العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ

منيرة... هكذا يكون الرجال

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في إحدى الليالي الرمضانية الجميلة، كنت شاهدا على لقاء من نوع خاص وحميم، باستضافة «جمعية الصم» لعدد من إدارة وأعضاء «مركز الحراك الدولي».

مع بداية وصول الوفد، تبين صعوبة صعود الضيوف إلى مقر الجمعية بالطابق الثاني بكراسيهم المتنقلة، وتم إنقاذ الموقف بالتحوّل إلى «مأتم» صغير للنساء بالنعيم. وحين اجتمع الشمل بدأت منيرة بن هندي حديثها قائلة: «هذا بيتي، وأنتم استضفتموني في بيتي، وخصوصا أنه مكان روحاني، وهو أعظم مكان يمكن أن تحسّ فيه بالراحة، فلو كنا في الشقة (المقرّ) لما شعرت بنفس الراحة والروحانية».

وأشارت إلى أنها تمثّل أصحاب الإعاقات للمجلس، ودعتهم لعدم التردد في إيصال أية اقتراحات أو أسئلة، وحضور الجلسات بعد إقرار ترجمة الجلسات بلغة الإشارة بدءا من الاثنين الماضي، للمرة الأولى ربما على مستوى الخليج.

هذه السيدة، التي كافحت من فوق كرسيها المتنقل لتحسين أوضاع المعوقين طوال ربع قرن، وتشارك في الفعاليات الرياضية والاجتماعية المختلفة لتسهيل دمج الفئات المهملة في المجتمع لم تفارقها إرادتها الصلبة، ولم يخنها حسّها الوطني السليم. والجميل أن تكتشف أن فيروسات الطائفية التي نخرت أجسادنا نحن «الأصحاء»، لم تتسلل إلى مجتمع المعوقين الذي ظل مجتمعا بكرا يسير على الفطرة، ولا تشعر بوجود فروق مذهبية أو مناطقية أو عرقية تقيم بين قلوبهم الحواجز المصطنعة، وكم كان المنظر جميلا نهاية اللقاء، حين تحلقت حولها الفتيات (الصم) لالتقاط الصور.

منذ السبعينات، ومنيرة تشارك في المنتخبات الوطنية لرياضة المعوقين، وها هي تحمل إعاقتها وحماستها على عاتقها، إلى مجلس الشورى. بينما هناك أناسٌ في القاموس الطبي «أصحاء»، وبعضهم مسئولون ونواب، لا يعانون من أية إعاقة جسدية أو بصرية أو سمعية، ولكنهم يعانون من إعاقات أشدّ خطرا وأكثر ضررا، باختزالهم «الوطنية» كلها في ثوبهم و «بشوتهم»، واعتبار منطقتهم قلعة خاصة لا ينبغي لأحد من «المخالفين» أن يقتحمها، وتثور ثائرتهم لأن ندوة في مجلس أحد الوطنيين في تلك المحافظة استضافت بعض الناشطين الحقوقيين والسياسيين للحديث عن الانتهاكات التي تعرض لها ضحايا التعذيب في سنوات القمع. ولعل أكثر ما أثار «الجماعة» في الندوة عرض فيلم وثائقي عن أحد أشهر الجلادين البريطانيين على مستوى الشرق الأوسط، الذي عانى من أفعاله وتسلّطه آلاف من أبناء الشعب البحريني طوال ثلاثة عقود. وهو الجلاد الذي دعا أحد نواب الصدفة المحبوبين جدا... إلى تكريمه علنا دون خجل أو حياء.

من قبل، صدرت التعليمات بمنع بيع الأراضي على بعض فئات المجتمع في إحدى المحافظات، واليوم تصدر التصريحات بمنع استقبال أي زائر «غريب» يتم تصنيفه بإثارة الحقد والكراهية والنعرات الطائفية، والمقصود - كما هو واضح - الناشطون في مؤسسات المجتمع المدني. وإذا استمر هذا الغيّ، فسيطالبون غدا بفرض تأشيرة دخول على كل من يرغب بزيارة مملكة المحرق من مملكة المنامة أو جمهورية سترة أو سلطنة النبيه صالح. وسيفرضون «تأشيرة عبور» لمن يريد السفر عبر المطار!

منيرة بنت البحرين... وهي تغادر الغبقة داعبت مضيفيها قائلة: «أعطوني من قهوتكم الزينة»... بينما يجتهد بعض الرجال في رفع الحواجز والسدود.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1882 - الأربعاء 31 أكتوبر 2007م الموافق 19 شوال 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً