بحسب أحد المواقع الأميركية الجادة، فإنّ مكتب التحقيقات الفيدرالي (قسم المخابرات الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية) كان قد طلب من محلات تجارية في سان فرانسيسكو معلومات عن مبيعاتهم، وأسماء الزبائن الذين اشتروا «الطحينة» و «الفلافل» في العامين 2005 و 2006، وذلك لاعتقاد اثنين من كبار المسئولين عن اكتشاف الجواسيس بأنّ عملاء الحرس الثوري الإيراني يكثرون من أكل الطحينة والفلافل. وقال الموقع إنّ رئيس التحقيقات مايكل ماسون ألغى هذا المشروع قائلا إنه لا يمكن ملاحقة الناس والشك بهم لمجرد أنهم يأكلون نوعا من الوجبات.
المضحك أنّ الإيرانيين ليس معروفا عنهم أكل الطحينة والفلافل، وهي أكلات تختص بها الدول المطلة على حوض البحر الأبيض المتوسط أكثر من غيرها، فعرب الشام واليونانيون واليهود يحبّون هذه الأكلات، أما الإيرانيون فإنّ المطاعم الإيرانية مملوءة بـ «جيلو كباب» وهذه المطاعم تُخبرك عن الأكلات التي يُحبُّها الإيرانيون. كما أنّ الموقع قال إنه راجع سجلات المحاكم في تلك المنطقة ولم يجد قضية مسجلة ضد جاسوس إيراني قُبض عليه لأنه أكل الطحينة، كما لم يكن معروفا كيف استطاع قسم مكافحة التجسسس الحصول على معلومات عن الزبائن من المحلات التي استهدفوها. ثم إنّ الإيرانيين إذا كانوا يحبّون نوعا من الوجبة، فإنهم سيأكلونها سواء كانوا يوالون أو يعارضون النظام.
مثل هذه القصص تعود بنا إلى المعلومات الخاطئة التي استخدمت من قِبَل الأميركان والبريطانيين كذريعة لغزو العراق، فقط ليكتشفوا أنّ الذرائع التي عُرضت في اجتماعات الأمم المتحدة والبرلمانات المعنية لم تكن صحيحة، بل إنها مبالغ فيها من كلِّ جانب. وفي الحال البريطانية، اكتشف أحد طلبة الدكتوراة أنّ جزءا من بحثه قد استُخدم كمادة «استخبارية» عن تورُّط النظام العراقي السابق في بعض القضايا التي رددتها الحكومتان البريطانية والأميركية آنذاك.
حاليا، فإنّ هناك من يتحدّث عن احتمال قيام إدارة بوش بضرب إيران، وأنّ هذا الاحتمال صعدت نسبته إلى نحو 30 أو 40 في المئة، وأنّ الرئيس بوش لا يمكن توقُّع ما سيقوم به على نحو اليقين، فقد يجد أنها الفرصة الأخيرة أمامه لتوجيه ضربة موجعة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن المشكلة أنّ المعلومات التي يعتمد عليها الأميركان متطورة فقط إذا كانت تتعلق بجانب التنصُّت والالتقاط الالكتروني، ولكنها عاجزة جدا فيما يتعلق بالاستخبارات داخل المجتمعات، وقد وصل هذا العجز إلى داخل أميركا أيضا ليبحثوا عن أكلة الطحينة لاعتقادهم بأنّ ذلك سيدلُّهم على جواسيس إيرانيين داخل أميركا.
إننا نمرُّ بمرحلة حرجة في منطقتنا، وقد وصل بنا الحال إلى اننا لا نستطيع أن نؤثّر في القرارات الاستراتيجية التي تتخذ بشأن منطقتنا والتي قد تنقلنا من مصيبة إلى أخرى، والأكثر مرارة أنّ القرارات التي تتخذها القوى المهيمنة على منطقتنا اليوم تندفع نحو هذا الاتجاه أو ذاك مستخدمة معلومات مغلوطة، وفي أحيان أخرى تستعين بوجهات نظر ايديولوجية كتلك التي يؤمن بها المحافظون الجدد في الإدارة الأميركية. إنّ أملنا في خلق نظام أمني متعدد الأطراف لمنطقتنا، تشترك فيه الدول المهمة عالميا، والمهمة إقليميا، تماما كما هو الحال في كل المناطق الحساسة في أنحاء العالم... والبحرين ستستضيف «حوار المنامة» ما بين 7 و9 ديسمبر/ كانون الأول المقبل، وسيتداول خبراء الأمن والاستخبارات والدفاع في الدول المهمة عالميا وإقليميا موضوع أمن الخليج، وأملنا أن يخرجوا بوجهات نظر أكثر عقلانية من التي سمعناها لحد الآن.
إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ