العدد 1886 - الأحد 04 نوفمبر 2007م الموافق 23 شوال 1428هـ

كُلَّمَا كَثُرَ الذُّبَابُ هَانَ قَتْلُه

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عندما سَأَلَتْ مراسلة «نيوزويك» لالي ويموث الرئيس الأكوادوري وصاحب الميول اليسارية رافائيل كوريا عن مغزى دعوته الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد لحضور حفل تنصيبه؛ قال كوريا «بأنهم سيفتتحون مكتبا تجاريا في بلدنا، إن إيران بلدا يضم ثمانين مليون نسمة ويمتلك موارد نفطية، إنهم يحتاجون إلى الكثير من السلع التي يُمكننا أن نبيعهم إياها لمَ لا نبيعهم». هذه النظرة البراغماتية التي باتت تُشكّل هوسا تجاريا وماليا بالنسبة للكثير من الدول ولقادتها وأحزابها، بدأت تفرض نفسها بقوة داخل منظومة ومفهوم المصالح العليا للدول، وتعيد بذلك النقاش من جديد بشأن كيفية التوفيق ما بين تلك المصالح القومية العليا وبين علاقات التعاون مع دول مؤثرة كالولايات المتحدة الأميركية، وهو ذات المحذور الذي عادة ما يُسيطر على قرارات الدول وسياساتها الخارجية كما ظهر قبل أيام في اجتماعات الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن + ألمانيا المجتمعين في لندن بشأن الملف النووي الإيراني، وظهور سياسة احتواء تلك الالتزامات السياسية أو الالتفاف عليها بمخارج قانونية بديلة .

في الخامس والعشرين من شهر أكتوبر الماضي نشرت وزارة الخزانة الأميركية وثيقة عقوبات جديدة احتوت على أكثر من عشرين تصنيفا لكيان اعتباري وغير اعتباري من مؤسسات وأفراد في داخل إيران بتهمة دعم نشاطات لتطوير أسلحة الدمار الشامل ودعم الإرهاب، وهم كالآتي: (1) قوات حرس الثورة الإسلامية مع فروعها الخمسة (البرية والجوية والبحرية والبسيج وفيلق القدس) ومديرية الأمن الوقائي وممثلي المرشد الأعلى فيه . (2) وزارة الدفاع وإسناد القوات المسلحة . (3) منظمة صناعة الفضاء الإيراني ومؤسساتها المختلفة التي تشمل مجمعَي «همت» و« باكري» الصناعيان . (4) مصرف ملي إيران . (5) مصرف ملت وفروعه . (6) مصرف آرين . (7) مصرف كاركشايي . (8) معسكر خاتم الأنبياء . (9) معسكر كربلاء . (10) معسكر النبي نوح . (11) معسكر قائم . (12) شركة أورينتال كيش النفطية . (13) هندسة ساحل الإنشائية . (14) شركة سباساد للهندسة . (15) شركة عمران ساحل . (15) شركة حرا . (16) الجنرال حسين سليمي قائد القوة الجوية في الحرس الثوري. (17) العميد مرتضى رضائي نائب قائد قوات الحرس الثوري . (18) اللواء البحري علي أكبر أحمديان رئيس هيئة أركان قوات الحرس الثوري . (19) العميد محمد حجازي قائد قوة المقاومة الشعبية (البسيج) . (20) العميد قاسم سليماني قائد فيلق القدس (الكوماندوز) بالحرس الثوري . (21) العميد أحمد وحيد دستجردي رئيس منظمة صناعة الفضاء . (22) رضا قلي إسماعيلي رئيس قسم الشئون الدولية والتجارة في منظمة صناعة الفضاء . (23) مرتضى بهمن يار رئيس المالية والموازنة في منظمة صناعة الفضاء .

وبطبيعة الحال فإنّ هذا القرار أحادي الجانب قد أعاد الحديث من جديد عن مُحددات العلاقة الإيرانية مع العالم الغربي (القديم والجديد) في ظل تناقض المصالح العالمية ما بين الحلفاء فضلا عن الخصوم، فاليابان مع الولايات المتحدة بشأن بقاء كوريا الشمالية على لائحة الدول الداعمة للإرهاب، وبين نيقوسيا وواشنطن بسبب أوضاع شمال قبرص ذي الغالبية التركية، وما بين فرنسا وواشنطن بشأن العلاقة مع ليبيا، وما بين إيطاليا من جهة وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى حول العلاقة مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية في بعض السياسيات الجزئية، ثم ما بين الاتحاد الاوروبي مجتمعا والولايات المتحدة بشأن تفاصيل بعض الملفات العالقة كالعراق ولبنان. إن مشكلة العقوبات التي تدفع بها الولايات المتحدة عادة ما يتم تعريفها وفق المصالح الأوروبية التي تورّطت ومنذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ومع بداية الحوار النقدي في مشاريع استثمارية ضخمة داخل الأراضي الإيرانية، بالإضافة إلى العوامل النفطية التي تمتلك طهران فيها أوراقا مُربحة. الإحصاءات الحديثة بحسب تقرير وكالة الأنباء الفرنسية تشير إلى أنّ التجارة الإيرانية الخارجية مع دول الاتحاد الأوروبي قد شكّلت نحو 37 في المئة من مجموع التجارة الخارجية الإيرانية من مارس/آذار 2006 إلى مارس 2007، وقد جاءت ألمانيا كأحد أكبر المُصدّرين والمستوردين الأوروبيين إلى إيران، حيث تستحوذ على 12 في المئة من عمليات استيراد التجهيزات الصناعية والفلزات والمشتقات الكيماوية . أما فرنسا التي تحتل الموقع الخامس فإن النفط الخام يُشكّل 97 في المئة من استيراداتها من طهران، وحسب الاتفاقية التي وُقّعت العام الماضي بين البلدين فإنّ شركة توتال الفرنسية الضخمة ستقوم بتدشين المرحلة الثانية من حقل بارس الجنوبي لغرض إنتاج الغاز السائل للتصدير، بالإضافة إلى أنّ إيران تلتهم ثلثي سوق المبيعات الفرنسية من السيارات في الشرق الأوسط، أمّا إيطاليا فإنّها تعد من أكبر الشركاء التجاريين الأوروبيين لإيران بميزان تجاري وقدره مليارا ونصف المليار يورو، كما أن ّمجموعة «آني» للنفط والغاز هي أكبر مستثمرة إيطالية في إيران، وفي قطاع السيارات فإن شركة «فيات» تعد أكبر شريك لإيران في إنتاج وتوزيع سيارات (فيات باليو) . في مسيرة العقوبات التي دفعت بها واشنطن و معها عدد من حكومات الدول الأوروبية وخصوصا في مجال العقوبات المصرفية؛ قد دفع بالكثير من الشركات والمصارف الأوروبية؛ لأن تستعجل في استصدار مخارج قانونية تلتف من خلالها على الضغوطات التي تمارسها الولايات المتحدة على الدول الأوروبية لإجبارها على المضي قدما في تطبيق العقوبات التجارية والاقتصادية، وقد دفع ذلك المصرفين الألمانيين دويتشي بنك وكومرز بنك، والمصرف الفرنسي بي إن بي - باريبا والمصرف البريطاني اتش إس بي سي والمصرفين السويسريين يو بي إس وكريدي سويس إلى إعادة صوغ تعاملاتها مع المصارف الإيرانية المحظورة كملّي وملّت وصادرات، وبدأت المصارف الأوروبية والإيرانية في إعادة بناء العلاقات المالية بينها عبر مصارف عالمية أخرى في آسيا، كبنكي أتش دي أف سي وستيت بانك أوف أنديا الهنديان، وعبر ماي بنك الماليزي ودي بي إس السنغافوري ومجموعتي ميتسوبيشي وسوميتومو ميتسوي اليابانيتين، وبنك في تي بي الروسي وبنك الصين التجاري والصناعي، لتسوية التحويلات البنكية من إيران وإليها والخاصة بالشركات الأوروبية وللمصارف المركزية في الدول الأوروبية . إن الولايات المتحدة الأميركية لا يُمكنها أن تقيم نظام مصالح فيه من التناقض العمودي ما يُهدد أية سياسة مضادة في المنطقة وخصوصا ضد إيران، كما أنّ التصعيد لن يُقرب آجال الحلول التي تنتظرها الكثير من الملفات الساخنة في منطقة الشرق الأوسط .

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1886 - الأحد 04 نوفمبر 2007م الموافق 23 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً