عاد بعد رحلة علاج ليست بالقصيرة بعد أن أمعن النظر للمرة الأخيرة في مرآة باحثا عن ملامح كانت تائهة منه ولملم شتات ماضيه ولم ينسَ حقيبته المليئة بأوراق وتقارير طبية سئمت أنامله، قاصدا أرضا أبت أن تنصفه يوما... عاد وكله أمل أن يطوي صفحة خطت بدايتها بالألم والخزي على أمل أن تذيل نهايتها بقليل من العدل، وفي عودته وتحديدا في قاعة انتظار العائدين من السفر اشرأبت عنقه بحثا عن أهله وذويه وأصحابه وأحضان بلاده على رغم قسوتها... عاد «حسين» لا «زينب ربيع» بعد رحلة علاج لتصحيح جنسه بعد أن عانى لأكثر من ثلاثين عاما من اضطراب جنسي وهرموني... عاد إلى أرض الوطن رجلا سويا معافى.
تحدى الألم ونظرة المجتمع القاسية ليعيش ما تبقى من عمره كغيره. لم يطلب الكثير وبعودته معافى عاد ليحقق ذاته على كرسي عمله الذي سبق أن أوقف عنه بعد إعلانه عن رغبته في العلاج، عاد لأصحابه وأقرانه لجمعية أعتاد على حضور ندواتها وفعالياتها إلى جمعية الصداقة للمكفوفين، عاد ليحيا حياة طبيعية بلا مرض وبلا اضطراب نفسي، عاد لمجرد أن يحيا حياته كرجل وموظف وزميل وصديق وأخ وجار.
ولم تدم فرحته طويلا فسرعان ما استفاق من حلمه ليرى نفسه أمام كومة من التقارير الطبية والقرارات القانونية، تحيط به جدران غرفة سئمت وجوده موقوفا عن العمل وينتظر بفارغ الصبر ميعاد سفره المقرر في الثامن والعشرين من الشهر الجاري ليسدل الستار على هذه القصة التي عاش معها وبها، فيتحقق حلمه...
وفي لقاء قصير له مع «الوسط» آثرنا تلمس الجانب الإنساني من قصته والدوافع التي جعلت منه بين ليلة وضحاها حديث الصحف في مسألة قلما تشهد تفاصيلها النور في مجتمع شرقي لم يتقبله كأنثى ورفضه كذكر.
منذ أعوام مضت، اتهمه البعض «بعدم الرزانة وسوء الأخلاق» لتقربه من الذكور تقربا تفرضه عليه طبيعته الذكورية المدفونة خلف حجاب أنثوي واليوم أبى المجتمع فكرة أن يصحح جنسه بعد أن أثبت الطب والشرع حاجته الماسة إلى العلاج فبات رهين ماضٍ عاشه كـ «أنثى» مجبرا لا بطل.
قصة وصور إنسانية تختصر وتجسد مشكلة مجتمعية وطبية وقانونية، تبدأ بنظرة المجتمع الخاطئة إلى مثل هذه الحالات التي يحصرها في دائرة الحرام تارة والتمرد على تقاليد وأعراف المجتمع تارة أخرى، وأخرى طبية تكشف بوضوح قصور القطاع الصحي في التعامل مع مثل هذه الحالات سواء في المستشفيات الحكومية أم الخاصة التي عجزت عن إصدار تقرير طبي يشرح حالته فضلا عن عيادات الطب النفسي التي تتعامل مع مثل هذه الحالات المرضية على أنها حالات شذوذ جنسي علاجها في مجموعة من العقاقير والحقن المهدئة التي تنتهي بصاحبها إلى الانتحار... أو الجنون. ولم يكن القضاء أكثر رحمة من الباقين، فقد أمست الإجراءات الروتينية والتهجم على متبني هذه القضايا من المحامين عراقيل من شأنها أن تصدر أحكاما مسبقة على أفراد كل جريمتهم أنهم مجرد «مرضى» يحتاجون إلى العلاج. «حسين ربيع» الناظر له لايشك ولو لوهلة أنه رجل، مفتول العضلات يجلس وينظر ويتكلم كرجل ولم تكن السنوات الماضية سوى حال وصفها «بتقمص دور ليس بدوره»، وحاضره ما هو سوى تأسيس لتعامل مجتمعي جديد لمثل هذه الحالات وكسر لأعراف وتقاليد بالية ظالمة للوصول إلى مستقبل خالٍ من الكوابيس، ينظر إلى هذه الحالات على أنها لا تتعدى حاجتها إلى العلاج.
ويختم ربيع حديثه بنظرة متفائلة تؤكد أن قصته سيتناقلها الجميع لفترة وإن طالت إلا أنها ستنتهي وسيتم تذكرها عندما تظهر حالات مشابهة إلا أنها ستؤسس شيئا من لا شيء، وستجعل المجتمع أكثر وعيا، فتدق أجراس وزارة الصحة معلنة ضرورة تصحيح أوضاعها وتسلط الضوء على الإجراءات القانونية لمثل هذه الحالات والأهم أن قصته ستمسي كالكتف التي من المؤكد ستتكئ عليها حالات مشابهة في المستقبل لتجاوز الألم وتحدي القدر.
العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ