العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ

مَنْ يُجهّز لقبر الفن ؟

ثمة كارثة تشتعل وتزداد يوما بعد يوم لتحصد ما يمكن أن يكون قد بقي تحت الرماد، الرسم، الفن التشكيلي، الفن الحديث وغيرها من المصطلحات المتداولة لتنصب في قالب ومعنى واحد ذي عدة توجهات، ليكون عنصرا لا يمكن التخلي عنه في مهرجاناتنا وبعض الفعاليات التي تقام في مجتمعاتنا وهو عنصر هامشي جدا ومكمل لا يمكن حذفه ولا يمكن التفاعل معه مباشرة ولا الغوص في كنه تفاسيره.

تسعى العين البصرية والفكرة المتشحة بالاعتقاد بغلبة الامتلاء على الفراغ واحتواء جوانبه لإظهار الجانب الجمالي والسيطرة على الشحوب المترامي في المساحات الواسعة لقتل الفراغ من جدران المكان.

لأيف كلين يقيم معرضا من دون أي لوحة أو أثر لأي شيء معروض في الصالة التي تهافتت عليها الجماهير لرؤية جديد أعماله فلم يجدوه إلا وهو واقف مكان اللوحات ينوبها وإعطاء أبعاد أكثر عمق من التي يشاهدها المتلقي بالمحسوسات المادية أو الروتينية في مشاهدات الحياة وعرض الأعمال المألوفة.

«مجتمعنا مسكين من ناحية الثقافة البصرية» هذه هي العبارة التي قالها الفنان العراقي يحيى الشيخ في الملتقى الثقافي الأهلي ردا على سؤال أحد الجماهير مستفسرا عن المعايير الفنية في قياس العمل الفني في ظل التضارب والدخلاء على الساحة الفنية والخوض مع الخائضين.

ولا تدري من أين جاءت ثقافة التضارب أو التهميش البصري وهل هي مقصودة، وإذا حمّلنا الهيئات التعليمية السبب، فإن الهيئة التعليمية لا تدري أنها لا تدري في الأساس، وعندما يشاء القدر أن يكتب لك زيارة لإحدى المدارس لسبب ما، فإنك تجد نفسك في بحر من الإزعاج الفني يلاحقك في كل شبر وعلى كل حائط، ولا تكون هناك بصيرة نقدية في الجوانب الجمالية، ما يحدو بالعمل اللا متناهي في السعي إلى خلق حالات الامتلاء اللوني على الحيطان بالاعتقاد أن كل إناء يمتلئ بما وضع فيه، ويكتمل لتصل إلى أعلى مراتب الكمال الجمالي بصورة الكم لا الكيف.

ولا تفوّت زيارتك هذه من دون أن تقوم بزيارة أعلى سلطة في المدرسة (غرفة المدير) فإنك تجد التواضع جليا على حيطان الغرفة إما لوحة ليس لها أي قيم جمالية قد حظيت بملازمة أعلى سلطة في المدرسة ليس إلا لأنها تسمى عملا فنيا، فهنيئا لها ولا يدري أن ترك الحائط على سجيته أجمل بكثير من المجهود المعمول به، أو إذا كان هناك تطور فإن الجدار يحظى ببوستر مطبوع من لوحة تجارية، ومؤطّر بإطار مملوء بالنقوش والزخرفة، مثل التي كرِّمت بها في يوم عيد العمال كموظف متميز فتورطت بها.

والغريب في الأمر أنني تنبأت بها وتفاجأت بصدق تنبوئي!

فلربما يأتي يوم تتنور فيه المفاهيم على أيدي الجيل الجديد من المدرسين الأكفاء الذين التحقوا بسلك التدريس في السنوات الأخيرة وتتحول كلمة يحيى الشيخ إلى (مجتمعنا غني من ناحية الثقافة البصرية).

سيد حسن الساري - فنان تشكيلي بحريني

العدد 1889 - الأربعاء 07 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً