فوجئ القارئ بما بشّرت به شركة غلوبل البحرينيين، من أن نسبة التضخم لا تزيد عن 3.5 في المئة! ولأن الوضع الذي يعيشه غالبية الناس ليس بمثل هذه الصورة الوردية، فإن من الصعب تصديق مثل هذه الأرقام، المستقاة غالبا من أرقام رسمية.
قبل عام تقريبا، وفي ندوة اقتصادية نظمت بمركز البحرين للمعارض، كشف النائب عزيز أبل عن كيفية تحديد هذه الأرقام الرسمية في الثمانينات، حين كان يجتمع شخصان أو ثلاثة، ليقرّروا إعلان نسبةٍ معينةٍ للتضخم، وكفى الله المؤمنين شر الإحصاءات العلمية والأرقام والدراسات.
اليوم عبثا تحاول الحصول على رقم مقنع بنسبة التضخم، وستجد نفسك ضائعا بين الأرقام الرسمية وغير الرسمية، التي تصعد بالرقم إلى 11 في المئة، بسبب انعدام الصدق والشفافية.
المواطن العادي الذي لا يفهم النظريات والتنظيرات الاقتصادية، له طرقه المباشرة لمعرفة التضخم، الذي يضغط على أعصابه ومستوى معيشته بشكل يومي. فالتضخم في أحد أبسط تعريفاته، الارتفاع المتزايد في أسعار السلع الاستهلاكية. ويمكن لأي مواطن أو رب أسرة، أن يعرف نسبة التضخم في السلع الضرورية والاستهلاكية بسهولة ودقة، إذ تجاوز بعضها نسبة 50 في المئة في أقل من عام. علبة الجبن ارتفعت من 500 فلس إلى 750 فلسا. كارتونة البطاطس ارتفعت من 300 فلس إلى 800 فلس. علبة الحليب المجفف ارتفعت من 3.850 دنانير إلى 5.200 دنانير، وللعلم سيرتفع الشهر المقبل إلى 6.600 دنانير. وكيس الأرز الذي كان العام الماضي بعشرة دنانير، وصل إلى 17.500 دينارا، وقس على ذلك بقية السلع والحاجات الضرورية، بينما تتكلّم «غلوبل» عن 3.5 في المئة، ووزارة التجارة عن 5 في المئة!
في يناير/كانون الثاني الماضي، كان بإمكانك أن تدخل سوق جدحفص مثلا، وتشتري مختلف أنواع الفواكه والخضراوات بعشرة دنانير، ما يملأ ثلاجة عائلة من أربعة أشخاص (زوجين وطفلين)، وستحتاج إلى زيارةٍ أخرى للنصف الثاني من الشهر. أمّا الآن، فلن تكفي 15 دينارا في تلبية حاجات عائلتك من المواد نفسها، وهو ما يعني زيادة 50 في المئة، أو انخفاض قدرتك الشرائية بنسبة النصف، بينما الرواتب تراوح مكانها، وإذا تغيّرت فبنسبة صغيرة سرعان ما تلتهمها الزيادة المتصاعدة في الأسعار.
يقال إن هناك طريقة «خاصة» لحساب نسبة التضخم أنتم لا تفهمونها، لأن الحكومة تعتمد سلّة من السلع والخدمات «الخاصة»، ولكن ليت الأمر يتوقف على سلع معينة، فالزيادة لم تتوقف على أسعار السلع والخدمات، بل شملت كل شيء، وأكثرها جنونا العقار ومواد البناء. بل أن أحد القراء كتب ملاحظا وجود اتفاق جماعي بين حلاقي قريته (الدير) على رفع التسعيرة: حلاقة الرجال (600 فلس)، الأطفال (500 فلس)، حلاقة الذقن العادية (400 فلس)، أما السكسوكة (500 فلس)، وتساءل: حتى الآسيويين يتوحدون في رفع الأسعار، فالكل مع الزمن على المواطن، أم أنها بداية تبعات رفع تأشيرة العمالة الأجنبية؟
زيادة الأسعار ظاهرة عالمية كما يقول التجار، وهي زيادةٌ لن تتوقف قريبا كما يبدو، ولكن السؤال: ما هو الحل؟ خصوصا مع ما يعنيه التضخم من اتساعٍ لدائرة البؤس والفاقة، وزيادة أعداد الفقراء.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ