شأنها شأن الكثير من ظواهر تقنيات المعلومات والاتصالات عرفت الإنترنت تطورات واسعة شملت في حالات كثيرة البنية التحتية، إلى جانب المحتويات التي أصبحت تبثها والخدمات التي باتت توفرها.
واليوم بدأنا نقرأ مصطلحا جديدا نسبيّا في عالم الإنترنت اسمه «الشبكة الثانية» (Web 2.0)، الذي يرمز إلى المفاهيم الجديدة للإنترنت التي تركز على التفاعلية، بدلا من التركيز على نشر المعلومات كما هو الحال في «الشبكة الأولى». وإذا كانت صفة نجاح الشبكة الأولى ارتكزت بشكل أساسي على كثافة نشر المعلومات وسرعة بثها وتقديم الخدمات التي يحتاج إليها الناس فيزورون المواقع التي تقوم بذلك بعد أن يتم اختيارهم الأفضل بينها ويستتبع ذلك مشاهدة الإعلانات أو دفع الاشتراكات للاستفادة من الخدمات المقدمة من قبل تلك المواقع أو البوابات‘ فإن الأمر مختلف هنا إذ إن صفة نجاح الشبكة الثانية ترتكز على مقومات أخرى، فهي تقوم على إيجاد الإطار الذي يمكن الناس من المشاركة والتفاعل والكتابة من خلاله، وتمثل المنتديات بداية الشبكة الثانية، لكن الأمر تطور بعد ذلك ليصل إلى المدونات ثم إلى «الشبكات الاجتماعية». ومن أبرز الأمثلة على مواقع الشبكات الاجتماعية؛ موقع MySpace.com وموقع FaceBook.com، وفي هذين الموقعين يقوم الشخص برسم معالم كاملة (بروفايل) لنفسه يتضمن معلومات شخصية عنه، والأفلام التي يحب مشاهدتها والكتب التي يرغب في اقتنائها أو قراءتها، والمواقع التي يفضل زيارتها والتردد عليها، وغير ذلك من المعلومات.
بعدها يخطو خطوة أبعد من ذلك، إذ يصبح في وسعه تحديد أصدقائه الذين يدعوهم إلى فتح صفحات شخصية، ويقوم بربط تلك الصفحات بصفحته، وكل صديق يقوم بنسج شبكته الاجتماعية الخاصة به، التي تتناسب وهتماماته وهواياته، ما يعني في النهاية أن تكون لمن يرتاد تلك البؤرة شبكة اجتماعية واسعة تضم مئات أو آلاف الأشخاص من الأصدقاء وأصدقاء الأصدقاء وأصدقاء أصدقاء الأصدقاء وهكذا، بعد ذلك يبدأ الفرد في التواصل مع شبكته الاجتماعية، فيشاركهم الصور التي لديه، ويتحدث معهم في الموضوعات المشتركة التي تهمهم، ويستفيد منهم في اختيار كتاب أو ملف صوتي أو فيلم وهكذا.وتضاعفت موجة ما يعرف بـ الشبكات الاجتماعية أو «social networks» على الإنترنت خلال السنتين الأخيرتين بين مستخدمي الانترنت حول العالم، فعلى سبيل المثال، وصل حجم المسجلين في خدمة موقع Facebook إلى أكثر من 52 مليون مشترك حول العالم بحسب صحيفة «التايمز»، وكذلك شهدت مواقع مشابهة مثل tagged.com و bebo وmyspace زيادة مطردة في أعداد المشتركين فيها بنسب تفوق 100 في المئة للسنة الواحدة. وقد كان لمستخدمي شبكة الانترنت في الدول العربية نصيب كبير من الاستفادة من خدمات الشبكات الاجتماعية لا يقل عن بقية أرجاء العالم، فمن يسجل في موقع facebook، سيجد أعدادا هائلة من المشتركين من السعودية ومصر والكويت والإمارات وسورية، معظمهم من طلبة المدارس والجامعات والشباب. وقد نشرت الكثير من التقارير والدراسات التي تحاول تفسير ظاهرة انتشار شعبية الشبكات الاجتماعية في الآونة الأخيرة، إذ عزا موقع webmarketinggroup البريطاني شعبية هذه المواقع إلى العزلة الاجتماعية التي فرضها نمط الحياة العصرية، فالجلوس أمام شاشة الكمبيوتر والتسجيل في هذه الخدمات التي تتيح للمستخدم أن يتواصل مع زملائه وأقاربه وأهله ومجتمعه عبر هذه المواقع، قد يكون أفضل بديلا عن التواصل الإنساني المباشر، نظرا إلى مساحة الرأي التي تتيحها هذه الخدمات. وتدرك شركات كبيرة، مثل «شلّ» للبترول و»بروكتر وغامبل» و»جنرال إلكترونيكس»، القدرات الكامنة لمواقع الشبكات الاجتماعيّة، اذ قام الكثير من موظفيها بإنشاء مجموعات خاصّة بهم (يجب توافر عنوان بريد إلكترونيّ خاصّ بالشركة قبل قبول عضو جديد) على موقع Facebook المعروف.
ويستخدم موظفو شركة «بروكتر وغامبل» الموقع للتواصل مع المتدربين في الشركة، ومشاركة المعلومات مع الموظفين الآخرين الذين يحضرون بعض الأحداث الخاصّة بالشركة. ويمكن لبعض هذه المنتجات السماح للزوار (وليس المشتركين) التفاعل مع الموقع.ويمكن للشركات أن تستفيد من هذه الخدمات بطرق خاصّة، مثل التسويق والبحث عن موظفين جدد والتواصل بين فروع الشركة المتباعدة، أو حتى مع الأفراد أثناء سفرهم، كما يمكن استخدام هذه المواقع لتحسين سمعة الشركة والتسويق لها عبر موظفيها الذين يستطيعون إرسال معلومات إيجابيّة تتعلق بالشركة إلى مجموعات كبيرة جدّا من المستخدمين، وفي أقلّ زمن ممكن، ومن دون وجود كلف باهظة، نظرا إلى أنّ هذه الخدمات مجانيّة للجميع.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1888 - الثلثاء 06 نوفمبر 2007م الموافق 25 شوال 1428هـ