كشفت مصادرُ مطلعة لـ «الوسط»، أن خلوة صريحة جمعت الحكومة والجمعيات السياسية 3 ساعات متواصلة صباح يوم الأربعاء الماضي في غرفة تجارة وصناعة البحرين أحيطت بسرية تامة من الطرفين بتنظيم من «نادي مدريد»، ورعى الحوار - الذي لم تدعَ إلى حضوره جميع وسائل الإعلام - رئيس الوزراء السوداني السابق الصادق المهدي بحضور رئيس وزراء لتوانيا السابق ومستشار عن معهد البحرين للتنمية السياسية.
وأفصحت المصادر أن الطرفين ناقشا في حوارات صريحة وجريئة ومباشرة غير مسبوقة مختلف القضايا المتعلقة بالشأن العام بمشاركة ممثلَين عن الحكومة هما وزير الإعلام جهاد بوكمال ومستشار سمو رئيس الوزراء للشئون الثقافية محمد المطوع وأحد منسقي المؤتمر النائب الأول لرئيس مجلس الشورى جمال فخرو.
وكان وفد نادي مدريد وصل البحرين بعد جولاته المكوكية في المغرب والأردن، وسيزور البحرين في يناير/ كانون الثاني 2008، وكشف أنه بعد استكمال الزيارات الثلاث سينظم النادي اجتماعا في البحر الميت لمثليين رسميين وغير رسميين لمناقشة العمل على مدار العام وكان النادي سبق أن استدعى ممثلين عن الجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني من البلدان الثلاثة في قرطبة (إسبانيا).
وشارك في الخلوة من الجمعيات السياسية كل من الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية ورئيس كتلتها النيابية الشيخ علي سلمان، والنائب الثاني لرئيس مجلس النواب رئيس الهيئة الاستشارية لجمعية المنبر الوطني الإسلامي صلاح علي، كما لوحظت مشاركة الأمين العام لجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) إبراهيم شريف والأمين العام لجمعية العمل الإسلامي (أمل) الشيخ محمد علي المحفوظ، والأمين العام لجمعية الوسط العربي الإسلامي جاسم المهزع وتغيبت جمعية الأصالة التي كان من المفترض أن يمثلها النائب الأول لرئيس مجلس النواب الأمين العام للجمعية غانم البوعينين كما تغيب ممثل جمعية ميثاق العمل الوطني النائب السابق إبراهيم العبدالله.
ووصفت هذه المصادر الجلسة الحوارية بأنها كانت صريحة جدا، وامتدت ثلاث ساعات متواصلة، إذ بدأت في الساعة العاشرة صباحا وانتهت في الواحدة ظهرا، وناقشت القضايا السياسية الرئيسية بدءا من الملف الدستوري، وقدمت الحكومة والجمعيات رؤاها في تباين وجهات النظر بشأن آلية إصدار التعديلات الدستورية في العام 2002 التي رأت الجمعيات المعارضة أنها قلصت بعض الصلاحيات التشريعية والرقابية للمجلس النيابي.
وأشارت المصادر إلى أن «الخلوة الصريحة» تطرقت أيضا إلى موقف المعارضة من تقسيم الدوائر الانتخابية في المملكة، الذي رأت أنه «يفضي إلى برلمان غير متوازن في التمثيل الشعبي»، وموقف المنظمات الدولية المتخصصة منها، كما ناقشت محدودية الصلاحيات الرقابية لمجلس النواب نتيجة القيود التي فرضتها بعض المواد الدستورية واللائحة الداخلية للمجلس، كما لامست موضوعات الشفافية والعدالة في توزيع الثروة، ومكافحة التمييز المستشري في بعض المؤسسات الرسمية.
وأضافت هذه المصادر أن نقاشات صريحة قد جرت في الجلسة وصلت ذروتها في تناول قضايا موقع النموذج السياسي البحريني من خريطة الممالك الدستورية ومفهوم تداول السلطة والتجنيس السياسي والتمييز الطائفي وكذلك «التقرير المثير»، وطرح ممثلو جمعيات المعارضة آليات حل هذه القضايا، فيما أكد ممثل «المنبر الإسلامي» صلاح علي أهمية الحوار، ولكنه شدد على ضرورة عدم حرق المراحل، ودعا إلى «التدرج المنطقي في التحولات الديمقراطية»، وعلّقت المعارضة بقولها إنها «لا ترفض فكرة التدرج ولكن يجب وضع خريطة طريق محكومة بزمن معين؛ لأنه لا يمكن أن تنفذ الإصلاحات بعد نضوب الموارد»، وتطرق المجتمعون أيضا إلى تأكيد الفصل بين السلطات وتعزيز استقلال القضاء.
وبيّنت المصادر ذاتها أن أول المتحدثين في الخلوة كان الشيخ علي سلمان الذي وضع أرضية واسعة وشرح موقف المعارضة من غالبية المشكلات التي تعاني منها البحرين، وطالب بمزيد من الجدية لوضع آفاق لحلحلة هذه القضايا للوصول إلى رؤية جلالة الملك والتي وافق عليها الشعب بالإجماع في التصويت على ميثاق العمل الوطني وهي أن تكون البحرين «ملكية دستورية على غرار الديمقراطيات العريقة».
وأوضحت المصادر أن وزيرين أيضا كانا من المفترض أن يشاركا في الحوار هما وزير العدل والشئون الإسلامية الشيخ خالد بن علي آل خليفة الذي اعتذر لارتباطه بحالة وفاة، كما تغيب عن الحوار وزير الدولة للشئون الخارجية نزار البحارنة الموجود في شرم الشيخ في مصر للمشاركة في مؤتمر الطاقة الذي نظمه الاتحاد الأوروبي.
وأكدت المصادر «أن الكل تحدث بشكل صريح، ولكن الجلسة كانت اقرب إلى الفضفضة والاستماع للآراء أكثر منها حوارا منهجيا منظما»، مضيفة أن «من خلال هذه الخلوة فالكل يبدو مستعدا للحديث عن الحوار وضرورته ولكن المهم فيما بعد مثل هذه الجلسات وخصوصا بعد أن طرح كل طرف رؤيته في القضايا والمشكلات»، مردفة «يمكن القول إنها كانت جلسة ناجحة، إذ أوصلت رؤى الجمعيات السياسية إلى الدولة، والقصد من هذه اللقاءات تبديد بعض التوجسات بين الطرفين لإذابة الجليد، والأمل في ألا تتوقف هذه الحوارات عبر فتح قناة تواصلية مستمرة للحوار؛ لأن الدولة بحاجة إلى فتح حوار وطني شامل... ولكن هذا القرار يعتمد بدرجة كبيرة على قرار الدولة نفسها».
وسبقت خلوة الجمعيات السياسية خلوة أخرى جمعت وزيرة التنمية الاجتماعية فاطمة البلوشي مع المنظمات الأهلية التي عبّرت بصراحة عن معارضتها بعض مواد قانون الجمعيات الأهلية الذي تناقشه الوزارة، وكانت الجلسة الأخيرة مخصصة للحقوقيين والإعلاميين.
يذكر أن نادي مدريد - الذي تأسس في العام 2001 ودليه عدة برامج - يتكون من 66 رئيس دولة ورئيس وزراء سابقا منتخبين ديمقراطيا، ومن بينهم عرب ذوو خبرات عن الأوضاع في الدول العربية، إلى جانب ذلك لدى النادي طاقم من الباحثين، ولديهم خبرات عن الحكم الانتقالي، ولديهم جهاز استشاري من الأكاديميين من ذوي الخبرة، ونادي مدريد هو مؤسسة مستقلة لها مجلس أمناء، ومدعومة من الاتحاد الأوروبي وصندوق الديمقراطية في الأمم المتحدة ومؤسسات أخرى. وقد زار البحرين في شهر أبريل/ نيسان الماضي وفد برئاسة المهدي، ورئيس وزراء البوسنة والهرسك السابق وزلتاكو لاغموتيز بالإضافة إلى طاقم من التنفيذيين. وتأسس نادي مدريد في العام 2001، ولديه عدة برامج، ويتشكل من رؤساء جمهورية ورؤساء وزراء سابقين.
العدد 1884 - الجمعة 02 نوفمبر 2007م الموافق 21 شوال 1428هـ