لم نخدع «الوفاق»... ولا «صِفّين جديدة»... هكذا أنبرى المرشد الروحي لسلفيي البحرين والوجه الأكثر انفتاحا على الآخر النائب الشيخ عادل المعاودة ليجمع الخيوط المتشابكة والمتناثرة بعد المنحى الخطير الذي اتجه إليه تداعي اتفاق « الأصالة والوفاق».
المعاودة يؤكد أيضا أنه لا يجب أن تُحمّل هذه الورقة أكثر مما تحتمل»، وأنا أشاطره هذا الرأي تماما، فاعتقد أنه يجب علينا أن نفصل بين أمانينا وبين « صدمة الحقيقة»، ويجب أن نرسم خطا بيانيا واضحا بين ما يجب أن يكون وبين ماهو كائن ، لكي لا تختلط علينا الأوراق فجأة فيصعب علينا فرزها فيما بعد.
لست مصدوما مما حدث، كما لا أقف مع من يرجع ما جرى من « ورقة مكتوبة» بين نائب رئيس كتلة الوفاق خليل المرزوق ونائب رئيس كتلة الأصالة الشيخ إبراهيم بوصندل لحداثة الخبرة السياسية لدى المرزوق، ولا لدهاء بوصندل، فالخلفيات الحقيقية لا تعود لهذين السببين، وإن كان لهما نصيب من الوجاهة، لولا أن الوثيقة نشرت على رؤوس الأشهاد.
يؤسفني أن أعترف وأقر ذاعنا أن الإعلام هو من قضى على هذا الاتفاق، وهو يتحمل قسطا كبيرا من وأد هذا الاتفاق في مهده، قبل أن تشرق عليه شمس يوم آخر، لأن ليس بمقدور «الأصالة» أن تتحمل صدمة من هذا القبيل، بل لها الحق في ذلك، لأن هذه الورقة ستحرج «الأصالة» أمام غريمتها التاريخية « المنبر»، وستحرجها أكثر مع قواعدها الشعبية، ولكن سيبطل العجب إذا عرفنا السبب، وهو أن الحكومة لن تسمح لمثل هذا الاتفاق « إن وجد» أن يقدر له الاستمرار أكثر.
نعم، لا أقلل من أهمية مثل هذا النوع من الاتفاق لو كان حقيقيا، لأن من شأنه أن يغير موازين القوى في المجلس وفي الشارع، فتحالف «الأصالة والوفاق» سيملك غالبية في عدد مقاعد المجلس، ولكنها غالبية مهمة جدا، وذات دلالات أكبر من عدد الكراسي حتى، لأن هذا التحالف سيغير الغالبية التي رسمتها الحكومة أو أرادت لها أن تكون، ليصبح المجلس رهين صراخ طائفي مستمر.
إذا جاز أن نحسب ما جرى بميكال الربح والخسارة لطرفي الاتفاق، فسنكتشف أن كلا الطرفين ربحا وخسرا معا، فــ «الوفاق» ضحت من أجل عين هذه الورقة بشخصية كان لها فضل كبير في بلورة صورة المشروع السياسي الذي تشارك فيه «الوفاق»، و شخصية طالما عرفت بالنزاهة من قبل الجميع، وهو وزير الصناعة والتجارة حسن فخرو الذي كان من أبرز القنوات التواصلية بين رموز وتيار الوفاق وبين أعلى مراكز السلطة وهو جلالة الملك.
ولا أضن «الوفاق» تزعم أنها لم تغلق ولو قليلا نافذة فخرو لصالح اتفاق يتضمن أحلاما، أوهاما بأن « الأصالة» قد تغير موقفها الممانع لاستجواب الوزير عطية الله، ولكن في المقابل لا يمكن أن نحرم «الوفاق» من أي مكاسب وراء هذا الاتفاق، فهي في الأساس ربما كانت تعلم أن «الأصالة» لن تغير موقفها، ولذلك وقعت «الوفاق» هذا الاتفاق، وهي لن تخسر شيئا كبيرا، خصوصا وأن الغلبة العددية في المجلس ستجعل لجنة التحقيق ضد الوزير حسن فخرو ستمر شاءت «الوفاق» أو أبت.
ويمكن لــ «الوفاق» أن تختبئ أيضا وراء وتر آخر، وهي تغيير الصورة التي كان البعض رسمها عنها بطغيان النزعة المذهبية والأيدلوجية، وبالتالي فإن هذا الاتفاق وفر جوا مناسبا لــ «الوفاق» لأن تكسر هذه الصورة الممقوتة عنها، فهي من طلب يد « الأصالة»، ووافقت الأخيرة على العقد، ولكن الخطأ أنها قبلت الاقتران بشريك مختلف، و لم تأخذ موافقة ولي أمرها على خطبة مبكرة وخطيرة على هذا النحو!
على أن « الأصالة» وعلى رغم ظهورها المحرج في الإعلام وأمام الشارع والحكومة، والدليل التفسيرات المختلفة والحجج المتنوعة التي طرحتها منذ نشر الاتفاق على صفحات الصحف، فإنها على رغم ذلك كله، فإن الشيخ بوصندل لم يكن مخطئا حين أبرم هذه الورقة، وقد يقال إن الرجل تسرع، وفي التأني السلامة، ولكنني أيضا أعتقد جازما أن بوصندل حين وقع هذا الاتفاق لم يكن بسوء نية قط.
الشيخ بوصندل الذي أعرفه لم يكن يوما كاذبا، بل صراحته أزعجت الكثيرين، وخلقت له عداوات مختلفة، وهو بالمناسبة واحد من أكثر نواب المجلس عملا في اللجان وفي التواصل مع الناس، وممن عرفوا بجرأتهم على قول الحقيقة في الدور السابق، وأحسبه بعيدا كل البعد عن ألاعيب المراوغة، و ما أعد المرزوق وبوصندل مخطئين حينما أبرما هذا الاتفاق المستعجل لفك المجلس من أسره الحالي، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه . «يا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرا وَأَمَّا الآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ» (يوسف: 41)
إقرأ أيضا لـ "حيدر محمد"العدد 1886 - الأحد 04 نوفمبر 2007م الموافق 23 شوال 1428هـ