العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ

تقدمت الدول أم تراجعنا... البيروقراطية وغياب الاستثــــــمار الصناعي والبطالة أهم التحديات التي تواج

في ندوة «الوسط» عـــــــــن تقرير التنافسية (1)

مطلع الشهر الجاري أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي قائمة التنافسية العالمية للعام 2007 و2008 التي احتوت على تصنيف لـ 134 دولة، وهدف التقرير إلى تحديد العوامل التي تؤثر في المناخ الاقتصادي لهذه الدول. وضمن هذا التقرير احتلت البحرين المرتبة الـ 43 عالميا والـ 7 عربيا.

في هذه الندوة التي استضفنا فيها رئيس جمعية الاقتصاديين البحرينية أحمد اليوشع ورجل الأعمال المعروف يوسف المشعل والخبيرين الاقتصاديين حسين المهدي وجعفر الصايغ جرى التأكيد على أن «البحرين ليست لديها استراتيجية واضحة تحفز على الاستثمار في القطاعات ذات القيمة المضافة وهي التي نحتاج إليها, ولذلك فهي تسعى إلى استقطاب الاستثمارات في أي مجال وخصوصا في مجال العقار، إذ تصل نسبة الاستثمار في هذا القطاع إلى أكثر من 95 في المئة».

وقال المنتدون «المشكلة تكمن في أن غالبية هذه الاستثمارات تأتي من المنطقة نفسها وأصحاب هذه الاستثمارات جميعهم بالعقلية نفسها لأصحاب رؤوس الأموال في البحرين الذين يفكرون في أنهم تجار وليسوا رجال أعمال, والتجار تعودوا الاستثمار في القطاعات الآمنة وذات المردود السريع».

ودعا المنتدون الدولة إلى «التدخل بشكل أكبر في تخطيط الاقتصاد»، وقالوا «إن ما يحدث الآن هو التوجه العام لعدم تدخل الدولة في أي من أمور الاقتصاد، وإنما لترك كل الأمور وفق منظومة العرض والطلب». وأكدوا أن هذا التوجه خاطئ تماما، وأن «جميع دول العالم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية تتدخل بشكل أو بآخر، وتفرض قيودا وتقدم مساعدات لبعض القطاعات». وأضافوا «التجربة الشرق آسيوية بنيت على تدخل الدولة, فالدولة هي العامل الرئيس في صناعة تاريخ الأمة»... وفيما يأتي نصّ الندوة.

قبل الحديث عن تقييمكم لما جاء ضمن تقرير المنتدى الاقتصادي من حصول البحرين على المرتبة السابعة عربيا والـ 43 عالميا, هل لكم أن تعطونا صورة مختصرة عن المؤشرات التي تم على أساسها التوصل إلى هذه النتيجة؟ بمعنى كيف يتم قياس مستوى التنافسية في أي بلد من البلدان؟

- اليوشع: إن تقرير التنافسية هو أحد المواضيع الاقتصادية المهمة وخصوصا بالنسبة للدول التي تهتم بالتجارة الخارجية, وتزيد أهمية هذا التقرير بالنسبة للدول الصغيرة وذات الاقتصادات المفتوحة على العالم كالاقتصاد البحريني على سبيل المثال, فمعظم ما يتم استهلاكه في البحرين يأتي من الخارج، وجزء كبير مما ننتجه يتوجه إلى الخارج أيضا، وبالتالي فإن ما يحدث في الأسواق العالمية يؤثر بصورة مباشرة على هذه الاقتصادات. وموضوع التنافسية مشروط بأن تكون لدى الدولة منتجات سواء كانت سلعية أو خدمية تدخل في تنافس في السوق العالمية.

التقرير يضع 12 عاملا رئيسيا يؤثر على التنافسية، وهي مقسمة لثلاثة أقسام يحتوي القسم الأول منها على المتطلبات الأساسية (المؤسسات, والبنية التحتية, استقرار الاقتصاد الكلي, الصحة والتعليم الأساسي), في حين يتضمن القسم الثاني ستة عوامل (التعليم العالي والتدريب, اقتصاد السلع, سوق العمل, تطور القطاع المصرفي والمالي, الاستعداد التقني, حجم الاقتصاد)، والقسم الأخير يحتوي على تطور قطاع التجارة, الابتكار وهذا العامل الأخير وهو الابتكار يلعب دورا كبيرا في التقليل من تنافسية الدول النامية.

دقة مؤشر التنافسية

ومن دون شك فإن هذه العوامل مهمة جدا ولكن في نهاية المطاف هي مؤشرات تقديرية, وابسط دليل على ذلك أن لكل هذه العوامل الإثني عشر وزنا, واختيار هذا الوزن وحجمه وتقديره يشوبه الكثير من عدم الدقة وبحاجة إلى إعادة النظر فيه وخصوصا أن هذه الأوزان أو النسب تتغير مع مرور الوقت كما أنها تحتاج إلى تفاصيل كثيرة ولذلك يجب التعامل مع هذه المؤشرات بحذر وألا يتم اخذ تقرير التنافسية بشكل مطلق.

- المشعل: إن تقرير التنافسية يحتوي على ثلاثة تقارير في آن واحد، فهو يقيس مدى الشفافية في 131 دولة في العالم ويقيس أيضا مدى التطور في العوامل التي ذكرها اليوشع كما يقيس منافسة الأعمال في الدول من حيث قوة وكتلة المنافسة وعدم وجود احتكار.

القياس الحالي لمدى التنافسية ادخل في العام 2004 وأصبح حاليا الأساس، ففي السابق كان التقرير عبارة عن بحوث واستطلاعات لرأي المدراء التنفيذيين ورجال الأعمال ومراكز البحوث في كل دولة، وتجمع هذه الآراء ويتم صياغة التقرير على أساسها. المقياس الحالي وضع الاثني عشر متغيرا ليتم قياسها كل على حدة، فمثلا هناك دول تحتل المراتب العشر الأولى في التنافسية ولكنها في بعض هذه المتغيرات في آخر القائمة وفي البعض الآخر متقدمة جدا، فمثلا ترتيب البحرين على المستوى العام للتنافسية هو 43 ولكنها تحتل المرتبة الـ 42 فيما يتعلق بالمتغير الخاص بقوة الشركات في حين أن ترتيب فنلندا الثالثة على العالم من حيث التنافسية ولكنها في متغير جودة الأعمال الموجودة داخلها تحتل المرتبة التاسعة, فالبحرين في بعض العوامل أو المتغيرات متقدمة جدا عن كثير من الدول.

- الصايغ: إن التقرير يعتمد على مصدرين من المعلومات: المصدر الأول يشكل ما نسبته 67 في المئة تقريبا من تكوين المعلومات وهو نتائج البحث الميداني السنوي الذي يجريه المنتدى ويتم من خلاله اخذ آراء وملاحظات عينة من رجال الأعمال، ويعاب على هذا المؤشر انه يعتمد على وجهة نظر رجال الأعمال ولا يعكس الواقع الحقيقي للدولة، بل يعكس وجهة نظر رجال الأعمال فقط. أما المصدر الثاني فهو النشاطات الإحصائية المحلية والخارجية، ويتم استقاء بعض العناصر من هذه الإحصاءات وهذا المصدر أيضا يلاقي بعض الانتقادات من انه لا يعبر عن الواقع.

كيف تتم الاستفادة من تقارير التنافسية سواء على المستوى الوطني أو العالمي؟

- اليوشع: بما أن المنتدى الاقتصادي العالمي جهة خارجية محايدة فإنها تبدي رأيها تجاه حزمة من المتغيرات الأساسية المؤثرة على الاقتصاد، وبالتالي فإنه يقدم لصانع القرار رؤية من خارج الدولة نفسها, ثانيا: لان المنتدى يمثل الشركات الرئيسة في العالم وبعض الشخصيات المؤثرة في الاقتصاد العالمي، فبالتالي يعطي وجهة نظر هذه المؤسسات في الاقتصاد المحلي ويمكن للدولة الاستفادة من هذه الملاحظات لتطوير أوجه النقص التي يعاني منه اقتصادها.

ولنضرب مثالا على ذلك، التقرير يصنف الدول إلى ثلاثة مستويات مختلفة من حيث مستوى النمو الاقتصادي فيها، وقد وضعت البحرين في المرحلة بين الدول المتقدمة النمو والدول المتقدمة وهذا لحد ما صحيح تماماـ فالدول الخليجية عموما تجاوزت المراحل الأولى للنمو من زمن بعيد.

- الصايغ: في ظل النظام العالمي الجديد والعولمة وجدت الكثير من المؤشرات الدولية, فالمستثمر عندما يريد الاستثمار في أية دولة لا يعتمد على المعلومة المحلية الصادرة من الدولة نفسها وإنما ينظر إلى المؤشرات العالمية التي تقيم المناخ الاستثماري في هذه الدولة ومتى قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية.

وعلى رغم مما ذكرته سابقا من أن هناك الكثير من الانتقادات الموجهة لتقرير التنافسية فإنه يقوم بعرض وجهات نظر رجال الأعمال أنفسهم، فرجل الأعمال عندما يقول إنه غير راض عن المناخ الاستثماري الموجود في البلد فإنه يعكس وجهة نظر مؤثرة على المستثمر الأجنبي، ولذلك فإن الكثير من المستثمرين يعتمد على هذا المؤشر لاتخاذ القرارات الاستثمارية والاستثمار في بلد ما وبفضل شمولية هذا التقرير، إذ انه يتضمن الوضع السياسي والتعليم والصحة والاستقرار الاقتصادي والتضخم فأصبحت له صدقية للكثير من المستثمرين.

أهم مميزات الاقتصاد البحريني

- اليوشع: إن التقرير يشير إلى أن أهم عاملين لعبا دورا كبيرا في انتقال البحرين إلى مراتب متقدمة أولهما استقرار الاقتصاد الكلي، فالبحرين تحتل المرتبة الـ 13 من حيث استقرار اقتصادها، وثانيهما فهو توصل التقرير إلى أن القطاع المالي والمصرفي في البحرين وصل إلى مرحلة متقدمة جدا حتى بالنسبة للدول الصناعية، ولذلك احتلت البحرين المرتبة الـ 12 من بين دول العالم في مجال تطور القطاع المصرفي, وكما يشير التقرير إلى مراكز القوة لدى الدولة فإنه يشير كذلك إلى مراكز الضعف. فعلى سبيل المثال عامل الابتكار في البحرين متواضع للغاية، إذ تحتل المرتبة الـ 92 وذلك يبين بوضوح انه ليس هناك استثمار في مجال الاختراع والتطوير، كما يشير التقرير إلى حجم السوق الذي يؤثر بشكل سلبي على قوة الاقتصاد البحريني وعلى المقدرة التنافسية للبحرين، فكلما كبر حجم السوق وبالتالي حجم الاقتصاد كبر عدد المؤسسات وبالتالي المنافسة بينها. في الاقتصادات الصغيرة لا يمكن خلق مؤسسات كثيرة، ولذلك فإن الاحتكار في هذه الدول يكون طبيعيا، وهذه إحدى السلبيات التي نعاني منها, ولكن في حالة تكامل البحرين مع دول مجلس التعاون بحيث تصبح سوقا واحدة فإن ذلك سيكون له أثر إيجابي.

- الصايغ: إن لهذا المؤشر أهمية خاصة للدول الصغيرة ومنها البحرين, فالبحرين كانت سباقة في تنويع مصادر الدخل، وتأمل أن تكون مركزا للكثير من القطاعات بحيث تكون مركزا ماليا إقليميا ومركزا تجاريا وخدميا, في حين أن هناك منافسة من الدول المجاورة. وأهمية التقرير تنبع من انه على سبيل المثال عندما تكون الإمارات الأولى عربيا فمعنى ذلك أن على البحرين التي كانت سباقة منذ الستينيات أو السبعينيات بذل المزيد من الجهد حتى تكون الأفضل في الكثير من القطاعات سواء في مجال التعزيز من القدرة التنافسية أو تطوير البنية التحتية .

في تقرير التنافسية للعام الماضي حصلت البحرين على المرتبة الخامسة عربيا والـ 94 عالميا، في حين تقدمت في التقرير الحالي إلى المرتبة الـ 43 عالميا إلا أنها تراجعت على مستوى الوطن العربي لتحتل المرتبة التاسعة... هل جاء ذلك نتيجة دخول دولتين خليجيتين هما السعودية وسلطنة عمان للمرة الأولى في التقرير، وخصوصا أن البحرين احتلت المرتبة الأخيرة بين دول الخليج، أم كان ذلك ناتج عن خلل ذاتي أصاب الاقتصاد البحريني؟

- المهدي: إنني أتحفظ قليلا على هذا التقييم، إذ هناك تقويمات أخرى تشير إلى تحقيق البحرين قفزات كبيرة أخيرا في مجال استقطاب الاستثمارات. وعلى سبيل المثال التقرير الأخير لـ «اليونيكتاد» تحدث عن تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من حيث دخولها وخروجها من البحرين، ولذلك فإني استغرب انزلاق البحرين من المرتبة الخامسة إلى المرتبة التاسعة عربيا.

تقرير «اليونكتاد» للعام 2007 الذي تم إصداره في 16 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي يشير إلى أن البحرين استطاعت أن تجذب رؤوس أموال من 2003 إلى 2006 بنسبة نمو 450 في المئة تقريبا، إذ ارتفع من 517 مليون دولار في العام 2003 إلى زهاء 3 مليارات دولار في العام 2006 وهذه هي التدفقات الاستثمارية المباشرة الداخلة إلى البحرين، في حين أن الاستثمارات المباشرة الخارجة من البحرين لم ترتفع إلا بنسبة 33 في المئة إذ ارتفعت من 741 مليون دولار إلى 980 مليون دولار. إن ذلك يبين بوضوح أن البحرين استطاعت خلال هذه الفترة أن تجذب استثمارات بحدود ملياري دولار، وذلك ما يجب أن نسلط الضوء عليه ونأخذه بصورة اكبر لان الـ «اليونكتاد» تعد هذا المؤشر من سنوات طويلة جدا، ولذلك فإن أداءها وتقييمها أكثر دقة .

إن البحرين في الوقت الحاضر يمكن أن تكون الأولى عربيا من حيث النمو, ولو أخذنا الرقم الآخر كنسبة من إجمالي تكوين رأس المال, فالبحرين استطاعت أن تكون إجمالي رأس مال من التدفقات الخارجية بنسبة 98.7 في المئة، هنا يجب أن نقارن البحرين بالدول الأخرى فالكويت لم تستطع أن تجذب إلا 0.7 في المئة. وبالحديث عن العوامل الأخرى فعلى رغم أن الكويت هي الأولى من حيث توفر الديمقراطية فإنه ليس لديها استقرار سياسي. وبمقارنة البحرين بالسعودية فلا شك أن السعودية بلد كبيرة ولديها اقتصاد ضخم، ولكنها لم تستطع أن تحصل إلا على 32 في المئة.

وعندما ننظر إلى مؤشر نوعية الحياة في مؤشر اليونكتاد في العام 2006 فإنه يضع البحرين في المرتبة الـ 52 في حين يضع فرنسا في المرتبة الـ 88 وفي هذا المؤشر يقاس مستوى المعيشة والاقتصاد والصحة والثقافة والبيئة والحرية البنى التحتية و معدلات المخاطرة والسلامة في استثمار الأموال والجودة بصفة عامة، وفي النهاية يعطى نقاط نهائية. وبالإضافة لهذا المؤشر فإن هناك مؤشر «النوليج ايكونومي اندكس» التابع للبنك الدولي الذي وضع البحرين والإمارات في المرتبة الأولى، وكذلك الايسكوا الذي وضع البحرين في المركز الرابع في حين وضعها في المرتبة الأولى مع الإمارات فيما يخص البنى التحتية.

النقطة الأخرى التي أحببت أن أشير إليها هي أنني أتمنى ألا تنظر هذه المؤشرات لدول الخليج كل على حدة، وإنما أن تنظر إلى الخليج ككتلة واحدة.

تراجع ترتيب البحرين عربيا

- الصايغ: فيما يخص السؤال عن تراجع البحرين خلال السنة الماضية فإنه يمكن أن يكون هناك سببان وخصوصا إذا أخذنا هذا التراجع بالنسبة لدول أخرى, فإما أن يكون هذا التراجع بسبب ذاتي وهو أن الدولة لم تبذل الجهود الكافية لتعزيز قدراتها التنافسية أو أن الدول الأخرى استطاعت أن تبذل جهود اكبر, وهذا ما حصل, ففي ظل ارتفاع أسعار النفط وارتفاع الإيرادات النفطية خلال السنوات الماضية فإن إيرادات الدول الخليجية الأخرى مقارنة بالبحرين هائلة جدا ولذلك أصبحت إمكاناتها أكثر لتعزيز قدراتها التنافسية فلقد بذلت مصروفات هائلة على التعليم البنى التحتية والإصلاح الاقتصادي وعلى رغم ما بذلته البحرين من جهود في هذا المجال فإنها تبقى الأقل بسبب إيراداتها النفطية مقارنة بالدول الخليجية الأخرى, ولذلك فهي محتاجة أكثر من الدول الأخرى لتنويع مصادر الدخل ولذلك قامت بتأسيس مركز المستثمرين الذي يهدف إلى تسهيل إجراءات المستثمرين، كما قامت بتخفيض رسوم إصدار السجلات وزيادة رأس مال بنك البحرين للتنمية.

ما الذي يحدّ من قدرة الاقتصاد البحريني على جذب الاستثمار الأجنبي، وبالتالي النمو بشكل جيد والمحافظة على نمو مستدام وتوفير فرص عمل ذات مردود عال ومناسب للمواطنين البحرينيين؟

- المشعل: البحرين جاذبة للاستثمارات وهي واحة للمستثمرين. والأرقام التي ذكرها حسين المهدي تدل على ذلك, فنحن قادرون على جذب الاستثمارات الأجنبية كما أن هذه الاستثمارات تظل في البحرين ولا تخرج مرة أخرى. فجذب 3 مليارات دولار خلال سنة لم يخرج منها إلا 300 مليون دولار تدل على أن البحرين أوجدت قاعدة قوية للاستثمار.

برأيي أن ما ينقصنا في هذه التقارير هو التسويق, المشكلة انه لا يوجد تسويق جاد للبحرين, فنحن الوحيدون في المنطقة الذين لديهم مركز واحد للمستثمرين إذ يذهب المستثمر لمكان واحد فقط وينجز جميع معاملاته, نحن من البلدان القليلة التي يوجد فيها استملاك 100 في المئة بالنسبة للشركات الأجنبية, ونحن من البلدان القليلة في المنطقة التي حررت السوق من الشركات المحتكرة، هذه الأمور كلها جاذبة للاستثمار، ولكن ما ينقصنا هو التسويق لكل ذلك بالإضافة إلى متابعة التقارير. فقبل إصدار تقرير التنافسية يتم تنظيم طاولة مستديرة تشارك فيها الكثير من الدول بجانب المختصين بإصدار التقرير ويتم التباحث من خلالها فيما سيحتويه التقرير، فإذا لم يكن هناك أحد ليمثل البحرين في الجهة المقابلة ليثبت للمختصين عكس الفكرة التي تكونت لديهم ويوضح لهم الأمور المستجدة فإن ذلك يؤخذ علينا, كما ذكر الإخوان فإن أكثر المعلومات التي يتم الحصول عليها للتقرير تأتي عبر رجال الأعمال، فإن كانت الفترة التي يتم الاستقصاء فيها غير مواتية أو أن رجل الأعمال كانت أرباحه هابطة في تلك الفترة فإنه سيعطي انطباعه الخاص بتك الفترة.

الممارسات البيروقراطية

- المهدي: إن إحدى التحديات التي تواجهنا بالإضافة إلى ما ذكره الأخ يوسف المشعل تتمثل في البيروقراطية الممارسة لدينا، فمثلا منذ فترة بسيطة أردنا إقامة مشروع ضخم مع احد رجال الأعمال المعروفين في المنطقة وعندما ذهبنا إلى الجهات المختصة لإصدار التراخيص طلب منه الذهاب لأخذ بصماته فما كان منه إلا أن رجع في طيارته الخاصة. ربما يطلب اخذ البصمات من شخص مشكوك فيه وهذا قانون, أما أن يطلب ذلك من رجل أعمال معروف في المنطقة فإن ذلك لا يرضي حتى الوزير المختص. هذا يقودنا إلى البيروقراطية التي يمارسها بعض الموظفين، فهؤلاء لا يهتمون بالانطباع الذي يتركونه عند الآخرين.

كما أن البطالة تشكل لدينا تحديا كبيرا، فالأرقام الرسمية تشير إلى أن نسبة البطالة في حدود 5 في المئة الا أن هناك مصادر أخرى تشير إلى أن نسبة البطالة هي 15 في المئة، وأخرى تشير إلى أن النسبة 30 في المئة. ولدينا كذلك مشكلة الفقر فهناك أرقام «الايتكوا» التي تشير إلى أن نسبة الفقر في البحرين تصل إلى 11 في المئة تقريبا. كما أن لدينا مشكلة تحويلات العمالة الأجنبية للخارج التي هي في حدود 3 مليارات دولار. ليس من العيب أن نذكر أخطاءنا، فسمو ولي العهد يتحدث عن ذلك بكل شفافية، إذ أكد أن سوق العمل لدينا يشكو من هشاشة، وان لدينا تشوهات كبيرة في سوق العمل فكل عشر وظائف يخلقها السوق تذهب ثمان منها إلى العمالة الوافدة، كما لدينا مشكلة ارتباط الدينار البحريني بالدولار وان كانت البحرين اقل تأثرا من باقي الدول الخليجية ولدينا نقص في مراكز البحوث... هذه الأمور ربما تعد أمورا صغيرة ولكنها تقصم ظهر البعير، وتؤدي إلى تقويمات لا تليق بنا من قبل المؤسسات العالمية.

تم في العام 2005 تشكيل المجلس الوطني للتنافسية بهدف ترجمة المعايير الدولية على المستوى الوطني، واصدر هذا المجلس تقريرا يتيما في العام نفسه وبعد ذلك تم تجميد عمله؟ هل هناك أسباب لذلك وكيف اثر ذلك على تأخر البحرين في السنوات اللاحقة؟

- اليوشع: لم نسمع من قبل ان هناك تقريرا صدر عن المجلس الوطني للتنافسية.

- المشعل: أين المجلس الوطني للتنافسية؟

هذا هو السؤال المطروح؟

- المشعل: إن كان هناك مجلس وطني للتنافسية وصدر عنه تقرير في العام 2005 فإن السؤال الذي يطرح نفسه ونحن في العام 2007 أين هو المجلس الوطني، وما الذي قام به خلال هذه الفترة, فالمجلس هو الجهة التي يجب أن يتوجه إليها في هذه التقارير ويسوق البحرين بصورة أفضل.

شخصيا لا أحب استخدام كلمة البيروقراطية التي ذكرها الدكتور حسين المهدي، ولا أظن أن لدينا بيروقراطية, وإنما هناك نوعيات من الأشخاص الموجودين على «الكونتر» أو الطاولة الذين يتعاملون بشكل مباشر مع المستثمرين, يجب اختيار هؤلاء الأشخاص بدقة بحيث يكونون هم من يسوقون للبحرين وليس العكس أي من ينفرون المستثمرين من البحرين.

ان اكبر عائق لدينا لجذب الاستثمار هو المواطن البحريني نفسه الذي يجب أن يقتنع أنه هو السلاح لجذب الاستثمارات، فهو الذي بني الاستثمار وهو الذي يهدمه, ولا يهم ما تضعه الحكومة من قوانين أو تنميه من بنية تحتية إذا لم تكن لدى المواطن نفسه الدراية الكافية بأهمية الاستثمار.

- المهدي: لقد تدربت في صندوق النقد الدولي في العام 1979 وعملت في الصندوق في العام 1984 ووجدت ان العمل يتم هناك بحرفية عالية جدا ولا يهمهم من يتعامل معهم من الدول، ولذلك يلاقي بعض الانتقادات لأنه يعمل بحرفية تامة وهناك مقولة تعني «أن البنك الدولي يعامل كملك؛ لأنه يقدم مساعدات في حين يعامل صندوق النقد كعدو؛ لأنه يرشد بوضوح عن نقاط الضعف». المشكلة ان الثقة منعدمة في الأرقام الرسمية التي نقدمها، فدائما ما نفصل أرقامنا حسب الحاجة. الجميع لديهم فرص موجودة وتحديات ومواطن ضعف، ودعنا نركز على مواطن القوة لدينا ونكبرها ونسوّقها، ونحاول أن نعمل على تصحيح مواطن الضعف فليس من العيب أن نذكر أن البحرين الأولى من حيث البنية التحتية ولكنها من ناحية التشريعات والقوانين في المرتبة الثانية أو الثالثة خليجيا. هدفنا النقد البناء وليس الهدم، ولذلك يجب أن نزرع الثقة في أرقامنا أولا.

الأرقام الرسمية غير موثوقة

- اليوشع: مشكلة الأرقام لدينا كبيرة جدا, هناك بروفيسور في جامعة كامبردج إيراني الأصل اسمه هاشم فسران وهو متخصص في علم الاقتصاد والإحصاء وهو من أفضل المختصين في هذا العلم, هذا العالم انتقد لعدم تقديمه ولو دراسة واحدة عن إيران رغم دراساته العديدة عن بريطانيا وأميركا وغيرها من الدول، فرد بأن المشكلة ليست مشكلته هو وإنما مشكلة إيران نفسها وان عمله هو تحليل الأرقام فإن كانت إيران تعطي أرقاما نسبة الخطأ بها عالية فبالتالي ستكون في التحاليل التي يقوم بها نسبة خطأ عالية, وعندما سئل عن الدراسات عن الدول النامية قال ان الشيء نفسه يحصل هناك.

الجميع يتعامل مع الأرقام التي تقدمها الدول النامية بحذر كما يجب أن يتم التعامل مع قائمة التنافسية بحذر أيضا؛ لأنه كما تفضل الدكتور جعفر فإن هذه النتائج تمثل رجال الأعمال فقط في حين أن لدينا في أية دولة رجال أعمال ومجتمع مدني وسوق عمل. ولكن بالنسبة للعاملين في هذا المؤشر فإنهم تجاهلوا المجتمع المدني والقوى العاملة, ولذلك نجد أن من يعترض أو يتظاهر ضد اجتماعات دافوس هم أساسا من مؤسسات المجتمع المدني ونقابات العمال, ولذلك أدرك القائمون على هذه المؤشرات أخيرا انه لابد من استيعاب هذين الطرفين لأنهم طرفإن مهمان في عملية التنمية.

أما فيما يتعلق بالاستثمارات في منطقة الخليج فلدي وجهة نظر في هذا الموضوع وهي انه لا توجد لدينا مشكلة في اجتذاب رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في الخليج، فلدينا مئات المليارات والحديث يدور الآن عن أكثر من تريليون دولار تعود للخليجيين تستثمر في الخارج، كما أن لدى المستثمرين البحرينيين عشرات المليارات المستثمرة في الخارج. ما نحن بحاجة إليه هو خلق فرص استثمارية تنسجم مع توجه نقل البحرين مما هي عليه الآن إلى مصاف الدول المتقدمة, فالبحرين اجتازت المراحل الأولى للنمو ولكن المطلوب منها الآن انتقالة نوعية يمكن أن تكون الطفرة الحالية للنفط، ووجود هذه الإمكانات الضخمة فرصة مواتية لها.

لو دققنا قليلا في الاستثمارات الأجنبية التي استقطبت إلى البحرين لوجدنا أن غالبيتها وقد يصل ما نسبته 80 إلى 90 في المئة منها مستثمرة في العقارات، ولكننا في الوقت الحالي بحاجة إلى التنويع في القطاعات الإنتاجية، وأن نبتعد قليلا عن العقار لأنه لا يضيف قيمة مضافة, إننا في حاجة ماسة إلى الاستثمار في قطاع الصناعة الذي لا يتم الحديث عنه بينما لا توجد أية دولة في العالم أصبحت متقدمة ما لم تكن صناعية. ونحن في مرحلة متقدمة بأن نكون دولة متقدمة، ومن متطلبات ذلك أن نكون دولة لديها صناعات.

البحرين من الدول القليلة التي لديها علاقات متميزة مع العالم الخارجي ولديها قبول من الآخرين, وقد قامت الولايات المتحدة بتقديم اتفاقية التجارة الحرة إلى البحرين ولم تقدمها للآخرين وذلك لعلاقة الثقة المتبادلة, فهل قمنا باستغلال هذه الاتفاقية لتحقيق أهداف نقل البحرين لمراحل متطورة, والسؤال الأهم هل لدينا ما يمكن تصديره لأميركا؟ وعلى رغم أننا بلد تقدم الخدمات فهل نستطيع أن ننافس أميركا في ذلك.

إن الاستثمارات الأجنبية المباشرة يجب أن توظف في إطار توجه واضح للدولة من خلال خلق الحوافز المشجعة للقطاعات الصناعية.

- المشعل: للأسف لا توجد لدينا استراتيجية واضحة تحفز للاستثمار في قطاعات معينة نحتاج إليها, ولذلك فنحن نسعى إلى استقطاب الاستثمارات في أي مجال وخصوصا في مجال العقار، إذ تصل نسبة الاستثمار في هذا القطاع أكثر من 95 في المئة, كما أن المشكلة أن غالبية هذه الاستثمارات تأتي من المنطقة نفسها وأصحاب هذه الاستثمارات جميعهم بعقلية أصحاب رؤوس الأموال في البحرين أنفسهم الذين يفكرون أنهم تجار وليسوا رجال أعمال, والتجار تعودوا على الاستثمار في القطاعات الآمنة وذات المردود السريع وهذه عقلية التجار في حين أن عقلية الصناعي أو رجال الأعمال تنظر إلى المستقبل البعيد, ولذلك فإني أرى أننا نحتاج إلى تغيير عقلية المستثمرين وتشجيعهم على الاستثمارات البعيدة المدى التي تضيف قيمة مضافة، ومن دون ذلك فإننا لن نستطيع التغلب على التحديات التي تواجهنا وخصوصا في مجال إيجاد فرص عمل جديدة والقضاء على البطالة، فالقطاع المصرفي بالكامل لا يوظف أكثر من 4000 موظف في حين أن شركة ألبا لوحدها توظف أكثر من ذلك.

- اليوشع: لو نظرنا إلى التاريخ الاقتصادي للبحرين لوجدنا انه بعد رحيل الأستاذ يوسف الشيراوي دخل تفكير جديد أو ما يطلق عليه بالمحافظين الجدد, وهذا التفكير يدعو لعدم تدخل الدولة في أي من أمور الاقتصاد وإنما لترك كل الأمور وفق منظومة العرض والطلب. وأنا بصراحة أتساءل أين يوجد مثل هذا الفكر في أي بلد في العالم، فحتى في الولايات المتحدة تدخلت الحكومة لإنقاذ القطاع المالي وضخت أموالا ونزلت من سعر الفائدة وهذا حدث في أميركا رب العالم الرأسمالي وحامي حماه, كما أن الاكتشافات التكنولوجية والتقنية تلعب فيها وزارة الدفاع الأميركية دورا كبيرا، كما أن وزارة الصحة تخصص موازنات ضخمة للاكتشافات الطبية وحتى توجيهها, مثال آخر, سنغافورة التي نتحدث عنها اليوم بكل إعجاب فإن تدخل الحكومة السنغافورية وصل إلى درجة ليس في تحفيز الشركات من خلال التخطيط لها ووضع رؤية لها فقط وإنما وصل الحال إلى أن الشركات التي لا يريدونها يقدمون لها حوافز للخروج من البلد. نحن نفكر بشكل خاطئ للأسف, فالتجربة الشرق آسيوية بنيت على تدخل الدولة, فالدولة هي العامل الرئيس في صناعة تاريخ الأمة. مثال آخر دبي, فأي مشروع رئيس في دبي لم تكن الحكومة خلفه؟ وكوريا وتايوان أيضا، جميع هذه الدولة كانت الحكومات فيها خلف المشاريع الرئيسة فيها، ولذلك فإن الدول بالمشاركة مع رجال الأعمال صنعوا هذه المعجزة ولم يصنعها شيء آخر. نحن لا نتكلم عن الستالينية أو النظام المركزي, فهذا الموضوع تم الانتهاء منه, نحن نتكلم عن الدولة الحديثة التي يكون لها دور في تخطيط الاقتصاد, وفي حالة البحرين فإن من المطلوب أن يكون للدولة دور رئيس في التخطيط الاقتصادي.

العدد 1892 - السبت 10 نوفمبر 2007م الموافق 29 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً