لم يكد يمض ذلك اليوم الطويل إلا بشق الأنفس، وما كان ينقصنا إلا مجالسة بعض المراهقين الذين يتحدثون عن مغامراتهم في الحوط والبرية... كان الحلاق مليئا بالزبائن على غير العادة، فلم نكن في يوم الجمعة ولم تكن هناك أية مناسبة تذكر، ولكن يبدو أن هؤلاء المراهقين قد قرروا أخيرا إزالة بعض الشعر من على رؤوسهم ولحاهم!
حديثهم لم يتغير طوال الدقائق المملة التي قضيناها في الحلاق، بدأه أحدهم ولم يتوقف «صدقني خوك خذها، وش تبغي أكثر، طويلة وبنت أصل ولا أظن بتحصل وحدة أحسن منها». فرك الآخر شعره ولحيته وقال: «لكن ما عندي ألحين فلوس، ولا حتى مكان، يعني وين أوديها إذا أخذتها، وما أظن (فلان) بيرضى يعطيني إياها»... لوهلة ظننا أنهما يتحدثان عن خطبة أو عن مغامرة عاطفية، ولكن سرعان مازال الغموض عن الحديث، حين عاد الأول وتسلم زمام الحديث «والله هذي الكلبة عجيبة، وإنت الخسران»!
الغرابة لم تكن في حديث الكلبة – أعز الله القارئ والسامع - بل واصلوا الحديث عن أمور أخرى، فتارة يتطرق أحدهم إلى حمار الحوطة الفلانية الذي لا يمكن لأي أحد إلا حمود السوبرمان امتطاء صهوته! بل إن بعض الحمير اكتسبت بعض صفات الأسود والنمور وتصدر أصواتا مخيفة عندما يقترب منها الغرباء وتعضهم وتنهش لحومهم، ولم يتبق إلا أن تتحول إلى حيوانات آكلة للحوم!
ولعل الأكشن في الحلاق وصل ذروته حين تحدث المغامرون عن «سبال الحوطة» الذي يفتك ببقية الحيوانات، ولديه أنياب وصوت مخيف، وكم كانت القرية التي تقع بالقرب من الحوطة مليئة بالذعر حين فر من قفصه الذي لم يتحمل قوة عضاته، ولكن ولله الحمد فقد كان سوبرمان موجودا أيضا في ذلك الموقف وأعاد القرد المفترس رغما عن أنفه مذلولا خانعا إلى القفص!
مساكين هؤلاء المراهقين، بل كم هم مساكين أولئك الشباب الذين لا يجدون من يفتح لهم باعه ليحتضنهم ويغدق عليهم ما ينفعهم، ولا يجدون لهم سبيلا إلا الانخراط في مغامرات من الأحلام وسط بعض الحوط ووسط رفقاء لا يملكون لهم إلا مستقبلا كالليل الأليل! وإذا سألنا أنفسنا كم لدينا من المراكز الاجتماعية والثقافية، وكم هي أنشطة مؤسسات المجتمع في القرى والمدن، وحين نحصل على أرقام فإننا سنلتمس – للأسف - الأعذار لبعض الشباب الذين يلقون بأنفسهم في كثير من الأحيان إلى التهلكة.
نحن لا نقول إن الحوط كل الحوط تفسد أخلاق الشباب، والتعميم لا يصيب الحق في غالبية الأحيان، ولكننا نقول إن شبابنا يستحقون ما هو أفضل من الحوط، فلا أظن أن هناك مانعا من أن يمارس بعض الشباب هوايتهم إذا كانوا من محبي ركوب الخيل أو الحمير أو حتى البقر، ولكننا نقف حين تتحول هذه الهواية إلى هدف وأسلوب حياة...
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ