لم يتم الاتفاق إلا على مكان انعقاد المؤتمر المقترح، في أعقاب الزيارة الرابعة لوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس للشرق الأوسط للإعداد لمؤتمر السلام.
يبدو الأمر قاتما جدا، وليست هناك أية نتائج تذكر للجهود التي بذلت حتى الآن.
بذلت رايس في وقت مبكر من زيارتها جَهْدا للحد من التوقعات بشأن المؤتمر. وهذا لا يشكل أمرا جيدا ويرسل إشارات مختلطة ومربكة. أثناء تَكرارها التزام إدارة الرئيس بوش إنشاء دولة فلسطينية، أوضحت وزيرة الخارجية بعد اجتماعها بعدد من المسئولين الإسرائيليين أن الإدارة لن تضغط بشدة باتجاه إعلان يحدد النتائج أو يضع جداولَ زمنية، وهما مطلبان فلسطينيان أساسيان.
لم يكن هناك تركيز أثناء اجتماعات رايس مع الإسرائيليين على الاختناق الذي لا يحتمل، الذي يعاني منه سكان غزة، والقليل جدا من الانتباه الموجه إلى المصاعب المفروضة على الضفة الغربية. كذلك ألقت عملية مصادرة «إسرائيل» مساحة واسعة من الأراضي شرق القدس بظلالها القاتمة، حيث تنوي «إسرائيل» إقامة طريق التفافي يكمل واقعيا فصل شمال الضفة عن جنوبها.
على رغم أن الولايات المتحدة كانت قد حذرت مسبقا من «تصرفات من جانب واحد» (يشكل ذلك توبيخا فقط) في إحدى مراحل هذه الزيارة، فإنه بدا كأن رايس تقلل من أهمية عملية المصادرة الأخيرة هذه، بل تقدم عذرا وتبريرا لها.
وقد أبرزت وزيرة الخارجية الأميركية موضوع لقاءاتها مع الكثير من العناصر المشاكسة التي تشكل حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، إذ قام كل منهم بطريقته الخاصة ببسط اعتراضاته على، و/أو شروطه المسبقة لمؤتمر السلام. وبسبب عدم خوفهم من ضغوط من الولايات المتحدة فقد أوضحوا جميعا أنهم ليسوا على استعداد للاستسلام للفلسطينيين.
على رغم متابعتي هذه العملية عبر عقود عدة، مازلت أصاب بالدهشة من كيفية تمكّن الإسرائيليين من استخدام خلافاتهم الداخلية لصالحهم، ويقفون موقف الطرف الضعيف الذي يحتاج إلى الدعم الأميركي. بعد سماع هذا الخليط المتداخل من الأصوات الإسرائيلية. اضطرَّت رايس طبعا إلى إعطاء الإسرائيليين ورئيس وزرائهم الضعيف المزيد من التطمينات.
في نهاية المطاف لا تشعر «إسرائيل» - كما يبدو - بأنها مضطرة للتجاوب مع المتطلبات الفلسطينية للسلام أو لأن تغير سلوكها. وهناك دلائلُ كثيرة على ذلك. فمصادرة الأراضي الفلسطينية المذكورة أعلاه بهدف إنشاء طريق التفافي، والجهود المتواصلة لتوسيع المستوطنات وفي الوقت نفسه ينطبق على الحصار المتزايد حدة على غزة، والذي يشكل عقابا جماعيا قاسيا.
وهذا يضع الفلسطينيين والقيادات العربية، الذين أوضحوا التزامهم مؤتمر السلام هذا والذين استثمروا في الواقع الكثير لتحقيق نتائجَ له، في مأزق. ففي غياب شريك أميركي ملتزم مستعد للضغط المباشر على «إسرائيل» ستفشل المحادثات بالتأكيد. ولكن ليس الفشل خيارا. فالفائز الوحيد من الفشل هو اليأس والتطرف، وسيدفع العرب أغلى ثمن. فقد بدأ بعض الناطقين باسم «حماس» إبداء الشماتة، مشيرين إلى نقاط ضعف «المعتدلين» و «غبائهم» لثقتهم بالجهود التي تقودها أميركا.
حتى يتسنى إنقاذ الوضع يحتاج العرب إلى أن يتّبعوا استراتيجية مستقلة بإصرار وشدة بدلا من أن يكونوا متقبّلين مسالمين لأية دبلوماسية غير فاعلة تستطيع الولايات المتحدة تقديمها، وبدلا من السماح للنجاح أو الفشل لأن تقررهما نتائج المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية غير المتكافئة، يجب على الأطراف العربية الرئيسية - بما فيها على الأقل السلطة الفلسطينية ومصر والأردن والمملكة العربية السعودية - أن تقوم بصوغ واقتراح بيان مشترك تضم عناصره:
- سردا مفصلا للسلوك الإسرائيلي الذي يعمل على تدمير الحياة الفلسطينية والأمل في دولة فلسطينية مستقلة.
- قائمة محددة وواقعية للسلوك الإسرائيلي الذي يجب أن يتوقف قبل أن يُعْقد أي مؤتمر سلام.
- شرحا مفصّلا لمقترحات القمة العربية التي تضع بالتفصيل ما يجب أن يبدو عليه السلام النهائي، والخطوات المتتابعة للتطبيق، ويضع جدولا زمنيا واقعيا لتحقيق الدولة الفلسطينية.
- نداء لتأجيل اللقاء المقترح إلى أن تستجيب «إسرائيل» والولايات المتحدة لهذا النداء العربي الموحد.
خلال الأسابيع أو الشهور المرحلية، وبينما تقوم الولايات المتحدة و «إسرائيل» بتشكيل ردهما، يجب على الطرف العربي أن ينخرط في عملية دبلوماسية نشطة لإسماع ندائه لـ «إسرائيل» والولايات المتحدة والشركاء الآخرين في اللجنة الرباعية. فوائد هذا التوجّه وحسناته واضحةٌ للجميع، فهو ينقل العرب من دورهم الحالي مراقبين لا حول لهم ولا قوة إلى عملاء نشطين، ويسمح لهم بأخذ المبادرة السياسية نيابة عنهم. كذلك إن هذا الجهد له فائدة إضافية هي تجنب مخاطرة قمة فاشلة.
حقيقة الأمر هي أن في هذا الوقت ليست الحكومات الإسرائيلية والفلسطينية والأميركية في موقع يشجع على التعامل مع التحديات الدبلوماسية الصعبة. من ناحية أخرى، إن الحكومات المصرية والأردنية والسعودية هي في موقف أفضل. يحسن الفلسطينيون صنعا إذا عملوا من خلال هذا المضمون العربي الواسع بدلا من أن يبقوا تحت رحمة الولايات المتحدة و «إسرائيل»، وخصوصا أن الإسرائيليين يبدون في موقف أفضل للتحرك قدما، وليست الولايات المتحدة على استعداد لممارسة الضغط.
بدلا من الحث على إعادة النظر في خريطة الطريق، قد تكون المصالح العربية في حال أفضل إذا جرى العمل على تطوير طريق حقيقي للسلام. قد تساعد حملة دبلوماسية عربية جادة - أكثر من مؤتمر معدٍّ بشكل ضعيف في هذا الوقت - على بعث روح جديدة في عملية السلام وأن تعد الطاولة لمحادثات قادمة.
*مؤسس ورئيس المعهد العربي الأميركي،
والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ