حجمها، والتي تم الإخلال بها وإهمالها في مهرجان هذا العام هو ما كان يتعلق بتقديم الفعالية والأمسية التي تمت فقط بلغة واحدة هي العربية، وذلك على رغم كون نسبة كبيرة ولا يستهان بها من الجماهير المعتادة هم من الأجانب الأوروبيين والأميركيين وجاليات أخرى في حين كانت مهمة تقديم الفعالية تتم باحترافية مهنية عالية وبأكثر من لغة عالمية قبل عام وأكثر، وهو ما سيشير أولا وآخرا إلى عدم تقدير واحترام مشاعر وفهم وانطباع الحضور من غير الناطقين باللغة العربية في «مهرجان دولي»!

أضف إلى ذلك التقديم التقليدي الأولي و النداءات والمخاطبات للجمهور التي يوجهها بعض الفنانون العرب والأجانب إلى الجمهور من دون أن تتم ترجمتها لهم كما كان يحصل من قبل، وجميع أشكال القصور التنظيمي المعيبة من على منصة التقديم لا يمكن التغاضي عنها لكونها تتمحور وترتبط أساسا بعملية الاتصال الضرورية بين الجماهير والمنظمين والفعالية، وهذه الفعالية ذات المسمى الدولي لا تعقد لأول مرة في البحرين من قبل قطاع الثقافة والتراث الوطني حتى يتم الحديث حينها عن نقص في الخبرة التنظيمية لفعالية بهذا الحجم وإنما تجاوز تنظيمها السنوي العقد بكثير!

أما في ما يتعلق بالتواضع الملحوظ لحجم الحضور الجماهيري لفعاليات «مهرجان البحرين الدولي للموسيقى» لهذا العام على رغم كون دخول هذه الفعاليات متاح بالمجان للجميع، فلا يمكن أن نعزوه إلا إلى شح الجهود التسويقية والترويجية للمهرجان بشكل عام ولو أنها تحسنت تحسنا كميا طفيفا مقارنة بما مضى، ولكن مازال أمر انعقاد هذه الفعالية الموسيقية الدولية السنوية مجهولا بالنسبة إلى الكثير من المهتمين بالموسيقى، وإن لم تكن هذه الفعالية برمتها مجهولة بعد أن أصبحت حكرا على ثلة من نخبة المثابرين ممن لا يألون جهدا في التنقيب عن ساعة انعقادها وانصرافها بدلا من أن تكون خيارا جاذبا يفرض نفسه على جميع المتلقين كما تفترض ذلك الأدبيات التسويقية والترويجية الناجحة والمعتمدة عالميا في شتى المجالات!

ومثل هذا القصور التنظيمي البارز والشح التسويقي والترويجي الملفت في ما يتعلق بـ «مهرجان البحرين الدولي للموسيقى» ترافق مع بذخ فاره ومفرط يشي بكلفة خيالية اتسمت بها الأجواء الرومانسية الشكلية والبروازية للمهرجان من ديكور خمس نجوم وكتيب «ديلوكس» عن فعاليات المهرجان، أو حتى التنظيم والضبط البروتوكولي الأمني في خارج الصالة الثقافية وعند البوابات ومواقف السيارات، وهي جميعها عناصر مظهرية وإن تركت انطباعا جميلا لدى الحاضرين المحظوظين إلا أن مثل هذا الانطباع الفاني والمتبدد على رغم شاعريته الساحرة لا يمكن أن يرقى إلى مستوى المكانة النوعية التي تتسم بها جوانب تنظيمية وتسويقية رئيسية تم تجاهلها وإلغاءها، فكان الأمر أشبه بمن يرمي جواهره المكنوزة ومقتنياته الثمينة في عباب البحر، ويسمي هذا الفعل بعدها لحظة جمالية آسرة أو منجزا ثقافيا وإبداعيا فاعلا يستحق الإشادة!

ومثل هذه الملاحظات النقدية التي تأتي حول ظروف التنظيم والتنسيق للفعاليات والمهرجانات الاحتفالية الموسمية الدولية هي أشبه ما تكون بتدوينات لا تمس إلا خصلات ليفية وأوراق وتبرعمات زهرية لشجرة ظلت بلا جذور أو تربة، وربما لواقع ثقافي وفني مازال محروما من وجود بنية تحتية ثقافية صلبة ومتينة تدعمه وتحقق له تنمية ثقافية مستديمة، وتوسع من دائرة تداوله اجتماعيا وشعبيا عسى أن لا يقتصر على «المآدب» و»المعارض» والأمسيات الضيقة و»الصالونات» المزخرفة الأكثر ضيقا، وهنا يطفر سؤال ساخن بشأن مدى قدرتنا على مجابهة تلك التحديات الكبرى بعدتنا الحالية، والتي يفرضها الدخول في سباق التصنيف العالمي والأممي لميداننا وحراكنا الفني والثقافي في البحرين، وذلك قبل الاستعداد للصمود في منافسة إقليمية عاتية؟!

وربما يكون لهذا حديث آخر

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1893 - الأحد 11 نوفمبر 2007م الموافق 01 ذي القعدة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً