العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ

النقد الصحافي بفحيح طائفي مقيت

سلمان ناصر comments [at] alwasatnews.com

.

أطمح في هذا المقال إلى إثارة إشكالية النقد بالصحف اليومية ولسنا نقصد بالقراءة مستويات التلقي الأدبي وشروطه النظرية إذ أفاض فيه كبار النقاد، وإنما نقصد القراءة هنا من حيث هي فعل المواجهة النقدية حيث الكاتب لا يكتفي بتذوق النص وتفسير متعته، بل يتجاوز ذلك إلى تقويم المقروء ومحاكمته أيضا على نحو يحيل فعل القراءة إلى مجرد أداة لإسقاط طائفي سافر لا غير.

إن الحراك السياسي والاجتماعي في البحرين يحتاج إلى النقد التحليلي العلمي البناء كي ندعم هذا الحراك ونردم الهوة إن وجدت، إذ لا يخفى على كل متتبع لما ينشر من قراءات وانتقادات في الوقت الجاري تقرأ على أنها نزوع أصحابها في كثير من الأحيان - وأخشى أن أقول في أكثر الأحيان لأنه قد يؤدي إلى إسقاطات مذهبية.

بالأمس القريب قرأت مقالا به من الألفاظ ما يتعفف أي مسلم من ذكرها ومقال آخر به من الغمز واللمز، حدث بلا حرج، وفي المقابل أين النقد العلمي الذي يفند السلطة التشريعية والتنفيذية بعيدا عن انتمائها المذهبي أو السياسي، وإذا ذهبنا إلى ما هو حاصل بالنقد من خلال الصحف في الوقت الجاري من يقع عليه العتب في هذا، فهل يقع على الصحف أو رئيس تحريرها أو الكاتب إذا كان يستحق هذه التسمية أو الجو العام.

أرى من المفترض على الكتاب المتلمّسين لهموم الشارع العام والقضايا، والمحسوبين على هذه الجمعية أو تلك أو التي تحركهم مفاهيم خاطئة تتعلق بالعقيدة وهم حتى لا يؤدون الصلاة بأوقاتها بل لا يفقهون حتى أركان الإسلام وهنا نقصد البعض كي لا يساء فهمنا، ناهيك عن بعض الإخوة الذين لديهم فوبيا الطرح الإسلامي يتوجسون من أيّ طرح إسلامي كما قال أحد الكتاب في إحدى الصحف اليومية لا نريد أن نرجع إلى الوراء 1400 سنة.

لا حول ولا قوة إلا بالله، أيها الأحبة في الإسلام والعقيدة بمختلف مشاربها والإنسانية، أود أن أوجه هذا المقال لأقول لكم من باب أولى التركيز على مفهومين أساسيين وهما الديني والدنيوي. المفهوم الديني بقوله تعالى: «فاسجد واقترب» «وإن إلى ربك المنتهى»، أما المفهوم الدنيوي فهو التصاعد العلمي والمعرفي الذي لا سقف له في مجالات الحياة الدنيا بحيث لا يتعارض مع ديننا وعقيدتنا السمحاء.

بالرجوع إلى الموضوع الأساس نحن هنا لا نريد أن يكون التصوير ملائكيا للأحوال إذ إن الشخوص أنفسهم، الظانّين بهم تأبط المثالية الخيالية، ينطلقون من الأوضاع التي نعيشها، نعم ليس التصوير المثالي للأوضاع هو الغائب، بل في الغالب هو صورة السوء التامّ والظلام المطبق. ولذلك نعتقد أنه جرى التركيز على هذا النوع من النزع النقدي ونقصد هنا النقد المذهبي. ومن نماذج هذا النقد المخل بالمنهج العلمي وبالأمانة الخلقية المقالات الدورية التي يغلب عليها نعي البحرين، في صورة الحرص على مصالحها ونهضتها بالتركيز المسرف على النقائص والسلبيات والصور السيئة والنقط السود، وكأنها كتلة من العظام الناخرة أو مجموعة من الأصفار التي من المستحيل أن يكون واحدا صحيحا في أي شيء، ولا ينكر عاقل أمين حريص بحق واقع نهضة البحرين الذي نعيشه، وإن هناك الحسن والسيئ، ولكن من الخطأ أن نرسم هذا كالطيف الأسود الذي لا خلاصة منه بأسلوب طائفي مقيت وبغمز ولمز مبالغ فيه.

ناهيك عن النياحة الثقافية والإعلامية المستمرة على الأوضاع العامة والنشيد الحزين اللاطم في هذه النياحة هو المشهد السياسي على المشروع الإصلاحي! هذا إلى جانب وصف المساحة الإعلامية في المملكة وكأنها مصفدة بأغلال عدم الحرية! إلى آخر هذا النشيد الجنائزي النائح. بالله عليكم فهل هذا نقد موضوعي بناء ومتوازن؟

إن من الضروري التوازن في النقد والتقييم لأن التوازن يفضي به الحق ويميله الواقع «فالحريص الصادق على النقد، يتهلل سرورا بكل ومضة إيجابية فيعمد إلى تشجيعها وتنميتها وليس العكس»، هذا لأن في كل إنسان سوى 18 مليار خلية عقلية تؤهله إلى التقدم والنهوض.

دعوني أضرب لكم مثلا بتوماس أديسون، فلو أصغى هذا العالم إلى النائمين من بعض «نقادنا» لما اخترع المصباح الكهربائي، فهو أغلق أذنيه من دون السخرية والتعيير حتى نجح في اختراعه بعد أن أجرى 9999 تجربة فاشلة، وهنا دعونا نستشهد بالكاتب غوته عندما قال: «إن شرّ الأضرار التي يمكن أن تصيب الإنسان هو ظنّه السيئ بنفسه»، ولا أخفيكم سرا بأني واجهت العتب عند كتابتي بصحيفة «الوسط»! والرفض من قبل بعض الصحف اليومية بسبب قربي من تلك الشخصية! ولكن إيمانا مني ومن رئيس التحرير بأن نقوم بكسر الجليد بأسلوب علمي ووازع وطني لردم هذه الهوة.

أيها السادة الكتاب والنقاد إن الثقافة العامة للشعب البحريني تدعو دائما إلى النقد، ومن أنصاره أولا لأن البشر خطاءون، ولا قداسة لخطأ قط.

وهل تعلمون أن النقد جزء من الإصلاح والتجديد، فبالنقد يطرح الخطأ ويناقش، ويستبقى الصواب، ويتهيأ المسرح للإضافات الجديدة وهو البديل النظري والتطبيقي للإصلاح الحقيقي.

ليكن شائعا لدينا مفهوم النقد البناء ونبتعد عن الذمّ والتعيير والقدح. هذا مفهوم ينبغي أن يترفع عنه أولو العلم والفكر والثقافة الذين من خصائصهم ومهماتهم التحقق من المفردات والمصطلحات واستنقاذها من الاستعمالات الجاهلة أو الخاطئة ابتغاء ترويج المفاهيم الراجحة والسديدة وهذه مهمة تنويرية ناجزة غير مؤجلة.

لنرق بهذا الوطن، ولكيلا يلتمس الغير العذر من الذين هم معنيون بالمضي قدما بالنجاح بهذا الاستحقاق ونقصد الاستحقاق الإصلاحي من السلطة التشريعية أو غيرهم ولنسهم في تطوير السلوك النيابي للأعضاء - ليكن النقد مقرون بالإحصاءات والأرقام، والتغييرات الكمية ذات الدلالة والأهمية مثل وضع الاقتصاد الوطني، حال الاستثمار، معدلات النمو السكاني وأهم الحوادث المحلية والعالمية كالانتخابات النيابية في العالم، لكي تزيد معرفة نوابنا الأفاضل لما هو أهم للوطن والمواطن وهذا التحول النقدي سيقودنا إلى دعم القرار التشريعي ومراقبة الأنشطة البرلمانية ومن ثم سنكون جاهزين لتقييم السلطة التشريعية (النواب) والسلطة التنفيذية بتحليل علمي والله المستعان والسلام.

إقرأ أيضا لـ "سلمان ناصر"

العدد 1887 - الإثنين 05 نوفمبر 2007م الموافق 24 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً