لإعادة النظر في قرارها، أقدمت لجنة المرافق العامة والبيئة، في جلسة مجلس النواب الأخيرة، على استرجاع تقريرها الذي رفضت فيه مقترح كتلة الأصالة إسقاط الفوائد الربوية لبنك الإسكان على القروض الإسكانية؛ وهذا إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على مرونة أعضاء اللجنة، وتغليبهم المصلحة العامة، حتى لو جاء النقد ممن اعتاد توظيف كل حدث وموقف فيما يضرّ ولا ينفع. ومن الإنصاف الإشادة بهذا الموقف الذي يدل على استماعهم للنقد البنّاء.
كانت اللجنة قد صوّتت على القرار السابق برفض المقترح بالإجماع كما صرّح نائب رئيس اللجنة خميس الرميحي، وبالتالي لا مكان للمشاغبات التي يثيرها بعض الطائفيين مستهدفا دائما جمعية «الوفاق»؛ لكون الأعضاء الوفاقيين يمثلون الأكثرية في اللجنة، فحتى عضو «الأصالة» في اللجنة صوّت ضد المقترح. وأعضاء اللجنة يمتلكون من الشجاعة ما يجعلهم يتراجعون في حال اتضح لهم خطأ قرارهم، والمزايدة على الأعضاء وإخلاصهم ليست من النصيحة في شيء، ولكنّ لها أهدافا مشبوه فيها.
في الأسطر التالية، عدد من النقاط تبيّن وقوع اللجنة في شبهة - كما نرى - تحتاج إلى إعادة النظر في قرارها، ونترك النقاط الأخرى لوقت آخر.
من وجهة النظر الإسلامية، إن المصرف التجاري على النمط الرأسمالي، يقوم بنوعين من المعاملات، نوع ربوي عبارة عن الإقراض بفوائدَ، وهذا هو النشاط الأساسي لهذا النوع من المصارف، ونوع آخر من المعاملات عبارة عن نشاط خدماتي وهو نشاط عادة ثانوي بالنسبة إلى المصرف، كتحويل مبلغ من المال من طرف إلى آخر، لقاء أجرة على هذه الخدمة؛ وهذه تعتبر صحيحة وجائزة من الناحية الإسلامية. أما فيما يتعلق بالإقراض بفوائدَ، فلا يمكن الزعم أن المبالغ الزائدة على المبلغ الأصلي التي يأخذها بنك الإسكان ليست ربا مادامت المعاملات وفقا للمصارف التجارية على النمط الرأسمالي، سواء أكانت مبالغَ زهيدة أم كبيرة، فحجم المبلغ لا يؤثر هنا في الحكم على ربويتها.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى إن المسألة لا تتعلق بمشكلة الربا فقط، فحتى لو تم حلها بطرق شرعية أخرى، كالبيع، ولو ثبت أنها ليست بربا، فإن النتيجة الثقيلة والمرهقة للمواطن جديرة بإسقاط المبالغ الزائدة مهما كانت المسميات. وزير الأشغال والإسكان فهمي الجودر ذكر أن ما يتم احتسابه من مبالغَ زائدة على قروض الإسكان ليس ربا، ولكنه خدمة دين أو كلف إدارية، كما نقل ذلك عنه رئيس اللجنة جواد فيروز في تصريحه لإحدى الصحف المحلية بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2007. غير أنه عندما يقترض أحدنا 40 ألف دينار من بنك الإسكان، وهو الحد الأقصى لقروض البناء والشراء، وعندما تكون فترة السداد خمسة وعشرين عاما، فإن الفوائد التي يدفعها المواطن إلى جانب المبلغ الأصلي، تصل إلى 17 ألف دينار تقريبا، وهذا المبلغ الكبير، ليس مبالغَ زهيدة ومجرد كلف إدارية.
وللعلم، إن هذه «الكلف الإدارية الزهيدة» التي تبلغ 17 ألفا هي نتيجة لنسبة فائدة قدرها 3 في المئة سنويا على المبلغ المتبقي. لا يهم المسمى، سواء أكان خدمة دين أم كلفا إدارية... إلخ، فهذه التسميات نفسها كانت موجودة في السابق، فقد ذكر الوزير أن خدمة الدين كانت 6 في المئة (ضع خطا تحت عبارة: خدمة الدين) وتم تخفيضها منذ الفصل التشريعي السابق إلى 3 في المئة من الرصيد المتبقي، بمعنى أنه لو لم يتم التخفيض، فإن ما أطلق عليه الوزير خدمة الدين أو كلفا إدارية، كانت 37 ألف دينار يدفعها المواطن مضافة إلى المبلغ الأصلي ألا وهو 40 ألفا!
المسألة المهمة بجانب إشكال الربا، أن هذه المبالغ الزائدة تُؤخذ من ذوي الدخل المحدود، الذين أوجب الدستور على الدولة توفير السكن لهم، ويمثلون حاليا أكثر من 80 في المئة من الشعب كما سيتضح في النقطة الأهم القادمة. ومستقبلا، في حال تمرير مقترح رفع القرض الإسكاني إلى 60 ألفا، فنسبة الـ3 في المئة فوائد على القرض، ستبلغ 25 ألف دينار، فهل هذه مبالغ زهيدة لتغطية الكلف الإدارية كما ترى الوزارة؟ وهل يستقيم القول إنها مبالغ زهيدة، وفي الوقت نفسه إن إسقاطها يعني تقليص عدد المستفيدين من القروض الإسكانية كما جاء على لسان أحدهم؟
النقطة الأهم، تكمن فيما أشار إليه توضيح رئيس اللجنة، حين ذكر أن المقترح يتعلق بإعفاء القروض الإسكانية من خدمة الدين التي تمنح للأسر البحرينية ذات الدخل المحدود. وتوفير السكن لذوي الدخل المحدود واجب على الدولة كما نص على ذلك الدستور (المادة 9 بند د). وهنا ينفع التذكير مرة أخرى بعدد من الحقائق، أولها أن لا وجود لقانون يفعِّل هذه المادة الدستورية، فلا يوجد تعريف لذوي الدخل المحدود أصلا. النقطة الأخرى - بحسب بيان سابق لمجلس النواب - إن ما يقرب من 80 في المئة من المواطنين تقل رواتبهم عن 400 دينار، وأكثر هؤلاء رواتبهم تقل عن 200 دينار. ومعلوم أن راتب ألف دينار لم يعد ينفع لشراء أرض وبناء بيت، وخصوصا في ظل زيادة أسعار الأراضي إلى أكثر من عشرة أضعاف أو 1000 في المئة خلال عشر سنوات فقط، فكيف الحال بهذه الرواتب المتواضعة مقارنة بكلف شراء أرض وبنائها. ذلك كله يعني أن من سيستفيد من حذف الفوائد الربوية لقروض الإسكان، هم أكثر من 80 في المئة من المواطنين، ممن ينطبق عليهم تعريف «ذوي الدخل المحدود» مادام المنوط بهذا المصطلح هو «عدم القدرة الذاتية على بناء مسكن»، أي أن المادة الدستورية بخصوص توفير الدولة مساكنَ لذوي الدخل المحدود تنطبق حاليا على أكثرية الشعب، ولهذا فعلى أقل تقدير، يجب على الدولة مساعدتهم بشكل مجزٍ، أقلها إسقاط الفوائد الربوية/ المبالغ الزائدة عنهم. ولو تم توفير قطعة أرض لكل مواطن - كما صرّح بذلك العاهل فيما سبق - لكانت المسألة أهونَ بكثير.
الأراضي والنفط الثروتان الأبرز اللتان تملكهما الدولة، أما الأراضي فقد تم توزيعها سابقا على فئة قليلة من المتنفذين، ونتيجة لذلك، لم يتبقَّ للدولة أكثر من 10 في المئة من أراضي الملك العام صالحة للبناء عليها، ولهذا قامت الدولة ممثلة في وزارة «الإسكان» بشراء بعض تلك الأراضي مرة أخرى، وبيعها على المواطنين بسعر مدعوم، كما في «مشروعات تطوير القرى»، ولكن هذا السعر المدعوم لا يقل عن سعرها قبل عشر سنوات.
أما ما جاء في بيان اللجنة قبل سحب رفضها «أنه في السنوات الأربع الماضية تم إعفاء المواطنين من 75 في المئة من المبالغ المستحقة لبنك الإسكان»، فهذا ليس بعذر مقبول لرفض إسقاط الفوائد الربوية، فمهما كثرت المكرمات وتكررت، فهي استثناء وليس قاعدة يُبنى على أساسها قرار.
ضعف قدرة أكثرية الشعب على بناء مسكن، يستوجب تمرير اللجنة هذا المقترح، مع أنه قد لا يبصر النور أصلا إن لم ترضَ عنه الحكومة، حاله حال الكثير من مقترحات النواب التي أصاب أكثرها التعفن من طول الانتظار؛ لأن الحكومة ما فتئت تُغرِق المجلس بمقترحاتها، فلا تتقدم مقترحات النواب خطوة، حتى تؤخرها مشروعات الحكومة ومقترحاتها خطواتٍ عدة إلى الوراء، مستفيدة من المادة الدستورية رقم (81) التي جاء فيها: «... على أن تعطى الأولوية في المناقشة دائما لمشروعات القوانين والاقتراحات المقدمة من الحكومة».
إقرأ أيضا لـ "عباس هاشم"العدد 1885 - السبت 03 نوفمبر 2007م الموافق 22 شوال 1428هـ