العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ

اغتصاب دولة... اسمها «باكستان»!

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هكذا في طرفة عين، يتم اغتصاب دولة إسلامية كبيرة في وضح النهار. وبأمر من جنرال وصل إلى الحكم بانقلاب، ينزل الجيش إلى الشوارع، ويفرض الأحكام العرفية على 153 مليون باكستاني، ويشيع الرعب والخوف في أوساط الساسة والقضاة والمحامين والصحافيين وعموم المجتمع المدني، ويمنع بث القنوات التلفزيونية غير الرسمية والأجنبية.

هكذا في طرفة عين، تسقط التجربة الديمقراطية تحت حذاء الجنرال. وعندما تنتشر شائعة تعبّر عمّا يختلج في وجدان الشعب الباكستاني، عن فرض قادة الجيش الإقامة الجبرية عليه، يسرع للظهور على التلفزيون لتكذيب «النكتة»، وليبشّر «الأمة» التي فرض عليها الإقامة الجبرية: «أنا باقٍ على صدوركم رغم أنف الدستور والمحكمة الدستورية العليا... ورغم أنوف الجميع»!

بلدٌ قام على أحلام كبار، متغنيا بأشعار محمد إقبال الذي كان يحلم بالأرض الطاهرة، وقدّم الملايين ليستقل عن الهند، ودخل حروبا لتدعيم الاستقلال، ينتهي به الأمر إلى مطيّة يركبها رجلٌ واحدٌ، كل مؤهلاته رتبته العسكرية، وتعاونه في الحرب الأميركية ضد الإرهاب، وتطوّعه في أعمال «استراتيجية الحرية» التي أطلقها جورج بوش قبل سنوات.

خارجيا، أدان أقرب حلفائه الغربيين إعلان الطوارئ، إلا أن أحدا من الباكستانيين لا يتوقع منهم موقفا «إنسانيا» يثبت حرصهم على الديمقراطية وحقوق الإنسان «الباكستاني»، وليس أمامهم إلاّ مجاراته كما جاراهم طوال ثماني سنوات. فوزيرة الخارجية الأميركية قالت على استحياء إن «أفضل طريق أمام باكستان العودة إلى الطريق الدستوري»! أما نظيرها البريطاني الذي سمعنا اسمه لأول مرة أمس (ميلباند) فكان أكثر حياء حين قال: «من الضروري أن تتصرف الحكومة طبقا للدستور»!

أما وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس - الذي لوّح بورقة الفلوس و «المعونات»، (مليارا دولار سنويا) - فأكّد حرص بلاده على عدم عرقلة جهود مكافحة الإرهاب، فباكستان «دولة ذات أهمية استراتيجية هائلة للولايات المتحدة وشريك رئيسي في الحرب على الإرهاب»، وهو أمرٌ كان يفهمه مشرّف جيدا، ولذلك كان يضحك في السرّ على هذا النفاق. أما النكتة الأكبر فهي اتصال رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد ليقول للجنرال إن بلاده «زعلانه» من أفعاله، و «لابد من إعادة باكستان إلى العملية الديمقراطية»!

وإذا كانت الدول الأجنبية قالت كلمتها، إلاّ أن البلدان الإسلامية لم تنطق بكلمةٍ فيما يجري، اعتمادا على مبدأ «من اهتم بأمور المسلمين فليس منهم؛ لأنه تدخلٌ سافرٌ في الشئون الداخلية للدول الأخرى»! أما البلدان العربية فالتزمت الصمت المطبق؛ لأن «من راقب الناس مات هما»!

أما الرأي العام العالمي اليوم فيراقب المأزق الذي أوقع فيه شخصٌ واحدٌ بلدا من 153 مليونا، يعاملهم كالأغنام. ولا يُنتظر أن يكون المخرج عن طريق الضغوط الأميركية أو التصريحات التي تقطر بالنفاق، أو سحب المعونات و «الصدقات»، وإنما عن طريق الشعب الذي يصر على أن يحدّد مصيره ويرفض قيوده، وألا يقبل هذا الابتذال والمهانة التي لا تقبلها الشعوب الحرة. تصوّروا لو خرج بوش على التلفزيون وأعلن فرض الطوارئ وتعليق الديمقراطية وإقالة وحل الكونغرس... ألن يخرج الأميركيون إلى الشوارع يقهقهون استهزاء بهذا الرئيس الأحمق؟

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً