بعد مشروع تقسيم العراق وما أدراك ما تقسيم العراق... بدأت الأصوات ترتفع عن ضرورة تقسيم باكستان... نعم باكستان التي تعيش منذ مدة على «خط النار» كما ذكر الرئيس الباكستاني برويز مشرّف نفسه في كتابه الذي نشره حديثا والذي كشف فيه أنه تلقى تهديدات جدية وواضحة بالخلع «إذا لم يلبِ تماما ما يُطلب منه من واجبات تجاه ملف مكافحة الإرهاب...».
«باكستان ليست دولة، أنها وهْم بريطاني فاشل حول فبركة دولة ولها مسلسلات من فشل في الشرق الأوسط وجميعها حبكت في القرن العشرين، وقد حانَ الوقت لإعادة قراءة جميع هذه الهياكل ومن ثم إعادة رسم خطوط الحدود...».
هذا الكلام ليس لأحد المتجنين على السياسات الأميركية ولا لأحد من المتهمين بالشغف بما يسمّى بنظرية المؤامرة، أنه المقال الذي نشرته الواشنطن بوست على لسان «على اتفاق» والذي يضيف بكلّ حزم وعزم: «فباكستان عبارة صيغت لاتحاد فيدرالي لخمس ولايات مسلمة كانت تحت سيطرة الهند المستعمرة البريطانية...» وبالتالي فهي «لملوم» كما يفصل على اتفاق، من أرض قبلية غير متجانسة لا بالعرق ولا بالثقافة حتى باللغة كما يقول: «والدليل على ذلك أنّ اللغة الرسمية فيها هي اللغة الإنجليزية»... «وقد تم لملمتها تحت فرضية الدين...». إلى أنْ يقول: «إنّ باكستان أقرب ما يكون إلى رفاة جثة تمت صناعتها كمنافس للهند وميولها نحو أوروبا الكتلة الشرقية، ومن هنا فقد حانَ الوقت كما احسب لزيارة جديدة لصيغة الولايات الخمس التي جاءت لنا بدولة مزيّفة. ويبدو هنا أنّ إعادة لترسيم الحدود يمكن أنْ تكون مفيدة وتضع نهاية للمسرحية.
وقد يكون بعض ما جاء على لسان كاتب الواشنطن بوست الهندي الأصل صحيحا لكن الأهم هو لماذا يتذكّر البعض الآنَ بالذات! تلك «المسرحيات» كما يسمّيها الكاتب صاحب الهوى الأميركي بلاترديد. ربما لغاية في نفس العم سام ولربما لغاية في نفس العم «أبوناجي» كما ينعت إخواننا العراقيون المستعمر الإنجليزي العجوز لعلّه يساهم في مشروع الفوضى الهدّامة الشاملة والتي نعتوها الأسياد بـ «الفوضى الخلاقة»! وبالتالي إغراق شرقنا «الأوسط الكبير أو الموسع» - كما يحلو للبعض أنّ يسمّي عالمنا الإسلامي - في حروب أهلية وتقسيمية وتفتيتية ومذهبية وطائفية وعرقية قاتلة بالتأكيد.
إنّ التقسيم اليوم بات عنوانا موسّعا أكثر مما يتسع له خيالنا وقد يصل إلى آفاق أبعد مما نتصوّر من أجل تحقيق الإحلام الأمبراطورية للعم سام المخطوفة ارادته اليوم على يد المحافظين الجدد والمصمم على إعادة رسم خطوط جغرافيا العالم كلّه على قياس طموحاته التي لا حدود لها!
اسمعوا وعوا جيّدا مم يحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في آخر طبعة له من المجابهة التي باتت مفتوحة على مصاريعها مع الأمبراطوريين الجدد: «إنّ البعض مصرّ على أنّ وطننا روسيا يجب أنْ يقسّم... وأننا محظوظون لامتلاكنا ثروات طبيعية هائلة يجب برأيهم أنْ توزّع...»! في إشارة واضحة إلى حكّام واشنطن معتبرا «أنّ هؤلاء الأشخاص فقدوا صوابهم...» محذرا ومنبها «أنّ هؤلاء يسعون إلى إقامة عالم أحادي القطب والتحكّم بالجنس البشري كلّه...».
إنّ كلام بوتين هذا الذي ورد في خطاب له ألقاه أمام كاتدرانية القديس باسيل في الساحة الحمراء في موسكو بمناسبة يوم الاتحاد الوطني الروسي، قد يلخص للمتابعين والمراقبين لما يحصل في العالم اليوم من فوضى عارمة بسبب انفلات العقد الدولي حتى بين أولئك الذين كتبوا ودوّنوا سويا ما يمكن تسميته بكتاب المنتصرين بالحرب العالمية الثانية رغم كونه جاء مجحفا وظالما وعلى حساب فقراء ومستضعفي الكرة الأرضية.
إنها «الفوضى الخلاقة» التي لطالما بشرّنا بها الحالمون من الأمبراطوريين الجدد أليس كذلك؟!
بعد الآنَ هل سنافجأ غدا إذا ما ظهر علينا منظرون جدد ومن أبناء جلدتنا لإعادة تقسيم ما بقي من اتفاق حول تسميته بالأراضي الفلسطينية المحتلة؟! ومن ثم سينظرون لنا بأن الضفة الغربية مرتبطة بالأردن أصلا أكثر مما هي مرتبطة بفلسطين التي تحلمون! وبالتالي ما العيب في إعادة رسم خريطة الأردن أيضا وإعادة مزجها بالضفة على أنْ تتشكّل ولاية أميركية واسعة الهوى والهوية! وهكذا نكون قد تخلّصنا من مصيبة الضفة وحكومة رام الله غير الماشية أيضا!
غزّة هي الأخرى الدويلة الجديدة غير القابلة للحياة أصلا وهي ترتبط منذ الأصل بالضفة المصرية أكثر مما ترتبط بالضفة الغربية لنهر الأردن أو أيّ جزء آخر من فلسطين التاريخية التي تحلمون بها وبالتالي ما العيب في ربطها ببعض الأراضي المصرية المتعبة أصلا للدولة المصرية الأم ونكون بذلك بصدد خلق دويلة عربية جديدة ونكون قد تخلصنا من مصيبة حماس غير القابلة للهضم أصلا من قبل المجتمع الدولي الذي يحاصرها بالتجويع وكل أشكال الحصار العنصري المقيت!
انظروا ماذا يحصل في السودان؟! لن يطول الأمر أكثر من العام 2112 على أبعد تقدير حتى تصبح أربع دويلات كحد أدنى بعد أن يكون اتفاق نيفادا قد نفد صبره مع حكومة الخرطوم غير القابلة للتحمّل أصلا!
وما المانع من تحريك النائم من فتنة الأقباط مع أشقائهم المسلمين في مصر والشيعة في شرقية السعودية مع أشقائهم السنة وعلى طريق دارفور إذا تطلب الأمر!
وإيران كذلك ومن لا يعرف أنهم يخططون لتقسيمها إلى نحو ثلاث وثمانين قسما في إطار خريطة ديموغرافية رسمها معهد انتربرايس للدراسات المملوك للحالمين باحتلال العالم كلّه من الأمبراطوريين الجدد كما يتصوّر مايكل ليدن المكلف رسميا بمخطط زعزعة استقرار النظام الإسلامي الإيراني وتظهير صورته كعدو بديل للعرب عن العدو التاريخي لهم وهو الكيان الصهيوني بعد أنْ تحوّل إلى شريك متاح للسلام الموهوم والمزعوم!
الشيء نفسه يتم إعداده وعلى نار هادئة لتركيا الجارة الأخرى المسلمة التي تحاول استعادة هويتها التاريخية والحضارية بصعوبة بالغة، وذلك من خلال تفخيخها ومن وراءها سورية وإيران بافخاخ الحروب الأهلية العراقية!
هل تذكرون كتاب خنجر إسرائيل؟ وهل تتذكرون الآنَ ما كان يردده الشهيد ياسرعرفات ومم كان يحذر في سنوات عمره الأخيرة؟!
إلا تعتقدون أنّ «موسم حصاد» التقسيم قد حانَ بنظر البعض ممن يريدون قطاف ثمار حروبهم الإسرائيلة حتى ينفذوا هذه الدويلة التي توشك -والله- على الزوال والتفكك لولا تفرّقنا وشقاقنا والنفاق الذي يعشعش بيننا ويطوّق أوطاننا؟!
ثم ألا يدفعنا هذا بدوره إلى أنْ نعلن من جانبنا «موسم الهجرة» إلى التضامن والوحدة والاتحاد من جديد واليقظة والحذر من الرياح الموسمية المسمومة القادمة من الشمال أيّا كان ظاهرها مغريا ومسيلا للعاب البعض من أبناء جلدتنا؟!
ألا يحق لنا بعد كلّ ذلك أنْ نشكك بكل إدعاءات الديمقراطية والتعددية والمشاركة والإصلاح وحقوق الإنسان والحيوان التي يتشدّ!ق بها البعض من المنبهرينَ بالديمقراطيات المجوّقلة والمرسلة عن طريق حاملات الطائرات والمعلبة في صناديق الانتداب الديمقراطي تحت بيارق السيادة والاستقلال والحرية المتلوّنة بكل ألوان الطيف الفتانة إلاّ لون التآلف والمحبّة والتضامن بين أعضاء العائلة الواحدة كما يُفترض؟
وأخيرا ألايحق لنا أنْ نتذكّر شهيد الثورة الجزائرية الكبير عبدالحميد بن باديس عندما قال: والله لو طلبت منّي فرنسا أنْ أقول لا إله إلاّ الله لما رددتها من ورائها؟!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ