لا تشكّكوا يا جماعة ولا تعارضوا... فهذا ما قاله الرئيس بالضبط. مصر ستقوم ببناء مفاعلات نووية لتوليد الطاقة الذرية. وتجنبا لأي سوء فهم من قبل الجار الإسرائيلي الشرس، ستتعاون مصر مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع شركاء دوليين آخرين.
ولكي لا تبدأ «إسرائيل» بشن حرب نفسية ضد صاحب القرار المصري، أو تبدأ بالتهديد بتكرار ما صنعوه بمفاعل تموز العراقي، فإنه لابد من توضيح أن الولايات المتحدة الشقيقة أعلنت قبل عام عن دعمها لبرنامج مصر النووي السلمي.
طبعا، المشكّكون سيبدأون يثيرون الغبار: لماذا تحظى مصر بدعم أميركا وأوروبا الغربية واستراليا وكندا... بينما يُعاقب غيرها في المنطقة؟
البعض سيقول إنه مجرد «غيرة» من بعض دول الشرق الأوسط التي خصّبت اليورانيوم، ولابد من أن تثبت مصر أنها ليست أقل شأنا من هذه الدول، فلابد من تخصيب اليورانيوم مهما كان الثمن.
والبعض سيدّعي أنها مجرد محاولة تغطية على فشل وتعثر مشروعات التنمية في مصر منذ سبعين عاما، فمن بنوا أهرامات خوفو وخفرع ومنقرع، لابد أن يبنوا المفاعلات على أطراف القاهرة، أو على سواحل الاسكندرية، أو في الصحراء الغربية وواحة سيوة، فالمفاعلات هي الأهرامات الجديدة التي لا يمكن التنازل عنها أبدا.
وبعض المغرضين سيدعون أنه مجرد «استعراض» إعلامي للتغطية على إفلاس النظام السياسي، الذي لم يجد ما يغطي به إخفاقات ثلاثين عاما، إلاّ إطلاق هذه الفرقعات الإعلامية. وسيصر هؤلاء أنها لعبة مكشوفة، في بلد يعاني من أزمة اقتصادية وسياسية، وغياب الديمقراطية وتوريث الحكم... ولكي يصرف النظام أنظار الشعب عن كل ذلك، لابد من اللجوء إلى لعبة من نوع جديد، ولتكن هذه المرة لعبة المفاعلات النووية.
والبعض سيدّعي أنه تلاعبٌ بلقمة الشعب المصري الذي يعاني من ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر والبطالة وانهيار خدمات الدولة، فما الفائدة من مفاعل لا ينتج بطاطس ولا فولا ولا طعمية؟ وإذا رددتَ عليهم بأن باكستان أنتجت الصواريخ وزرعت البطاطا، يردون عليك: ما لنا ومال باكستان؟ هم عندهم عداء تاريخي مع جارتهم النووية الهند، ونحن (خلاص) تصالحنا مع جارتنا وصرنا (حبايب)، وأنهينا كل خلافاتنا معها وصرنا «سمن على عسل»، فما فيش داعي نعكّر صفو العلاقات الأخوية ونكدّر علينا نفوس الجماعة الطيبين دول... أولمرت وباراك واشكنازي.
ثم أن احنه عندنا مشروع «توشكي»، طبعا حتقول الصحف المعارضة إنه فاشل، سيبوهم، ده أكبر مشروع ري في الدنيا كلها، ينتج بطاطا كبيرة جدا أد البطيخة، وطماطم حمرا غنية بالعصير زي الليمون الكبيرة، استثمرنا فيه خمسة ملايين جنيه، باعتراف وكالة «رويترز» نفسها!
لأ لأ... ده خيار استراتيجي لمصر، باكستان مش أحسن منّنا، ولا إيران أشطر منّا، ولا حتى الهند والبرازيل... كل العالم عنده مفاعلات واحنا معندناش؟ ده ميصحش، الناس بتقول عننا أيه؟
ده مش لعب عيال، ده مشروع نووي سلمي، ومجلس أعلى للطاقة يشرف عليه الرئيس نفسه، ووزراء وعلماء ذرة وتخصيب يورانيوم، حتى محطة فوربس الأميركية قالت إنها مش حروب ومشاكل زي «إسرائيل» وإيران، لكن بالنسبة لمصر، «يمكن تعني أعمال تجارية كبيرة»... فهمتوها بقى؟
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1883 - الخميس 01 نوفمبر 2007م الموافق 20 شوال 1428هـ