أكد آخر مندوب للعراق في الأمم المتحدة في ظل نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، محمد الدوري أن تقسيم العراق ستكون له آثار مدمرة إقليميا وعالميا، مشيرا إلى أن «الأمم المتحدة» صادقت على انتهاك حقوق الشعب العراقي عبر تجويعه، لافتا إلى أن الحصار الاقتصادي محرم دوليا وهو لا يختلف عن استخدام السلاح النووي، في الوقت الذي تقف فيه جامعة الدول العربية موقف المشلول مما يجري. جاء ذلك في حديثه في ندوة «احتلال العراق والأمم المتحدة والكذبة الكبرى»، في نادي العروبة أمس الأول.
وأضاف «اتخذ المحتل عدة وسائل للتقسيم وهي إعلان مناطق الحظر الجوي، وصولا إلى الحظر الاقتصادي، ومن ثم جاء قانون تقسيم الدولة الانتقالية، الاقتتال الطائفي، وإعلان حكومة كردستان، وللأسف لا توجد وسائل كثيرة للمواجهة، فأميركا دولة قوية باستطاعتها أن تفعل ما تريد من دون التورع عن النتائج المترتبة على ذلك، ومن مصلحة الجميع أن يقفوا ضد هذا التقسيم، وجامعة الدول العربية بعيدة كل البعد عما يحدث للأسف».
احتلال العراق والكذبة الكبرى
وانطلق الدوري في حديثه بمقدمة عن احتلال العراق، قائلا: «بساطة العراق احتل من قبل دول أجنبية، وتحديدا أميركا وبريطانيا عبر حرب عدوانية من دون سند قانوني، والجميع يعلمون بأن هناك احتلالا لكامل تراب الوطن العراقي (...) إن المتتبع لما يحدث في العراق يعلم جيدا بأن الانتخابات والدستور هي من صنع المحتل، فما سمي دستور عراقي، هو دستور لم يكتبه عراقي بل كتبه أستاذ قانون أميركي، ولا يجوز للاحتلال بحسب الاتفاقات أن تفرض أي قانون إلا بما يتعلق بعلاقة المحتل مع الشعب الذي يقع عليه الاحتلال».
الأمم المتحدة واحتلال العراق
ويرجع الدوري إلى فترة ما قبل الحرب على العراق موضحا «لقد عشت فترة ما قبل الحرب تفاصيل علاقة الأمم المتحدة مع العراق، وكمقدمة نقول ان منظمة الأمم المتحدة هي نظام بيروقراطي، ينظم عملها نظام يسمى ميثاق الأمم المتحدة، أعده وفرضه على هذه المنظمة الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وهي أقوى دول العالم في ذلك الوقت ومازالت من أقواها».
وأضاف «بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، لم يعد له ولا للصين وجود في هذه المنظمة، ولكن تأثير هاتين الدولتين المعنوي والشكلي لايزال قائما، ولذلك اضطرت الأمم المتحدة لخوض حرب على العراق من دون الحاجة الى مصادقة مجلس الأمن، وكان لهاتين الدولتين موقف معروف من هذه الحرب. ولأن الحرب شنت من دون موافقة مجلس الأمن فإنها حرب غير شرعية، ولذلك قال الأمين العام بعد فترة طويلة من الحرب إن هذه الحرب لا علاقة لها بالأمم المتحدة. والسؤال الذي يطرح نفسه هو: لماذا لم يستطع الأمين العام للأمم المتحدة السابق قول ذلك أثناء الحرب، هل لأنه مجرد موظف صغير أمام قوة جبارة؟ ولكن لا ضير أن نوثق بأن هذا الموقف كان الموقف الوحيد الذي قارب الصحة من هذه المنظمة تجاه هذه الحرب».
ونوه الدوري بأنه «كانت الأمم المتحدة مشلولة تماما أمام إرادة الولايات المتحدة الأميركية منذ سقط جدار برلين، وأضحت مجرد عمارة من دون عمل... وباتوا ينتظرون أن يأتي بوش ويلقي كلمته ويسافر ويملي ما يجب عمله ويسافر. وليس بغريب أن تكون جميع المبادرات التي تقدم للأمم المتحدة هي أميركية الصنع، والولايات المتحدة كانت تصدر ورقة تسمى ورقة موقف تعمم على السفراء ليلقوا الموقف نفسه ولو بأشكال مختلفة، وبالتالي فإن الموقف الذي يصدر في مجلس الأمن مفروض عليه أساسا. وهذا الأمر حتى اليوم قائم، وذلك لأن روسيا لم تستعد بعد قوتها، والصين مازالت تفكر في مصالحها الاقتصادية».
وعن مواقف سفراء الدول يقول الدوري: «كان ممثل روسيا هو الأشجع بين الممثلين الذين تعاملت معهم في فترة الحرب، أما سفير الصين فقال لي بعد اتصالات عدة، إن علاقة بلاده بأميركا 120 مليار دولار، فكم علاقة الصين بالعراق؟ (...) أنتم تعرفون أن الحصار الذي ضرب على العراق بعد شهر آب، أدى إلى قتل ملايين من البشر، وأخذ العراقي يأكل خبزا ممزوجا بالتراب. وطوال هذه الفترة لم يستطع أحد أن يغير شيئا عن هذا الحصار، وبعد أن ضج الوضع نظرا الى ما يحدث للأطفال والشعب العراقي، تحول هذا الحصار إلى برنامج «النفط مقابل الغذاء» وكأن الشعب العراقي بات حيوانات تتغذى بفضل هذه الدول. والنتيجة كانت معروفة مسبقا، فما الذي كان سيحصل لشعب فرض عليه حصار اقتصادي طوال فترة 12 عاما. وكان هذا مقدمة واضحة إلى الحرب العدوانية على العراق المنهك».
وقال: «ثم جاء التحضير لضرب العراق بحجة أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل(...) العراق لا يمتلك أية أسلحة دمار شامل والأمم المتحدة تعرف ذلك. وأقرأوا ما يقوله البرادعي: العراق لا يملك سلاحا ننويا، ولكن عليه أن يتعاون مع الأمم المتحدة، ورئيس المفتشين إبان تلك الفترة بلكس كان يكلمني يوميا بأن على الحكومة العراقية تسليم أسلحة الدمار الشامل. وكنت أقول له إن العراق لا يملك أسلحة والخبراء يؤكدون ذلك، فيجيب: أنا أعلم بأن لديكم سلاحا شاملا، وبعد ذلك يصدر كتابا يقول فيه إن العراق لا يمتلك أسلحة دمار شامل!».
وأكد أن تقارير الأمم المتحدة لم تكن فيها من الصراحة بحيث تقول للعالم الحقيقة، والنظرية تقول ان المتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولكن العراق متهم وعليه أن يثبت تهمته لا براءته! ولا أبالغ حين أشير إلى أنه لم تبق لا مدرسة ولا غرفة ولا قن دجاج، ولا مزرعة ولا سطح ولا حمام لم يفتش على امتداد العراق، ولم يجدوا شيئا، ومع ذلك يأتي رئيس التفتيش بلكس ليقول أخرجوا أسلحة الدمار الشمال.
استمرار المحتل وأهداف الحرب
ينتقل الدوري للحديث عن الكيفية التي رسمها المحتل للبقاء في العراق، موضحا «كأن الولايات المتحدة هي التي تمثل القانون الدولي، فبعد انتهاء الحرب كانوا منشغلين بالكيفية التي يثبتون أنفسهم في أرض العراق، فخرجت لنا مسألة الإرهاب، والمعادلة واضحة، فإذا كان هناك احتلال فهناك مقاومة، وإذا خرج الاحتلال لن تكون هناك مقاومة»، ويستدرك الدوري «صحيح أن هناك إرهابا في العراق، ولكن هذا الإرهاب من صنع أميركي، كما أن كل مقاوم إلى الاحتلال الآن هو إرهابي، وطالما بقي الاحتلال فإن الإرهابي بحسب النظرية الأميركية باق».
وسأل الدوري: «بعد هذه الكذبة الكبرى (الأسلحة الكيماوية) لماذا تتمسك الولايات المتحدة بالعراق؟ والإجابة أن هناك أهدافا مرسومة يمكن تلخيصها في تغيير النظام السياسي وهو ما تحقق، وضمان أمن «إسرائيل» وقد تحقق بتحييد الجيش العراقي، وضمان السيطرة على النفظ العراقي طوال 15 عاما وهو ما لم يتحقق بعد، واستنادا إلى هذا وضع قانون ما يسمى بقانون النفط وهو ما تريده الولايات المتحدة بالضبط، وإذا ما تشرع هذا القانون ستنسحب القوات الأميركية من القرى وتتمركز في أماكن معينة معروفة».
وقال الدوري: «كما أن الاحتلال يهدف إلى أن يتحول شعب العراق كتابع يرحب بالاحتلال، والعراقي لم يقبل بهذه النظرية ولن يقبل حاله حال الشعب الفلسطيني(...) والهدف الأهم هو استكمال مشروع الشرق الأوسط الجديد - لم يتحقق بعد - وهذا المشروع ليس من فكر جورج بوش، وهو مشروع شيمون بيريز قبل سنوات. وأعتقد أن عدم تحققه حتى الآن هو بسبب المقاومة العراقية».
وعرج الدوري على وسائل الاحتلال موضحا «يقول بعض الكتاب إن الولايات المتحدة جاءت إلى العراق من دون مخطط، بل جاءت بفوضى وستنتهي بحسبهم برضوخ العراقيين... أنا لم أقتنع بهذا الرأي مطلقا، إذ نجد أن الوجود الأميركي مخطط له إذا لم نقل بالحرف الواحد فنقول بالرؤية، وبعد انتهاء الحرب بفترة بسيطة، حدثت التقسيمات على الأساس الطائفي. وهو سلاح قذر جدا، والطائفية هي أحد أوجه سياسة فرق تسد».
وأضاف «أراد الاحتلال أن يحقق هدف «لبننة» العراق، وهو أن نجعل العراق لبنان ثانية، و»لبننة» العراق يجسدها الدستور العراقي الذي شرعه الفقيه «نوح فيلدمان» أستاذ القانون الأميركي! ومن ثم جاءت الاغتيالات وهدم المراقد الدينية والجوامع، واستخدام السلاح العشوائي أمام العوائل العراقية عبر جماعات متعصبة لتوهم العراقيين أن حمايتهم لا تأتي إلا عبر المحتل فقط، وبعد ذلك انتقلنا إلى عملية التهجير القسري لكل الأطراف».
العدد 1890 - الخميس 08 نوفمبر 2007م الموافق 27 شوال 1428هـ