على رغم محدودية اعتماد المحاصيل الغذائية المُعدّلة وراثيا، يظل الاهتمام بها عاليا، وهنالك جيل ثانٍ من تلك المنتجات قادم إلى الأسواق تم تطويره إلى حد كبير في القطاع العام. فالمحاصيل الغذائية المعدلة وراثيا التي تمت الموافقة على اختبارها ميدانيا في بلد واحد أو أكثر تشمل: الرز، الباذنجان، الخردل، الكسافا، الموز، والبطاطس، والبطاطا الحلوة، والعدس، والترمس.
ومما لاشك فيه أن عملية تعديل محصول ما وراثيا تنطوي على كثير من الأخطاء وتتطلب الكثير من المحاولات، فعندما يقوم الخبير بإدخال جينة جديدة في محصول ما، فإنه سيحصل على أنواع مختلفة من البذور. فبعض البذور قد تمتلك جينة في مكان خاطئ وأخرى ستكون خالية من أية جينة، وبالنهاية سيحصل الباحث على البذرة المطلوبة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: ماذا لو أن الجينة وصلت إلى مكان ما في الحمض النووي للنبات ونتج لدينا نوع جديد كليا من المواد؟
وتقول الباحثة ريبيكا غولدبيرج من منظمة الدفاع عن البيئة في مدينة نيويورك، محذرة: «إننا نتعجل المسائل كثيرا كما أنه لا توجد منهجية للتحقق مما إذا كانت الجينات التي يجري إدخالها في الأغذية ستتسبب في ظهور أنواع غير معروفة من الحساسية، فالتقنيات المتوافرة حاليا تتيح للعلماء الكشف عن أنواع الحساسية المعروفة فقط».
وفي تقريره عن «مخاطر المحاصيل والمنتجات المعدلة وراثيا» يثير مركز الأرض لحقوق الإنسان في القاهرة الكثير من الأسئلة عن المشكلات المختلفة لقضايا المنتجات المعدلة وراثيا. والتي يعرفها التقرير بأنها تلك التي تتدخل الهندسة الوراثية في عملية إنتاجها بإحداث تعديلات جينية في مكوناتها وفي مجال البذور والتقاوي بهدف إدخال هذه الكائنات إلى مضاعفة كمية المحصول الناتج أو تحسين شكل وحجم الثمار.
عموما، تثير قضايا المحاصيل المعدلة وراثيا جدلا حادا على الصعيد العالمي بين مندفعين يدافعون عنها بشكل مطلق ويدعون إلى تبنيها عالميا على أوسع نطاق ممكن، وبين محذرين من مخاطرها السلبية على البنيان الإيكولوجي للعالم بما يشمل ذلك الإنسان نفسه.
ففي ألمانيا على سبيل المثال طالب نحو 400 باحث ألماني في خطاب مفتوح لنواب البرلمان الألماني بتشجيع مشروعات زراعة المحاصيل الزراعية المعدلة وراثيا. ودعا باحثو «رابطة الهندسة الوراثية الخضراء» في فرانكفورت النواب الألمان إلى استغلال جميع فرص الهندسة الوراثية «بشكل مسئول». وانتقد الباحثون ما اعتبروه تزايدا في «تدمير» مشروعات زراعة محاصيل معدلة وراثيا وقالوا إن المسئولين الألمان يتجاهلون هذا التدمير من دون اتخاذ أي إجراءات مضادة. ويرى الباحثون أن كثرة الشروط المفروضة على زراعة الذرة المعدلة وراثيا تشجع «الذين يدمرون مشروعات زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا بشكل إجرامي وتعطيهم مبررات لإضفاء الشرعية الأخلاقية على هذا التدمير». وكان الائتلاف الحاكم في ألمانيا قد اتفق في يوليو/ تموز 2007 على تشديد قواعد زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا. ومن ضمن ما اتفق عليه طرفا الائتلاف الحاكم في هذا الشأن زيادة المسافة بين حقول المحاصيل الطبيعية وحقول المحاصيل المعدلة وراثياَ.
يشار إلى أن هناك 2700 هكتار في ألمانيا تزرع بمحاصيل معدلة وراثيا.
من جانب آخر خلصت دراسة علمية في بريطانيا إلى أن المحاصيل المعدلة وراثيا تشكل خطرا ضئيلا للغاية على صحة الإنسان، وأن الأطعمة المصنوعة منها ربما كانت آمنة كتلك المصنوعة من المحاصيل التقليدية. وأوضحت الدراسة التي دعمتها الحكومة أنه لم تكتشف في هذه الأطعمة تأثيرات سامة غير معتادة أو ضارة غذائيا على صحة الإنسان.
وقالت اللجنة العلمية المشكلة من 24 عضوا والمسئولة عن البحث في علم التعديل الوراثي إن الضرورة تقتضي إجراء مزيد من الأبحاث وخصوصا مع طرح أنواع جديدة في الأسواق.
ونفت الدراسة على نطاق واسع افتراضات جماعات الخضر بأن المحاصيل المعدلة وراثيا ستتبادل حبوب اللقاح مع النباتات التقليدية ما يتسبب في تخليق أعشاب (خارقة) تغزو الريف وتلوث الأنواع التي تنمو بصورة عضوية. ويقول معارضو تلك التقنية إنهم يريدون مزيدا من الأدلة قبل أن تقرر الحكومة ما إذا كان من الصواب زراعة المحاصيل المعدلة وراثيا في بريطانيا.
وأشارت مديرة السياسة في هيئة التربة غوندولا عزيز وهي جماعة ضغط بيئية إلى أن الأدلة المحدودة المتاحة تشير إلى احتمال وجود آثار سلبية، وأضافت «سيكون من غير المعقول أن تعرض الحكومة الناس لتلك المخاطر بالموافقة على المحاصيل المعدلة وراثيا».
وقال بيت رايلي الذي شارك في حملة شنتها جماعة أصدقاء الأرض البيئية ضد المحاصيل المعدلة وراثيا: «هناك شكوك علمية ملحوظة بشأن التأثيرات الطويلة الأمد التي قد تحدثها الأغذية والمحاصيل المعدلة وراثيا على صحة الإنسان وعلى البيئة؛ ذلك لأنه لم يجِر بحث كافٍ في تلك التأثيرات المحتملة».
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ