لأمانة الموقف، وللتاريخ، ولنزاهة القلم الذي يجب أن يتصف به كل من يحمله، كان واجبا عليّ أن أقول إن الهجمة التي تشن على وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي بشأن زيارتها إقليم دارفور وتقديم العون إلى اللاجئين هناك شابها الكثير من اللغط وعدم الدقة في طرح المعلومات، فليس صحيحا ما يقال إن الوزيرة ذهبت إلى دارفور وهي تحمل في جعبتها أموالا وملايينَ لبناء آلاف المدارس وتعمير عشرات القرى!
كما ليس صحيحا ما قيل إن الحكومة بنت مسجدا ومركزا ثقافيا وأنشأت إذاعة في دارفور، بل من قام بكل ذلك المنظمات الأهلية، وما فعلته الوزيرة فقط أنها أعلنت ذلك باسم الجمعيات وليس باسم الحكومة. ما يعيبنا أننا دائما ننظر إلى الأمور بعين واحدة غير منصفة لا تقرأ جيدا ولا تستوعب المكتوب لينعكس ذلك على التحليل الدقيق لمجريات الأمور.
أعلم جيدا أن هناك الكثير من الكتّاب لا يجرأون على انتقاد الحكومة ومجلس الوزراء الذي أقر تقديم الدعم إلى إقليم دارفور الفقير المعدم الذي يحتاج إلى من يدعمه ويسانده، إلا أنهم يجرأون على انتقاد الوزير أو الوزيرة لتنفيذ القرار، على رغم أنهم يعلمون أن الوزير يقوم بواجبه بتنفيذ قرارات مجلس الوزراء، فلا يمكن أن تلام على قيامها بواجبها.
المغالطات كثيرة والاستهداف أكبر من تلك المغالطات، فليس من العدل أن نشن هجوما على البلوشي التي قامت بواجبها ونقلت المساعدات، وكما يقال: «ناقل كلمة الكفر ليس بكافر»، هذا إذا رأى البعض أن تقديم الدعم والمساعدة إلى المتضررين من بني جلدتنا كفرا في الأصل.
أقلام خرست عندما قدمت الحكومة دعما ماليا إلى لبنان وقدرها خمسة ملايين دولار وهو ما يعادل أضعاف ما قدمته إلى دارفور، كما أن الأقلام لم تتحدث عن الدعم الذي قُدِّم إلى تركيا بعد الزلزال الذي ضربها أو إيران وغيرها من الدول التي كانت الحكومة تدعمها في مثل هذه الحالات الإنسانية.
قد لا نكون منصفين فيما نقول عندما نجد أن طلاب مدارس الخرطوم وحدهم قدموا دعما ماليا يعادل ضعفي ما قدمته البحرين، وعندما نجد أن فلسطين قدمت الدعم ذاته وهي تعتذر إلى كل الموجودين لتقصيرها تجاه إخوانهم المسلمين؛ لأن بحسب تعبير ممثلها «العين بصيرة واليد قصيرة».
نعم، الانتقاد يجب أن يوجه إلى الحكومة التي تقر دعمها الكثير من الدول وتنسى أن لديها شعبا فقيرا في بلد غني، وهذا موضوع آخر لا يمكن تحميل وزره لوزير أو وزيرة في دائرة أكبر تسمى الحكومة. الانتقاد لمن يريد الانتقاد أن يوجهه إلى الحكومة التي تتجاوز في سياساتها قرى ومناطقَ فقيرة معدمة، والانتقاد يجب أن يوجه إلى نواب الشعب الذين نسوا من أوصلهم إلى كراسي السلطة.
ومع كل ذلك مازلت أؤكد - كما قلت من قبل - أن بلدنا غني وقادر على دعم ومساعدة إخواننا وأشقائنا في مختلف البلدان العربية والإسلامية، إلا أنه بخيل على شعبه وكريم على غيره نتيجة سياسة عامة منتهجة ومبرمجة لا يتحمّل وزرها وزير أو وزيرة.
إقرأ أيضا لـ "هاني الفردان"العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ